الأمير الذي أصبح ملكاً
موسيقار الأزمــان (فريد الأطرش)
حنان محمد فارع
فريد الأطرش سطع نجمه في سماء الفن العربي منذ بدايات ظهوره في الثلاثينات من القرن الماضي على الساحة الغنائية العربية، تفرد عن مطربي عصره بصوته الدافىء الحزين وأدواته المختلفة في قول المواويل والنفس الطويل وعزفه البارع على آلة العود، ألهب مشاعر الجميع وحرك الإحساس بفنه الراقي فأصبحوا عشاقاً لطربه الأصيل.
يُلقب بـ ملك العود فقد كان مولعاً بآلة العود منذ أن كانت والدته (السيدة عالية) تعزف عليه وتغني على أوتاره، من كلماته الخالدة: «إنني منذ استمعت إلى غناء وعزف أمي وأنا أسبح في هذا البحر الكبير كقطرة»، عندما كان يصعد المسرح للغناء بصحبه عوده يهتف الجمهور طالباً منه وصلة منفردة من التقاسيم على العود، تلك الصلة الحميمة التي جمعته بالعود تجعلك تراه يحتضن عوده بحب وانسجام ومشاعر متدفقة يحتويه بين ذراعيه ليسافر معه في غيبوبة فنية تتوجه ملكاً على آلة العود بدون منازع، فكان بعزفه يبهر الحضور ففي إحدى حفلاته فلتت ريشة عوده من بين يده، ولكي لا يقطع الوصلة مع جمهوره استمر بالعزف على يديه بدون ريشة - وهي عملية صعبة - وبعد أن انتهى قام أحد الحضور لمصافحة فريد وتحيته وإذا نقاط الدم تنزف من بين أصابعه.
فريد الأطرش (المطرب والملحن والممثل) عاش للفن وهبه كل حياته وأخلص له فقدم لتاريخ الفن العربي مكتبة زاخرة بأحلى الألوان من الغناء وما يقارب 31 فيلماً سينمائياً و 500 لحناً غنائياً، رغم العطاء الزاخر والتراث الفني الغنائي الذي ترك بصمات فريدية واضحة على الموسيقى والغناء العربي لم نعطه حقه كاملاً حتى اليوم فلا يزال مهضوماً إعلامياً، .
سوء الحظ كان خير مرافق له، منذ طفولته عانى حرمان رؤية والده واضطراره إلى التنقل والسفر هروباً من الفرنسيين المعتزمين اعتقاله وعائلته انتقاماً لوطنية والده ولم يفارقه سوء الحظ، فعندما تقدم للامتحان أمام لجنة الغناء في الإذاعة والتلفزيون أصيب بالزكام وأدى ذلك إلى فشله، لكنه لم يفقد الثقة بصوته فتقدم للامتحان الثاني وسجل أول أغانيه للإذاعة المصرية (يا ريتني طير لاطير حواليك)، وألحقها بالثانية (بحب من غير أمل)، فكان ما يقبضه زهيداً، ليخرج فريد من التجربة الغنائية الأولى خاسراً مادياً لكن تشجيع الجمهور عوض تلك الخسارة.
بدأ في دخول عالم السينما مع اخته الراحلة أسمهان في أول فيلم لهما (انتصار الشباب)، حيث قام فريد بوضع ألحان أغاني الفيلم والموسيقى التصويرية، بالتدريج أخذ النجاح يزحف إليه ليرسم الفرح والسعادة في حياته، لكن سوء الحظ ظل لصيقاً به فتوفيت شقيقته المطربة الراحلة أسمهان على إثر حادث غرق سيارتها مما جعل حزنه يزداد عمقاً، فإذا غنى فإن الكلمة حزينة، وإذا لحن فإن النغم أكثر حزناً.. شعوره الدائم بالوحدة والحزن، انعكس على شخصيته في الكثير من أفلامه فكان يسمي نفسه (وحيداً) لشدة حزنه ووحدته، فإذا ما تخلى عن هذا الاسم في أي فيلم يعلم جمهوره أن ملك العود أصبح سعيداً وعودته للاسم تعني عودة الحزن إليه.
أكثر من نصف قرن مضت على زيارة فريد الأطرش لعدن فهو أول فنان عربي يأتي للغناء في اليمن، كان وصوله أرض عدن نهار الجمعة 10فبراير 1956م، ففي أسبوعيات فتاة الجزيرة يكتب الأستاذ محمد علي لقمان (12فبراير 1956م): «أصبح فريد الأطرش حديث الناس في عدن.. فلأول مرة في تاريخ جنوب الجزيرة يصل فنان عربي شهير لإحياء حفلات غنائية في عدن... وما كان أهل الفن يقدمون على هذا العمل لأن عدن لم تكن سوقاً رائجة من أسواق الفن الغنائي، والفنان الكبير لا يحضر بلداً إلا إذا كان أجره يليق بمكانته الفنية، ولكن فريد يعلم أن عدن سوقاً رائجة لأفلامه، ويندر أن نجد أحداً لا يشاهد فيلماً لفريد ولا يحفظ أغانيه وحضوره إلى عدن شخصياً أمر فيه مجاملة كبيرة من ناحية وفيه كسب تجاري من ناحية أخرى لأن عدن سوق لفريد الأطرش».
كان حلمه بأن يحصل على وسام من الثورة وحدث أنه علم أن الرئيس جمال عبدالناصر سوف يمنحه وسام تقدير في أحد الاحتفالات التي تقام لثورة يوليو وتم إبلاغه بذلك، وبدأ الاستعداد للذهاب لاستلام الجائزة ولكن عبدالحليم سارع بالاتصال بالمقدم شمس بدران الذي كان صديقاً حميماً له ولعبدالوهاب ومدير المكتب المشير عبدالحكيم عامر، واستطاع عبدالحليم أن يقنع رجال الثورة بحجب الجائزة عن فريد الذي ظل منتظراً في فراندة شقته ينتظر وصول الدعوة - ولكن الدعوة لم تصل - وشوهد فريد ليلتها والدموع تنهمر من عينيه.
كانت لديه رغبة تخص أم كلثوم في تحلين أغنية لها ورغم موافقة أم كلثوم إلا أنهما اختلفا في الأغنية التي يمكن أن تغنيها له خاصة بعد أن رفضت أم كلثوم أغنية وطنية باسم (ورد من دمنا) حيث أنها لا تستطيع تقديمها في أي حفلة من الحفلات التي كانت تقيمها.هذا ما صرحت به ام كلثوم لكن هناك قطب مخفية منعت ام كلثوم من غناء لحن فريد الاطرش هذه القطبة لم يحل لغزها حتى يومنا هذا
فريد الأطرش مطرب الزمن الجميل حيث كانت القلوب صافية والنفوس نقية.. غنى فأطرب عزف فأبدع فتربع ملكاً على العود والفن والقلوب.