شهرتها كراقصة فاقت شهرتها كممثّلة.. اكتشفها فريد الأطرش وجاءت معه إلى مصر وشاركت معه في فيلمين: الأوّل «عايزة أتجوّز» عام 1952 إلى جانب نور الهدى، والثّاني «لحن حبّي» عام 1953 إلى جانب صباح. تلكم هي الفنّانة ليلى الجزائريّة الّتي اعتزلت الفنّ باكراً حين ارتبطت باللاّعب الدّوليّ المغربيّ الرّاحل عبد الرّحمان بلمحجوب وتزوّجا يوم 24 دجنبر 1954. وقد تمّ تكريمها يوم الجمعة 15 يونيو 2012 على خشبة مسرح محمد السّادس بالدّار البيضاء (المغرب) عند افتتاح الدّورة السّابعة للمهرجان الدّوليّ للفيلم القصير والشّريط الوثائقيّ.. وبعدها خرجت عن صمتها فكشفت عن بعض أسرار علاقتها بفريد الأطرش لجريدة "الصباح" المغربيّة.. وهذا بعض ما جاء بشأن "الفريد" في ذلكم الحوار الشّيّق الّذي أجراه معها عزيز المجدوب (بتصرّف): «في تلك الفترة (1950) قرأ الرّاحل فريد الأطرش ما كتبته الصّحف المصريّة وكان يتردّد كثيراً على باريس، وفعلاً قدم مباشرة بعد مغادرة عبد الوهاب، وجاء إلى ملهى "الجزاير"، وبالصّدفة لم أكن أشتغل ليلتها هناك، إذ خرجت رفقة بعض الأصدقاء، فسأل عنّي فقالوا له إنها ستأتي غداً، وبلغ الخبر إليّ عن طريق الرّاحل فويتح (مطرب مغربيّ) الّذي قال لي إنّ فريد الأطرش سأل عنّي وأنّه يرغب في مقابلتي، وفعلاً التقينا في اليوم الموالي بفندق "كلاريدج" وكان بصحبتي منتج أفلام جزائريّ رافقني ليكون شاهداً على اللّقاء. اقترح عليّ فريد الأطرش أن أرافقه إلى مصر وأشتغل معه في السّينما بعقد مدّته ثماني سنوات، وكان يريد بذلك تعويض الفراغ الّذي تركته الرّاقصة سامية جمال، بعد خلافها معه وزواجها، وهذا ما جعلني أتهيّب من الأمر، سيّما أنّه كان من الصّعب على أيّ كان أن يحتلّ مكان سامية ويصيب الشّهرة نفسها الّتي كانت تتمتّع بها... ولا أنكر أنّ فريد الأطرش عاملني معاملة خاصّة وكرّمني بأن جعلني الفنّانة الوحيدة الّتي زارت معه قريته الأصليّة في جبل الدّروز، وهناك قابلت أفراد عائلته بمن فيهم والدته، وهو الأمر الّذي لم يكن مع سامية جمال الّتي اشتغلت إلى جانبه سنوات طويلة. المهمّ أنّني قبلت بعد تردّد الانتقال معه إلى مصر، وشرع في إعداد العقود وتهييء إجراءات سفري إلى أرض الكنانة، ولمّا وضع العقود أمامي زاد ارتباكي وتردّدت كثيراً سيّما أنّني كنت أعتقد أنّي لن أجاري سامية جمال أسلوبها في الرّقص، خاصّة أنّ أسلوبي كان مختلفاً. المهمّ أنّه بعد أيّام من الاتّصالات الهاتفيّة من القاهرة الّتي ذهب إليها عاد فريد الأطرش إلى باريس وأخذني معه إلى العاصمة المصريّة... (وبمجرّد وصولي إلى مصر واجه فريد مشكلاً مع السّلطات المصريّة بسببي)... كانوا يعتقدون أنّني جاسوسة، كما أنّه كان لزاماً عليّ أن أحصل على تأشيرة لمدّة ثلاثة أشهر، المدّة الّتي سيستغرقها تصوير الفيلم الأوّل، لكنّ الأشهر الثّلاثة مرّت والفيلم لم ينته بعد من التّصوير، وكنت حينها أقيم مع فريد الأطرش وأسرته المكوّنة من شقيقه فؤاد وأخته غير الشّقيقة ميمي، تحديداً بشقّة تقع بالعمارة رقم 5 في شارع عادل أبو بكر بالزّمالك، كما شرعت في تصوير فيلمي الأوّل مع فريد الأطرش بعنوان «عايزه أتجوّز» واكتشفت أثناء التّصوير أن السّلطات المصرية كلّفت شرطيّاً بمراقبتي طيلة النّهار بالأستوديو إلى أن أنتهي من عملي... وتلقّيت عرضاً آخر للاشتغال في أحد ملاهي بيروت، بالموازاة مع فيلم «لحن حبّي»، وانتهزت الفرصة، خلال تلك الفترة، لزيارة المغرب، خاصّة أنّ والدتي تزوّجت للمرّة الثّانية واستقرّت بالدّار البيضاء، ولمّا جئت إلى هنا اقترحوا عليّ مجدّداً تقديم فيلمي الجديد «لحن حبّي» بسينما «شهرزاد»... (وبخصوص اللّهجة المصريّة) وجدت بطبيعة الحال صعوبة خاصّة أنّني كنت أتحدّث من قبل الفرنسيّة فقط في باريس وعلاقتي باللّغة العربيّة ضعيفة، فاقترحت عليهم اللّجوء إلى الدّبلجة إلاّ أنّ فريد الأطرش لم يقتنع بالفكرة، فكلّف الإذاعيّ محمّد علوان بإعطائي دروساً في اللّهجة المصريّة وإلقائها، وتعرّفت خلال هذه الفترة أيضاً على الشّاعر الغنائيّ مأمون الشّناويّ الّذي كان يمازح فريد الأطرش قائلاً "هل جلبت هذه الفتاة من دير الراهبات؟" في إشارة منه إلى أنّني لم أكن أدخّن أو أشرب الخمر، حتّى السّهر الّذي كان عنصراً ثابتاً في الوسط الفنّيّ لم أكن أقوى عليه. وفي أحد الأيّام أخبرني مأمون الشّناوي أنّ محمد عبد الوهاب يريد مقابلتي فخفت أن يكون الموسيقار غاضباً منّي بسبب تفضيلي الاشتغال مع فريد الأطرش بدلاً عنه، وقابلت عبد الوهاب في مكتبه وفاجأني أن اتصل من هناك بأمّ كلثوم، ومدّ لي السّمّاعة لكي أتحدّث معها فسألتني عن حالي بعبارات لطيفة، وإن كنت أواجه مشاكل فأجبتها نعم، فطمأنتني بأنّ كلّ مشاكلي ستحلّ ولن أواجه أيّ مضايقات بعد ذلك، وهكذا حصلت على تأشيرة جديدة وواصلت تصوير الفيلم إلى أن انتهينا منه، وتوجّهت بعد ذلك إلى باريس حيث قضيت شهراً قبل أن أذهب إلى الجزائر باقتراح من منتج جزائريّ بهدف تقديم فيلم «عايزه أتجوّز» إلى الجمهور الجزائريّ الّذي خصّني باستقبال منقطع النّظير معتبراً أنّني مثّلته خير تمثيل في السّينما العربيّة، وكان الفيلم قد عرض بسينما "ماجستيك" بالجزائر العاصمة، كما راقه أنّني كنت أقدّم نفسي باسم "ليلى الجزائريّة"، والطّريف أن اختيار هذا الاسم جاء بعد التحاقي بمصر، إذ اقترح عليّ فريد تغيير لقب ليلى حكيم الّذي كنت أحمله بدعوى أنّ عبارة "حكيم" تعني الطّبيب الشّعبيّ لدى المشارقة، فاقترح هو لقب "سلطانة" فأجبته أنّ هذا الاسم لا نطلقه سوى على الخدم في الجزائر، إلى أن استقرّ الرّأي على لقب "ليلى الجزائريّة"... وكان (فريد الأطرش) شخصيّة متفرّدة وكرمه يفوق كلّ الحدود، كما كان يعشق السّهر والقمار بشكل جنونيّ، علماً أنّه لم يكن يدخّن أو يشرب الخمر، وأذكر أنّني كنت معه في إحدى السّهرات بفرنسا فخسر ثلاثين مليون فرنك في ليلة واحدة، أمّا في منزله فلم يكن يجلس إلى مائدة الطّعام في الغداء أو العشاء إلاّ وهو محاط بنفر من أصدقائه... وبعد عودتي من الجزائر قضيت شهراً إضافيّاً في باريس، واتّصل بي فريد من القاهرة مخبراً إيّاي أنّه حان موعد تصوير الفيلم الثّاني... وعندما عدت إلى مصر وجدت أنّ عبد الوهاب وأمّ كلثوم قد هيّآ لي وضعاً جديداً أكثر راحة، واشترطا على فريد الأطرش أن أقيم بمفردي ولا أقيم معه بدعوى أنّه عازب، فاحتجّ عليهما فريد بأن قال لهما إنّني أقيم مع أسرته وليس معه بمفرده فلا يعقل أن يتركني أقيم في فندق أو في سكن مستقلّ. (ومن بعض الطّرائف الّتي حدثت لي خلال تصوير فيلم«لحن حبي») أذكر أنّ صباح بمجرّد ما رأتني لأوّل مرّة غنّت لي أغنيّة باللّغة الفرنسيّة الّتي كانت تجيدها لمّا علمت أنّني من شمال إفريقيا، كما هو الشّأن بالنّسبة إلى فريد الأطرش الّذي كان يتحدّث الفرنسيّة بطلاقة. المهمّ أنّه بعد انتهائنا من فيلم «لحن حبّي» سافرنا إلى بيروت لقضاء العطلة الصيفيّة هناك، ومن هناك زرنا أسرته في الدّروز، وبعد ذلك عدنا إلى بيروت فاقترح عليّ أنور وجدي الاشتغال معه في فيلم جديد فاشترطت عليه موافقة فريد الأطرش الّذي لم يبد اعتراضاً على ذلك، رغم أنّني كنت موقّعة معه عقداً. .. وما فهمته من خلال إحدى المناسبات ربّما (فريد الأطرش غار من علاقتي ببلمحجوب) وكنت استدعيت عبد الرحمن بلمحجوب لوجبة غداء في محل إقامتي بباريس، وحضر المناسبة أيضاً فريد الأطرش الّذي قدّمت له بلمحجوب كواحد من نجوم الكرة المغاربة، وكان قد سمع عنه من قبل، وبعد هذا اللّقاء وعقب انصراف بلمحجوب، فاتحني فريد الأطرش في موضوع زواج عرفيّ بيننا حتّى يخرس الألسنة الّتي كانت تنتقد إقامتي في بيت أسرته، ولمّا رفضت الفكرة أجابني بحدّة "إذن أنت تحبّين هذا اللاّعب"، فاستغربت لطريقة جواب فريد الأطرش، وأجبته أنّني ما زلت ملتزمة معه بعقد عمل، فرد عليّ أنّه يجب عليّ العودة إلى مصر لتصوير فيلم جديد، ولمّا ذهب إلى هناك لم ألحق به بل بقيت في باريس... ووقع نوع من الانجذاب بيني وبين بلمحجوب وبعد بضعة أشهر قرّرنا الزّواج... كما أنّ فريد الأطرش نفسه سيصبح صديقاً مشتركاً لنا وستجمعنا به لقاءات لاحقة كان آخرها قبيل وفاته ببضعة أشهر، وكان يمازح زوجي ويقول له إنّه غنّى من أجلي العديد من الأغنيّات أشهرها «نورا». ومن مكتبتي الخاصّة.. هذه ورقة من ركن «ما أحلى الرّجوع إليهم» بالعدد 2958 من مجلّة «الكواكب» بتاريخ 8 أبريل 2008.. وهي من تحرير أشرف غريب ولمتعة الأذن والعين.. أغنيّة «نورا» من فيلم «لحن حبّي»
اخي القدير مأمون مقال مميز قرأته بشغف لما تتضمنه من معلومات جديدة لم اعرفها من قبل اشكرك جزيل الشكر عى هذا المجهود المميز دمت ذخرا لنا وللمنتدى مع فائق احترامي وعظيم تقديري
أخي الحبيب الأستاذ وليد إنّ حضرتك تطوّق عنقي بمسؤليّة جسيمة.. الحرص على الجودة شكلاً ومضموناً أرجو أن يوفّقني الله لأكون دوماً عند حسن ظنّ حضرتك وتقبّل أخي فائق مودّتي وتقديري