هي حالة الاندماج التي أعيشها في هاته الأيام ، مع أعمال الفنان الرائع " فريد الأطرش " من تصرُّ عليّ ، لأجل أنْ أخطَّ لكم هذه المقالات المتعدّدات عنه ، فأعمال هذا الفنان الكبير ، لتعدّدها و تنوعها و تطرقها لطبوع الغناء العربي كلها ، لا يمكنني أنْ أتجاهل نمطاً منها ، و قد بذلت قصارى جهدي ، كي أتطرق إليها ، و بقدر المُتاح و المُباح ، حاولت جاهداً ألا أغفل منها شيئاً ، و بقيّ ليّ بعد المقالات السابقة ، التي خضت فيها بخصوصه ، أنْ أفرد مقالتي هذه ، لأتناول فيها رؤيتي للأغنية الثنائية بشقيها ( الديالوغ و الدويتو ) و ما جاد به هذا الفنان الكبير بشأنها ، فثمة من لا يدري أن هناك فرقاً كبير بينهما ، فـ ( الدويتو ) هو ذلك الصنف من الأغنية الثنائية ، التي يتشارك فيها فنانان اثنان ، بأداء مقاطعها الغنائية في الوقت نفسه ، أما الـ ( ديالوغ ) فهو ذلك الغناء ، الذي يتطارحان فيه بالأداء ، أي أنْ يغني كل منهما مقطعاً و يردُُ عليه الثاني بغناء مقطع آخر إلى نهاية الأغنية ، و لـ " فريد " مع هذين النمطين المنتميين للأغنية الثنائية ، تاريخٌ و باع طويلينٌ سجَّلهما ببصمة أروع و أجمل الأصوات التي غنّت معه ، و معظمها كانت أصوات نسائية ، و يجيء على صدارتها ، صوتُ شقيقته الراحلة " أسمهان " التي أراهن ، إنْ أمدّ الله في عمرها ، لكان لغنائها شأنٌ آخرٌ - فهي لم تغن ِإلا لثماني سنوات و كفى ، و رحلت في عزّ شبابها ، و هي في أحسن حالات صوتها ، و هذا عمر المبدعين من الفنانين و الشعراء ، أمدّ الله في أعمار المتصفحين ، مع علمي بأنه دعاء لا فائدة منه ، فلكلِّ أجلٌ كتاب ، و ما نتضرع به إلا من باب الرجاء فحسب ، بأنْ يكون عمر من ندعو له مسجلاً عند الخالق مديداً .. هكذا - و لاستطاع أخوها أنْ يترجّم على حنجرتها ألحاناً ، ما كان لغيرها من الفنانات الفاتنات الحناجر ، أنْ تؤديها ، على الرغم من كل البهاء الذي عرفناه على أصواتهن ، و هذه الحقيقة ، كان يُصرّح بها الراحل دائماً .
الحديث عن الأغنية الثنائية ، سيجرنا لا محالة ، إلى أغاني أشرطة الخيالة و المسرح الغنائي ، فهذا اللون الغنائي ، عادة ٌما يُقــُدِّم من خلال هاتين الوسيلتين ، و من حسن الطالع ، إننا حين حديثنا عن الأغنية الثنائية ، سنتطرق حتماً إلى أغاني الفنان " فريد الأطرش " التي سمعها منه المتلقي من وراء الشاشة الكبيرة في شكل ( الأوبريت ) الغنائي ، قبل ظهور ( التفلزيون ) و سيأخذنا كذلك ، إلى الحديث عن ألحانه للآخرين ، و بذلك أكون قد ضربت ثلاثة عصافير بحجرٍ واحدٍ ؛ فقد عرف الجمهور هذا الفنان في أول ( فيلم ) له ، شاركته دور البطولة فيه ، أخته " أسمهان و كان بعنوان ( انتصار الشباب ) و لكم في هذه الرائعة الغنائية الثنائية منه ، محكٌ ، لتبيان جمال صوت الفنانة الكبيرة الراحلة " أسمهان " :
ومن الملاحظ على هذا الـ ( ديالوج ) الجميل ، أنّ الفنان الراحل " فريد الأطرش " قد أفرد لأخته مقطعاً غنائياً واحداً ، من هذا العمل من أجمالي ثلاثة مقاطع جاءت فيه ، حيث إنه منحها غناء الـ ( كوبليه ) الأول فقط ، و تفرّد هو بأداء الـ ( كوبليهات ) الأخريات ، و ذلك ربما لأنها التجربة الأولى له في تقديم هذا اللون الغنائي السينمائي ، و مما يلاحظ فيه أيضاً سمعاً ، أنه لم يتشارك و إياها ، في أداء أيِّ مقطع معين منه ، أي أنه لم يلجأ إلى تقديم أيِّ مذهب من الأغنية على نحو الـ ( دويتو ) اللهم إلا وقتما يردّدان معاً صُحبة الـ ( كورال ) مطلع الأغنية و كفى .
لكنه بعد تقديمه لهذا الـ ( ديالوغ ) بحوالي الخمسة عشر عاماً ، أي بعد وفاة الفنانة " أسمهان " استعان بصوت جميل آخر ، هو صوت الفنانة " صباح " التي قاسمته دور البطولة في فيلم ( ازاي أنساك ) و قدّم لها فيه أكثر من لحن ، لكنّ ما يهمنا منها ، هو لحنه لهذه الأغنية الثنائية المتطورة جداً عن سابقتها ، إذ أنّه في هذا العمل ، أعطى للفنانة " صباح " مجالاً أوسع ممّا أعطاه لأخته في العمل الفائت ، و لو نسبياًً ، حيث قدّما معاً الأغنية الثنائية بقسميها ، فقد منحها غناء مقطعين و شاركها في ترديد مطلع الأغنية في نهايتها ، و هذا ما سوف تستمعون إليه ، من خلال التسجيل الآتي :-
لم يتوقف تطوير الفنان " فريد الأطرش " عند هذه الأغنية ، و لم يكتفِ بما حقّقه فيها من تقدُّم ، فبعد مرور سنة واحدة ، على تقديمه للأغنية الأخيرة ، سرعان ما قفّاها بأغنية ثالثة ، كانت من أبرز الأعمال الغنائية الثنائية ، التي عرفتها الأغنية العربية في العصر الحديث ، بيد أنه ، زاد من وتيرة التطوير في هذا اللون البديع بشكل ملفت للنظر و السمع ، لما تناغم صوته و صوت المطربة " شادية " التي انضمت إليه في أعمال سينمائية كثيرة ، و زوّدها بالعديد من ألحانه الجميلة ، خصوصاً من هذا النمط ، و يتقافز للأسماع منها أغنية ( زينة ) { واحنا لها) لكن الأبرز من هذه الأعمال ، بحسب سمعي ، هي أغنية ( يا سلام على حبي و حبك ) ففي هذه الأغنية ، لم يقـُم " فريد " بالاستحواذ على الأغنية بأكملها ، بل إنه جعل صوته يتناصف الأغنية مع " شادية " بالتساوي ، إنْ لم تكُن هي من حازت على زمنها كله ، فلم يتعالَ عليها ، بل منحها فرصة كبيرة ، لتبرز محاسن صوتها وقدرتها على التمثيل ، إذ أنها تتمتع بموهبة كبيرة في التمثيل ، على النقيض من الأخريات اللواتي غنين معه ، فعلاوة على هؤلاء ، قدّمت معه فنانات كثيرات الأغنية الثنائية ، أذكر منهن : " نور الهدى " و " سعاد محمد " و " فدوى عبيد " و " فتحية أحمد " و غيرهن العديدات . [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
على أية حال ، فإن " فريداً " في هذه الأغنية تقاسم مع الفنانة " شادية " أجزاءً كثيرة منها ، إلى الحدِّ الذي لم يجعله يؤثر نفسه عليها ، مع أنه هو صاحب اللحن ، حتى أنه ، جعلها هي من تباشر أولاً في أدائها ، بغناء المقدمة ، و حاورها غنائياً بتشطير حتى البيت الواحد ، كما ستسمعون في غناء هذين البيتين :
عموما فإنّ اختياري لهذه الأعمال ، لم يأتِ خبطات عشواوات ، أو بطريقة مزاجية ، و إنما من منطلقٍ واحد ، و هوّ إبراز مراحل التطوير في النمط الغنائي ، بالنسبة لهذا الفنان بخاصة ، و للأغنية العربية بعامة ، و هذا لا يحيلنا البتة ، إلى المضي بالقول ، بأنّ الأعمال التي غضّضت السمع عنها ليست في سوية جيدة ، فلعلّ البعض ، تمنى عليّ لو وضعت أغاني أخرى تأتي في هذا السياق ، مثل أغنية ( غني يا قلبي غني ) أو ربما أغنية ( أنا و أنت و لا حد ثالثنا ) فأرجو أنْ يعجبكم ما اخترته لكم من أغانٍ في هذه المقالة المقتضبة و الجامعة لثلاثة أراء فيما قدّمه لنا هذا المبدع من فنون ، و التي ستكون الأخيرة ، بالنسبة لهذه الحلقات ، التي آثرت فيها ، أنْ أتطرق إلى أهم المحطات و الوقفات في مسيرة هذا الفنان الخالد ، التي لن تكتمل إذا تكلمت فيها عن إبداعه بإسهاب - لذلك سأكبح جماح كلماتي ، التي تأبى إلا أن تستمر في الخوض في روائعه - الذي يُقاس بعدد أعماله ، و ما احتوته من تطوير كبير ، طيلة أربعين عاماً من الغناء و الموسيقا و الألحان ، و لكنْ ليس بالإمكان أبدع ممّا كان . [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
مقال رائع جدا بالفعل وجزيل الشكر لك استاذنا الكبير المتألق **** وليد علبي **** والشكر موصول للاستاذ القدير ( زياد العيساوي ) وكنت اتمنى ان يكتب عن روائع الموسيقار ( قمر الزمان ) و( مالكش حق ) و( اوبريت ماتقولش لحد ، وعايزة اتجوز ) مع المطربة الكبيرة نور الهدى واوبريت غنا العرب ولحن حبي مع صباح وبساط الريح وانغام من الشرق... وغيرها تقبل وافر الود وبالغ التقدير ودمت ذخرا للموسيقار ومنتداه عشاقه مع احلى الاماني
استاذي القدير ابو وحيد شكرا جزيلا لمداخلتك التي القت الضوء على جانب من اعمال الموسيقار في الثنائيات ولكن كما تعلم ويعلم المتابعين ان فريد الاطرش في روائعه كبحر لاساحل له فالذي يغوص في مياهه لايعرف كيف ينتهي دمت رائدا متألفا وتقبل خالص الامتنان والتقدير