كيف تجعل من رمضان نقطة انطلاقة للتغيير
( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان)
إن أنفسنا في لهفة لاستقبال شهر رمضان الكريم وعلينا في هذا الشهر الكريم أن نجعل منه انطلاقه للتغيير والى الأبد ومن خلال بحثي واستعدادي لهذا الشهر الكريم اعجبني هذا الكلام لفضيلة الشيخ الدكتور صلاح الراشد واختصرته وارجوا أن يستفيد منه أعضائنا الكرام وهو برنامجًا عمليًا لجعل رمضان فرصة للانطلاق و التغيير إلى الأبد , وفيه استعرض أولا ميزات وصفات تؤهل شهر رمضان لأن يكون بداية في تغيير حقيقي في حياتك , ثم ألتحدث عن التغيير و أهم العوامل فيه , ثم ذكر طرقـًا عملية في بلوغ التغيير إن شاء الله .
ميزات و صفات في هذا الشهر تؤهله لأن يكون شهر تغيير:-
1) البرمجة النفسية :
يرى علماء النفس المحدثون , أن أي تغيير يجب أن يكرر من 6 إلى 21 مرة , يعني حتى تحدث تغييرا حقيقيًا في حياتك فلابد أن تكرر نجاحاته 6 إلى 21 مرة .
شهر رمضان 29 إلى 30 يومًا , هذا يعني استمرار النجاح في هذه العبادة العظيمة 30 يومًا .. 30 مرة .. تمسك من الصباح وإلى المغرب فلا تشرب ولا تأكل ولا تجامع ولا تسب ولا تفسق هذه برمجة أكيدة , ولهذا فإنك لا تجد مسلمًا صام رمضان وبعد شهر واحد فقط من حياته إلا وقد تأثر في العبادة إلى الأبد فهذه صفة عظيمة في شهر رمضان , صيام شهر واحد بأكمله من رمضان أفضل نفسيًا وبرمجيًا من صيام متقطع غير مؤقت 60 يومًا أو حتى 600 يوم , هذا لا يقلل من شأن الصيام المتقطع , فصيام أي يوم له فوائد كثيرة , لكن نحن نتحدث عن فضائله في البرمجة النفسية , الاستمرارية لها بالغ الأثر في البرمجة و لهذا السبب تجد إن الإسلام نهى عن الإفطار طيلة أيام رمضان لمن ليس له عذر وأن الشخص الذي أفطر لا يعوض ذلك اليوم ولو صام الدهر كله .
2) اتخاذ القرار :
من ميزات هذا الشهر الفضيل تعليمه للمسلم اتخاذ القرار , مشكلة المشكلات عند الناس عدم اتخاذ القرارات , الإنسان القوي إنسان صاحب قرار , الإنسان الضعيف متردد , التردد لا ينشأ نفوسًا ضعيفة فحسب بل يأتي بأمراض سيكلوجية و سيكسوماتية أي أمراض نفسية وجسمانية . التردد يبدأ بسيطاً في اتخاذ قرارات صغيرة ثم يكبر مع البرمجة والعادة وأغلب أمور حياتنا تعتمد على قرارات بسيطة و صغيرة , فكل ثانية تمر في حياتنا فيها مجموعة قرارات , حركات يدك ورجلك ودقات قلبك وهضم معدتك ودوران دورتك الدموية ودفاع خلاياك الجسمانية وغير ذلك , كل ذلك قرارات يتخذها العقل بوعي أو بغير وعي في الدقيقة بل والثانية الواحدة بل وجزء من الثانية , تصور تردد في مثل هذه القرارات , إن ذلك يعني مشاكل كثيرة صحية ونفسية .
إذن رمضان بسبب أنه يعوّد الإنسان المحافظة على نيته في الصيام فإنه يعوّد اتخاذا القرار , و اتخاذ القرار قوة وإرادة , فالإنسان كلما جدد نيته بالصيام وأسرع في اتخاذ القرار بذلك , ثم بالإمساك وقت الإمساك , وبالفطور وقت الفطور كلما عوّد نفسه اتخاذ القرار بسرعة و باستمرارية حتى يتبرمج على اتخاذ القرار .
3) الميزة الثالثة هي الإنجاز :
هذا الشهر الكريم يعوّد الإنسان الإنجاز . وأغلب الناس يريد أن يفتح عين ويغمض عين فإذا
هو في النعيم , لذا فهو يذهب إلى شيخ يقرأ عليه لعله يزيل منه الحسد أو العين أو السحر أو الجان إلى آخره , أو يذهب إلى طبيب يوصف له روشته سحرية لدواء خارق يحل مشكلته في ساعات أو أيام , أو يذهب إلى مختص في الأعشاب ليوصف له العشب السحري الذي يخرجه من الجحيم ويدخله في النعيم أو يذهب إلى مشعوذ أو ساحر أو كاهن أو عرّاف ليفتح عليه ويفك عنه الأذى .. هيهات .. هيهات ...
ما هكذا تُحَل الأمور !! ...
ما هكذا يحصل التغيير أو تأتي الحلول أو يحل التغيير أو يتغير الحال !!
التغيير يبدأ من الداخل ليس عند مشعوذ ولا عند الكاهن ولا عند المعالج ولا عند الطبيب ولا عند الشيخ ولا عند العطار .. التغيير أولاً وقبل كل شيء من عند الله والله وضعه في داخل الإنسان قال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) .
الإنجاز تكون بدايته الصحيحة في النفس , هناك أناس حققوا الملايين وبنوا القصور وأثاروا الأرض لكنهم في أنفسهم ضعفاء تعساء , ماتوا فماتت دعواهم . رمضان يعلم الإنسان الإنجاز في فترة 30 يومًا مكثفة تصوم نهارك وتقوم ليلك فتشعر في نهاية شهرك أنك حققت ربحًا كبيرًا وأنجزت عملاً عظيمًا , والناس طبيعتها تبدأ متحمسة فتخف الحماسة مع الأيام , أما رمضان فيعلم الإنسان كيف ينجز إذ هي بداية قوية وبإرادة فتصبح أقوى بعد أيام , فإذا طالت المدة تقوت أكثر على غير عادة الكسالى والخائبين فدخل في العشر الأواخر فزادت العبادات وتنشط الكسالى وأطال المسلم ليله في التعبد ونهاره في التلاوة والذكر خاصة إذا كان معتكفًا , فإن لم يكن ففي العمل والذكر والتلاوة , فإذا قربت النهاية زيد من عمله فدخل في الليالي الأكثر بركة , وهكذا يكون الإنجاز الصحيح ، ابدأ عملاً ثم كثّف أكثر ثم إذا قربت من الإنجاز فشد أكثر حتى تتم العمل كله بإتقان وتمام .
4)الخروج عن المألوف :
الإنسان معتاد أن يقوم في وقت وينام في وقت ويذهب إلى العمل أو الدراسة ويعود ويأكل ويشرب ويتسوق إلى غير ذلك من أمور الدنيا في وقت معين ومحدد , في الغالب , عندما يأتي عليه شهر رمضان المبارك تتغير عليه الأمور ويخرج عن المألوف والروتين المستمر وتتجدد عليه الحياة , ويكاد يجمع العارفون و الباحثون في موضوع الإبداع على إن الإبداع خروج عن المألوف , وما أحوج الإنسان في كل زمان وبالذات في هذا الزمان إلى الإبداع والتجديد , كما أن كسر الروتين والخروج عن المألوف أحد الأعمال الضرورية للتغلب على القلق وضغوط الحياة . التجديد والتغيير لابد أن يكون في جدولك اليومي والأسبوعي والشهري والسنوي .
التغيير و التجديد سمة من سمات هذا الشهر بل ومن سمات هذا الدين العظيم ,حتى لا تمل النفوس وحتى تتجدد فتنطلق من جديد .
5) تنظيم الوقت:
من ميزات هذا الشهر الفضيل تنظيمه للأوقات , في ساعة معينة ومحددة الإمساك وفي ساعة معينة ومحددة الإفطار دقة التزام تنظيم . أغلب الناس لا يولي أهمية للوقت والتنظيم هو بالتالي لا يولي أهمية لحياته لأن الوقت هو الحياة , فالحياة عبارة عن وقت يمضي فتمضي ,
ففي شهر رمضان دقة والتزام و تنظيم للأوقات وترى الأمة بكاملها تجلس على مائدة الإفطار تنتظر الإعلان بالفطور , والأمة بكاملها تمتنع عن الطعام والشراب والجماع ساعة الإمساك , وترى الأمة صافّة في الصلاة والقيام والتراويح وشيء عجيب لو كان لك أن تنظر إليه من أعلى أو تشاهده من بعيد , أمة في غاية النظام و الدقة و الترتيب.
كثيرون يسألون : هل أستطيع أن أتغير بنفسي ؟
والجواب يعتمد ما الذي تقصده بنفسك ؟ هل تقصد دون التعلم بتاتًا من الآخرين وتجاربهم ؟؟
الذي يريد أن يتغير ويعرف كيف يتغير ويجتهد في الحصول على التغيير هو فقط الذي يصل لما يريد , ها هنا إذن ثلاثة شروط :
1-الرغبة . 2-المعرفة . 3- التطبيق .
الشرط الأول الرغبة الحقيقية في التغيير :
أن هناك كثيرين يقولون أنهم يريدون أن يتغيروا ولكن في قرارة أو أعماق أنفسهم هم لا يريدون ذلك وهذا المعنى عميق.
والشرط الثاني معرفة كيفية التغيير :
إن التطبيق ينبغي أن يكون مبنيًا على معلومة صحيحة .
· الشرط الثالث التطبيق :
هناك أناس يريدون أن يتغيروا وهم يعرفون كيف يتغيرون ولكنهم لا يطبقون فهم لا يتغيرون , التطبيق فقط هو الذي يأتي بالنتائج . هناك أناس يحسنون الكلام لكنهم لا يحسنون التطبيق , والتطبيق بإصرار وعزيمة بعد معرفة الطريق الصحيح هو الذي يأتي بالنتائج المرجوة .
وهناك شرطين ضرورين :
الشرط الرابع أن التغيير لا يأتي من الخارج :
التغيير يأتي من الداخل , من يرجو التغيير من فرد أو شخص قد تعلق في الهواء ... الله عز وجل يقول : ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) هذه قاعدتنا الرئيسية إن تغيير أي أمر لابد أن يكون من داخل نفسك , أولاً غيره في داخلك . إن الذين يترددون على الأطباء والمشايخ والنفسانيين وربما المشعوذين والدجالين دونما أي تغيير في حياتهم يعني أنهم بحاجة إلى التغيير من الداخل أولاً . قد يطلب الإنسان استشارة لكي يحدد طريقه في التغيير ويعرف , ولكن لو استمر يطلب الاستشارة أو المساعدة ولا يطبق أو يطبق فلا نتائج فأنه قد يكون يطلب التغيير في الخارج دون أن يحدث تغييرا في داخل نفسه .
خامساً : العزيمة .
أغلب الناس يريدون عصا موسى أو خاتم سليمان وأود أن أخبر هؤلاء أن العصا والخاتم مفقودان منذ زمن وليس عندنا طريق إليهما
المقصود أن أغلب الناس يريدون أن يتغيروا في لحظة ، أتعرف السبب الحقيقي في عدم طلب الاستشارات النفسية والأسرية عند أكثر الناس ، السبب أنهم لا يريدون كل هذه المشقة في التغيير . إذا أدرت أن تتغير فعلياً فتغير بالطريقة الصحيحة فكل ما تحتاجه هو العزيمة.