عبد الناصر وفريد الأطرش وفيلم “عهد الهوى”
محمود الاحمدية
23 أغسطس 2016[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]“والموفون بعهدهم اذا عاهدوا، والصّابرين في البأساء والضرّاء وحين البأس, أولئك الذين صدقوا، وأولئك هُمُ المتّقون ” (سورة البقرة: 177).
من حكايات الزمن الجميل التي لا تصدق لولا القِيَم والعادات والمُثُل التي كان يمثلها ذلك الزمن…
من عادة الموسيقار فريد الأطرش وعند حفل افتتاح احد أفلامه، أن يحضر شخصياً هذا الإفتتاح ببُعْدَين: الأول رؤية ردة فعل الجمهور لحفلة الفيلم الأولى، والثاني الإلتصاق بالناس والحضور بينهم وتبادل المشاعر ما بين بطل الفيلم والجمهور الحاضر…
والقصة خاصة بفيلم “عهد الهوى” الذي أخرجه أحمد بدرخان وهذه الرواية مقتبسة عن رواية غادة الكاميليا للكاتب الفرنسي الكسندر دوما الابن وكانت بطلة الفيلم الممثلة المبدعة مريم فخر الدين…
وموعد افتتاح الحفلة الأولى للفيلم كان بتاريخ 7/2/1955 اي بعد ثلاث سنوات من ثورة الضباط الأحرار في مصر…
ومن المصادفات النادرة ان فريد كان طريح الفراش في المستشفى في القاهرة قبل الإفتتاح باسبوع كامل، ولم تسمح له صحته ان يشارك وبأمر من الأطباء المشرفين على وضعه الصحي، مع العلم ان هذا الفيلم يحمل رقم 17 في لائحة افلام فريد الأطرش الـ31 وللمرة الأولى تفاجأ بعدم امكانية الحضور، وكانت المفاجأة الصاعقة عندما خط رسالة برشاقة وفن وابداع ونادى لأخيه المرحوم فؤاد الأطرش طالباً منه أن يوصل الرسالة إلى الرئيس جمال عبد الناصر… وعندما فتح فؤاد الرسالة وقرأها قال والخوف والارتباك يتملكه: هل جننت يا فريد؟؟ انت تطلب من الرئيس جمال عبد الناصر أن يفتتح الحفلة الأولى لفيلمك بدلاً عنك؟؟ هل تريد أن يرموننا خارج الحدود؟؟ رد فريد وعلى لسان الحاضرين في تلك المناسبة: أنا أعرف ماذا أريد خذ الرسالة يا فؤاد إلى الرئيس عبد الناصر وأنا المسؤول…كانت رنة صوته الواثقة وجبهته المرفوعة وجبينه العالي مصدر طاقة ايجابية وإلهام واندفاع لأخيه فؤاد ووصلت الرسالة إلى الرئيس جمال عبد الناصر… وكانت المفاجأة الصاعقة وعند حفل الإفتتاح وصول موكب جمهوري وترجل الزعيم الخالد وبرفقته ثلاثة شخصيات من رجال الثورة وسط اندهاش الجمهور وسمع الجميع ناصر يقول لفؤاد: “انتبهوا يا فؤاد لأخيكم, هو ليس فقط أخوكم انما أخ لكل مصري”…
رواية تاريخية أغرب من الخيال تحدث بها الوسط الفني القاهري سنين طويلة وهي تختصر التقدير العالي الذي كان يكنه الرئيس عبد الناصر للموسيقار فريد الأطرش وللفن الراقي وتختصر وفاء فريد لقامة بحجم عبد الناصر واغانيه الوطنية الثلاثين التي واكب فيها كل مفاصل الثورة وعند الملمات والمفاصل الصعبة، ومن منا لا يتذكر “المارد العربي”، من منا لا يتذكر”حبيب حياتنا كلنا” من منا لا يتذكر “شعبنا يوم الفداء” بعد هزيمة67 عندما أنهى فريد القصيدة بكلمتين تجويديتين “الله وأكبر” واختلط فيها آذان الجامع مع جرس الكنيسة… وكانت تسكن الإذاعات العربية ليلاً نهاراً كي تشحذ الهمم لأمة لن تموت وكانت حرب 73 وقبل رحيل فريد بسنة وانتصار 73 الذي اثلج عقل وقلب وروح فريد وكانت جولة للحق العربي….
مَنْ منّا لا يتذكر الوقفات الوطنية لفريد عندما تبرع لمدينة قنا في مصر وعندما قدم شيكاً رمزياً للرئيس عبد الناصر لمساعدة الجيش المصري البطل، وعندما تبرع بشيك المليون دولار الذي قدمه احد الأثرياء في حفلة ملعب العباسببن في دمشق لصالح الثورة الفلسطينية، وتقديم مئات المنح الدراسية بطريقة تحفظ كرامة الطلاب العرب لتكملة دراساتهم مما ساعد المنطق العروبي والقومية العربية بالملموس والواقع…
قصة أضعها أمام الأجيال كي تشكل نموذجاً للفنان الملتزم الوطني المؤمن وللزعامة الوطنية التاريخية… رمز حقيقي للإيمان بقيمة الفن في مسيرة الأمم الراقية… قصة أبطالها الزعيم جمال عبد الناصر والموسيقار فريد الأطرش ستبقى في ذاكرتنا ووجداننا مدى العمر.
(*) رئيس منتدى أصدقاء فريد الأطرش