وليد علبي الاداره- كبار الفريدين
عدد المساهمات : 37501 تاريخ التسجيل : 01/01/2013
| موضوع: امير النغم العربي فريدالاطرش {الفصل الاول} 12/6/2016, 19:27 | |
| [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]تقدمة منى العليمنتدى درب الياسمينأمير النغم العربي فريد الاطرش هو الغائب الحاضر دوما في قلوب محبيه لحنا خالدا في ذاكرة الملايين وبرغم رحيله منذ اعوام طويلة لازال صوته الشجي يطربني ويبكيني ومن هنا ارجو لكم رحلة جميلة و قراءة ممتعة مع هذه الفصول - اقتباس :
- الفصل الأول طريق الدموع
طرقعت حوافر الجياد على طول الطريق الصاعد إلى قرية (( القرية )) وصنع صوتها مع قصف الريح لحناً صاخباً ، وبث الركض الدفء في أوصال الجياد فتحول ركضها إلى سباق ، وتهشم تحت سنابكها غطاء الجليد الذي استلقى على كل شبر في جبل الدروز، ولكن الجياد ما ضلت طريقها لأنها تعرفه رغم الليل الذي ثكل القمر، ورغم أنها تمضي على الجليد الذي سكبته السماء كثيفاً يخفي كل حدود على الأرض الشاسعة ! وتجاذب الفرسان فوق ظهور الجياد أطراف الحديث :
_ يا لها من ولود ودود زوجة فهد ... _ تعني عاليه بنت المنذر ... أن لها في كل حول بطناً جديدة .. _ لو فعلت كل درزية مثلما تفعل عالية لاستطعنا أن نجند جيشاً نخلع به السلطان عبد الحميد من الاستانة ! _ لم لا تقول أن حقول القمح لن تكفي دروز الجبل فنتضور جوعاً ! وضحكوا .. وصهلت الجياد وكأنما تشاركهم الضحك ... ولم يتركوا أطراف الحديث ... عادوا يتجاذبونها قائلين : _ أن فهدًا يحب الذرية ... له من زوجته الأولى ثلاثة ، وها هي زوجته الثانية تتفوق عليها فإنها أنجبت الرابع ! _ إنني أمد بصري إلى الغيب فأتصور فهداً أبا لثلاثين ! إن ولعه بالنساء لشديد ... هو صريع العذارى ، وشهيد كل هيفاء نجلاء ، وله على اجتذابهن مقدرة تفوق حد الوصف ... _ أو تعلم أنه تزوج عاليه ذات صدفة ! فقد بعث به أحد أصدقائه إلى أهلها كي يخطبها له ... فلما التهم بشرتها وقوامها بعينيه قال لأبيها : إنما جئت لكم لكي أطلب يد ابنتكم لنفسي ... _ خطبها لنفسه ؟؟ _ نعم فهو يؤثرك على نفسه بكل شيء إلا المرأة الجميلة ! وتعالت ضحكات الفرسان من جديد ، ومضت فترة صمت تأملوا فيها ما حولهم من أغصان الأشجار المثقلة بالجليد ، وألقوا نظرة على تل قليب الذي يطل من بعيد هادئاً كأنه فيل وديع ! كان هذا التل من قبل ثائراً قذف من جوفه الحمم فغطت كل تلك الأرجاء بالركام الخصيب والحجر الأسود، وها هي تلك الأرجاء تعيش على المطر يقبل مع كل شتاء ، فإذا سقط الجليد فإن الآبار تختـزن منه زاداً للزرع والضرع حتى يدور الحول ويعود المطر ... ذكرهم الجليد بالوليد فهتف أحدهم : _ ابن فهد الجديد قدم سعد ! _ الرسول الذي أبلغنا نبأه قال أنه نزل من بطن أمه في كيس شف ! _ هذا الكيس يشي بالسعادة له ... سيكون محروساً من العين كما تقول أساطيرنا ! _ بل أن السعادة ستكون لنا أيضاً ، ألا ترى أن السماء فرشت له الأرض فضة بيضاء احتفالاً بمقدمه ، وسنختـزن ذوب الجليد رصيداً للصيف ... واقتربت قرية قبل القرية ، وكان على حدودها الملاصقة للطريق شلة من الفرسان أقرأت تحية الليل للفرسان القادمين من سائر قرى الجبل لتهنئة فهد ، ثم انضمت إلى الركب ... واتسعت دوائر الحديث فشغلت كل مجموعة بفرع منه ... وقصرت الثرثرة طول الطريق ، ولاحت القرية ببيوتها القائمة ، فهتف أحد الفرسان : _ دار فهد مضيئة ! النور والنار فيها يشقان ظلمة الليل ... ألا ترون ؟ _ هذه الدار غير بعيدة عن بيت سلطان الأطرش ... كم يفرح القائد بكل وليد ... أنه سيهدهده في الفراش ثم يقول لأبيه : متى يحمل البندقية ؟ وسارت الجياد اثنين اثنين في دروب القرية الضيقة، وتوقفت عند دار فهد الأطرش الذي تفوح منه رائحة الشواء وأصوات الغناء .. وقام فهد الأطرش يستقبل ضيوفه ... فماذا سميت المولود ؟ ... فريد ... عندي الآن فؤاد ، وأنور ، ووداد ، وفريد ... وهل ستستريح بعد هذا العناء ! فضحك فهد الأطرش ضحكة مجلجلة وداعب شاربه الكثيف وهو يقول : _ البقية تأتي ! *** أتت البقية بعد أن ذاق الموت أحد أضلاع المربع ! فقد أصابت عين حاسدة أنور الصغير وهو خارج من حمام تركي مع خادمة ... والمكان ديمرجى في تركيا إذ قد نقل إليها فهد الأطرش ليكون حاكماً لها ! أما ديمرجى تلك ، فقد كانت منطقة لا يهدأ فيها الشيطان ، لا يمر يوم بغير قتل أو نهب أو عصيان على السلطان ... فمن للسلطان بمن يكسر شكيمتها ويروض رجالها ؟ ..أتى بفهد الأطرش من الجبل ، وسبق فهد إلى ديمرجى حيث الدروز في القتال ، فأثمرت الخطة ثمارها في أيام ... وكان مع عاليه شقيقها خليل ذو الصوت الرخيم... والصغير فريد لا ينام قبل أن تغني له أمه ، فإذ شغلت عنه فلا بد أن يغني له خليل ، وقد صارت للصغير لازمة يعرفون منها أن النوم بدأ يتجمع تحت جفونه كانوا يرون دموعاً تترقرق في مقلتيه ! مات أنور وبكته الأم ، ومات خليل أيضاً في ديمرجى ، وشحن كل هذا صوت الأم بالوجيعة والألم .. وسكبت الأم كل هذا في أذن الصغير وهو يترعرع ، ثم حملته ذات ليلة ليلاً إلى الشاطئ مع أشقائه .. وحملت الركب المذعور سفينة متهالكة إلى عرض البحر بعيداً عن الشاطئ التركي ، كان ثمة حرب بين اليونان وتركيا .. واليونانيون تفوقوا على الأتراك وديمرجى لم تصلها ذخيرة ولا رجال وفهد الأطرش أحس خطراً يتهدد جبل الدروز ما دامت الامبراطورية العثمانية تنكس أعلامها في كل ميدان قتال ، فحمل أسرته على كاهله ورحل ! وعلى السفينة ولدات أسمهان ، واهتدت السفينة إلى الشاطئ بعد ضلال طويل . وفي جبل الدروز بدأ الصغير يتحول إلى طفل عليه مخايل الذكاء وعن شقاوته تروى القصص في المنادر على أسماع الضيوف ، والفرنسيون حلوا محل الأتراك في الجبل العاصي ، والخلافات بينهم وبين الدروز أعلنت ميلادها منذ اليوم الأول لقدوم ذوي القبعات العالية المتغطرسين،والدرزي لا يقبل الغطرسة من أحد،فالرأي عنده ما يرى هو ... فكيف يحنون الرؤوس ويستسلمون ؟ والمشاكل التي تعقدت استدعت البحث عمن يكون وسيط خير بين أهله والفرنسيين ، وقد كان فهد الأطرش هذا الرجل ، وقد اختاره أهله . لأنه يجيد الفرنسية ، وله سابق تمرس بالسياسية والسيادة ... اختاروه ليكون مندوباً مقيماً في بيروت حيث يقيم الحاكم الفرنسي لأرض الشام كلها ، فيحل هناك العقد ويسوي المشاكل ... وفي قصر آل شوشاني أقامت الأسرة ... وغرقت عالية في عز هي به جديرة ولائقة ، وتولت الخادمات تربية الأطفال ... غير أن الكل كانوا ينامون إذا ما ابتلع الأفق قرص الشمس ، إلا فريد الذي لا ينام قبل أن تستقبل أذنه شحنة من غناء أمه بصوتها الحزين ... ووداد الجميلة اختفت من البيت فجأة ، حملها تابوت إلى القبر ، وكان فريد يصحو كل صباح ويبكي .. _ فلماذا تبكي يا صغيري ؟ _ أماه لقد قلت لي أن وداد ستعود ولكنها لم تعد ! وبدأت الأحزان الصغيرة تتدفق إلى قاع الصغير قطرة بعد قطرة ! *** لم يكن للعز الذي رآه فريد في الجبل ، ولا للنعيم الذي رتعت فيه الأسرة في بيروت خلوداً في حياة القافلة التي تحمل اسم فهد الأطرش ! ولا كان فريد يدرك أنها فرصة لكي يعب من السعادة للأيام السود القادمة ! كان ينصرف من القصر ليلعب مع الصبية الفقراء . أحدهم أغراه بأن يذهب معه إلى شاطئ بيروت عند الروشة لكي يعاونه في صيد السمك ، وفريد الذي لم يكن قد تجاوز السادسة من عمره ، أطاع في غير تردد ، فهرب من خادمته ، وهرع إلى البحر .. وأمضى سحابة النهار في صيد السمك . وتحمس وأوغل في الماء فجاءت موجة عالية واختطفته ، صديقه الذي معه ارتاع وصرخ فتجمع الناس واندس في الماء باسل منهم وخرج بفريد وهو يصارع الموت ، فأفرغ ما في جوفه من ماء مالح ، وسأله ابن من يكون ، وحمله إلى القصر وهو في عجب من أمر ابن الأكابر يساعد في الصيد مرتزقاً ! فلما عاتبت الأم فريداً قال : _ صديقي الجائع ... ألا أعاونه في تحصيل قوته ؟ وعرفت الأم لماذا كان فريد يأخذ الفاكهة ويقول أنه سيأكلها في الحديقة ، ولماذا كان يختلف إلى المطبخ ويخرج منه بلفافة فتتغاضى عنه حاسبة أنه يفعل خيراً ... وخيراً كان يفعل ، ولكن هل يفعل الخير إلى حد أن يوشك على الموت ؟ ترى هل يجد هو بعد ذلك من يحمل له لفافة طعام شهي من قصر غني ؟ ترى هل سيصادف من يبذل له حياته مثلما كان يبذل لصديقه الفقير ؟ .. سألت الأم نفسها هذه الأسئلة ! ولم تجد جواباً غير صور من الماضي تتابع عبر مخيلتها وتسلمها للضنى الشديد والحزن الكثيف ! آخر تلك الصور صورتها وهي عند الأمير سليم الأطرش حاكم جبل الدروز ، فقد التقت به في قصره في دمشق ، وسألته في فضول : _ ماذا تريد يا سليم ؟ _ فهد الأطرش ابن عمي ... تعلمين ... لقد انضم إلى صفوف الثوار في الجبل ! _ وماذا في هذا ... إنني أعرف ذلك منذ تركنا ، وأعرف أن الجبل يتحول إلى ميدان قتال تفرشه الدماء ... لو كان ابن عمك يرعى أسرته لما تركنا للوحدة والقلق ... إنني فررت من بيروت فراراً حين علمت أن الفرنسيين يتربصون بأسرة فهد الأطرش ليعتقلوها ... إنني أتحمل أي شيء كان ما ذنب هؤلاء الصغار ؟ _ مهلا يا زوجة ابن العم ! فهد الأطرش أرسل يطلبك مع الأولاد لتذهبوا إلى الجبل وستكونون في الحمى ... كل الحمى ، وستقيمون في قلب كل درزي ! _ ماذا يفعل الصغار إذا أصابت رصاصات الفرنسيين قلوب الدروز جميعاً ! فكظم سليم الأطرش غيظه وقال بلهجة حاسمة : _ مطلوب مني أن آخذ أولاد ابن عمي إليه ، أما أنت فافعلي ما تشائين بعد ذلك ! فقالت بلهجة أشد حسماً : _ الله لا يريك ذرية إن أنت فرقت بيني وبين أولادي ! وأصابت الرمية مقتلاً من سليم الأطرش ، فقد كان يشتهي الذرية والسماء بها ضنينة ، ومدار الأمل في غمره أن ينجب ، وها هي عالية تطلق دعاء أم مكروبة ، وحتماً فتحت السماء أبوابها للدعاء ! وظل سليم الأطرش بلا حراك لدقائق ، فلما تحرك من مكانه هبت إلى أولادها تحميهم منه ، وحلقت ابتسامة باهتة على شفتيه ومضى إلى حجرة جانبية ، وأحضر كيساً من نقود ، عاد به إلى الأم وهو يقول : _ حد الله بيني وبينك ! خذي هذه النقود واذهبي ... وخرجت وهي لا تكاد تصدق أنها أنقذت فلذات كبدها من الموت في الجبل ، وفكرت في أين تفر بهم بعد أن أصبح الخطر خطرين ، خطر الفرنسيين وخطر فهد الأطرش ! حين عادت إلى بيروت لم تكن تنام الليل وهي تحرس بعينيها فراخها الصغار ! وكان أرقها يزداد مع كل خبر يصل من جبل الدروز فيقول أن القتلى الفرنسيين يسقطون بالعشرات ، وأن معنى هذا أن الفرنسيين لن يفلتوها من أيديهم ، وكانت في تلافيف رأسها فكرة تختمر وتبين لها المعالم والخطوط يوماً بعد يوم . فكرت في أن تذهب إلى مصر ، فقد قرأت عن مصر كثيراً ، وعرفت أنباء ثورة الشعب مع سعد زغلول ... تلك الثورة التي فجرت في قلوب العرب حباً لها ، وعرفت أنها دار مضيافة تفتح ذراعيها لكل عربي ،ومنها يجيئ الفنانون والمطربون ، وفيها الخير العميم ... ولم يبق على تنفيذ الفكرة إلا السبب الأخير ، والموقف القاهر . ذات منتصف ليل دق الباب فارتاعت عالية ، واحتضنت أطفالها وهي تسأل الطارق من أنت وماذا تريد ... وهل هذا وقت تطرق فيه بيوت الناس ، لأوقظن الخدم أولاً ليقابلوك ... لا تدعي العجلة فأنا أعرف أحاييل اللصوص ! أما الطارق فقد كان في صوته توسلاً لا يخفى فلما تبينت عاليه فتحت ضلفة الباب وشرعت أذنا لتسمع : _ سيدتي ... صدر أمر القبض عليكم ... هيا إلى الفرار ، أنا درزي وأنتم أهلي وعشيرتي ... وتذكرت عاليه كيف فروا في السيارة التي أحضرها طارق الليل الذي لا تعرفه ،وكيف تركت أطراف بيروت قبل أن يتنبه إليها الفرنسيون ، ثم كيف اندفعت إلى القطار في حيفا ... ومقصدها القاهرة ! ثم نشرت الأم غطاء خفيفاً على أولادها ... فؤاد وفريد وأسمهان وراحت تتجول بعينيها في المسافرين من حولها ، كانوا يثرثرون ولا يكفون عن اللغط أما هي فوجدت في الصمت ملاذها لترتب صور الماضي ابتداء من يوم كاد فريد يغرق ، حتى اللحظة التي كانت الأسرة كلها تقع فيها في يد الفرنسيين ! ثم راحت تجد من كل هذا الماضي باباً تدخل منه إلى المستقبل ... فهل يمكن التكهن بشيء عما يطويه القدر ، وهل يستطيع الخيال أن يسبق الأيام القادمة ويرسم لها صورة تدخل الطمأنينة وتهدئ روع الأم التي تواجه الدنيا وحيدة .. إلا من ثلاثة أكوام من اللحم ، تفتح أفواهها لتطلب الطعام ، وتمد أطوالها فتطلب الثياب ، وتنشر أيديها تطلب المصروف ! وتوقفت الأم عن الاسترسال في أفكارها عندما استرخى القطار عند القنطرة وصعد إليه رجل الجوازات ! وعند الأم وأولادها توقفوا ... من أنت ومن أعطاك إذناً بالدخول ، فتجيبهم الأم بلهجة درزية فيها استعلاء ! وتتحرك في الرجال عروق التحدي : _ ليس لك من يعرفك في القاهرة فلن تدخلي ... ليس الأمر فرطاً كما تتصورين .. فانبرت الأم تقول: _ بل يعرفنا سعد زغلول ! إنه شبيه في الكفاح بسلطان الأطرش وزوجي فهد .. هما صديقان على طول المدى فاسألوه ... وتبدلت لهجة التحدي عند رجال الجوازات إلى شروع في الملاينة ، وذهب أحدهم إلى جهاز التليفون ليطلب رئاسته ، ورئاسته طلبت بيت الزعيم سعد ، فلما سمع سعد اسم فهد الأطرش أصدر أمره بأن تدخل الأسرة البلاد بغير قيد أو شرط ، وفي تجلة واحترام حمل رجال الجوازات النبأ إلى الأم وأولادها الذين كانوا قد فتحوا أعينهم كالفناجين بعد أن طار منها النوم ! وفي غضون عام /1924/ بلغ القطار القاهرة ....
يتبع
| |
|
شاهنده فريديّة أصيلة
عدد المساهمات : 8586 تاريخ التسجيل : 12/06/2010
| موضوع: رد: امير النغم العربي فريدالاطرش {الفصل الاول} 15/10/2016, 23:11 | |
| حديث جميل مع الشكر لحضرتك استاذ وليد علبى الفريدى الكبير | |
|