وليد علبي الاداره- كبار الفريدين
عدد المساهمات : 37914 تاريخ التسجيل : 01/01/2013
| موضوع: فريد مبدع الفنون 20/8/2013, 14:21 | |
| مقالة عن الفنان فريد الأطرش للباحث الأستاذ صميم الشريف[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] | صميم الشريف يتحدث عن الموسيقار فريد الأطرش مقدمة : بداية أشكر الإستاد ثائر زين الدين مدير المركز الثقافي في السويداء الذي أتاح بدعوته لي فرصة اللقاء بأهلنا الأبرار الكرماء الشرفاء الأوفياء في حاضرة جبل العرب ... أهل الجود والعزة والنخوة والكبرياء والشمائل العربية الذين يحتفون في لقاء اليوم بالراحل فريد الأطرش , الفنان الجامع المانع الذي لن يتكرر .. ابن مدينة القريا التي تزداد زهواً به , كما ازدهت وازدهى جبل العرب وسورية كلها بقائد ثورتها العربية السورية الكبرى سلطان باشا الأطرش . وبرفاته الأبرار الميامين ..[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]أيها السادة:عرفت فريد الأطرش , المبدع والمجدد والمطور للموسيقى والغناء في منتصف سني ثلاثينيات القرن الماضي , وارتبطت معه بصداقة سمعية لم تنفصم عراها حتى اليوم لأن لحمتها وسداها الموسيقى والغناء , هذه الصداقة ظلت تنمو وتتوطد وتزداد متانة لحناً بعد لحن وأغنيةً بعد أغنية إلى أن فاجئني وفاجأ الناس برحيله المباغت إلا من بحة صوته الآسرة الشجية وعذوبة أنغامه , ومعاناته التي قاسى منها الأمرين ودفعته إلى التمرد على واقعه , ليصنع من فريد الأطرش صبي البقال الذي يسعى وراء رغيف الخبز فريد الأطرش الذي نعرف .لقد سبق لي قبل سنوات وتحدث في هذه المدينة بالذات وأمام جمع غفير من الوجوه الكريمة السمحاء عن التمرد عند فريد الأطرش , أما اليوم فسأتحدث عن فريد الأطرش , عازفاً بالعود وملحناً بارعاً للأغنية الشعبية والطقطوقة , وشاعراً في المونولوغ الرومانسي / وممراحا في الديالوغ – الحوارية - , ورائعاً في القصيدة على قلة ما أعطى فيها , ونغماً عفوياً سائراً في المواليا , ولاعباً ماهراً في الاوبريت,يقول الموسيقار مدحت عاصم وهو الذي أخذ بيده إذاعيا في بداياته عن عزفه بالعود الآتي :(أهو أمين المهدي في حلاوته , أم رياض السنباطي في رقته أم فريد غصن في مقدرته .. إنه عازف من طراز خاص جمع الحلاوة والقدرة في ريشة واحدة..)وفي واقع الحال فإن فريد الأطرش عازف لا يجاري بالعود , وقد فات مدحت عاصم أن يضيف على ماذكر : أم هو القصبجي الذي جمع في ريشته كل هؤلاء . الذي يستمع إلى عزف فريد غصن دون أن يعرف ذلك , يظن أن العازف هو فريد الأطرش ولا غرابة في هذا , لأن فريد غصن كان أستاذه الأول قبل القصبجي السنباطي , ومنه استقى أسلوبه ولو لا شخصيته المتميزة لحسبناه قد تقمص شخصية فريد غصن .والارتجال – أي التقاسيم – يمر في صورته البنائية الوهمية في ثلاثة أدوار , الأول منها وهو الأقل تعقيداً يبحث فيه العازف من وراء جمل لحنية بسيطة عن المقام الذي يريد أن ينطلق منه في ارتجالاته حتى إذا اختار – وهذا الأمر يتم بسرعة – استعرض المقام في نغماته الأساسية مظهرا براعته في حدود درجات الديوان الأساسية وخاتمها لهذا الجزء بجمل موسيقية قصيرة يمهد به للدور الوهمي الثاني الذي هو أهم الأدوار في الارتجال , فينطلق منها إلى مقامات قريبة من المقام الذي اختاره , متوخيا النغمات الأساسية في المقام الأصلي للانطلاق منها صعودا للمقام الذي يليه ليحقق الحصول على الحان جديدة وتوليدات بديعة وألوان جمالية وابتكارات زخرفيه لا حدود لها , ليدخل بعد ذلك في الدور الوهمي الثالث من وراء الحان مبتكرة يتخذها وسيلة ليعود إلى المقام الأساسي الذي بدا منه ارتجاله بأسلوب سلس لا تعقيد فيه مختتماً التقاسيم كلها .هذه العملية – الارتجال – قد تستغرق عند الكلاسيكيين من العازفين خمسة عشر دقيقة أو أكثر , وهي عند فريد الأطرش لا تستغرق سوى نصف هذا الزمن لأن أسلوب أدائه كمبدع , يريد أن يتكلم بلغة عصره , لذا فإن خياله الموسيقي يوحي له بسرعة الفكرة التي يريد أن يعالجها , ونلمس ذلك في ارتجالاته المتداولة , إذ بعد أن يختار المقام يختزل الأدوار الوهمية الثلاثة ببراعة متلكئا بعض الوقت في الدور الثاني منها , متيحا دورا هاما للإثارة الجماهيرية في عزفه , وهي ما يفتقر إليها كبار العازفين , وهذا يعود إلى طبيعة فريد الأطرش الشعبية ذات الخصوصية .يقول مدحت عاصم : عاملان أساسيان ساعدا في تكوين شخصية فريد الأطرش , الوارثة والبيئة . فقد كان والده صاحب صوت جميل ساحر , وكانت والدته صاحبة صوت عذب أيضا , إلى جانب كونها أديبة و راوية للشعر لها في انتقاء الجديد منه ذوق وحس , ولأخيه فؤاد صوت جميل لا يقل عن صوت فريد غناء وأداء , فهو يجمع إلى موهبة الصوت , موهبة الذوق .أما البيئة الفنية التي نشا فيها , فكانت من أرقى البيئات الفنية في زمانه , وكان من أعمدتها داود حسني وفريد غصن ومحمد القصبجي وغيرهم من أهل الفن والطرب , وكانوا يلتقون عند السيدة علياء المنذر ليأنسوا مع أولادها بجلسات ممتعة من الأدب والموسيقى .من هذه البيئة نستطيع إن نتعرف قيمة متلقفه من أباطرة الموسيقى يافعا ، وإذا أضفنا إلى هذا اشتغاله المبكر في إذاعتي شقال وشريدان الأهليتين عازفا بالعود ومروجا الإعلانات . ثم في صالة منصور وصالة بديعة مصابني اللتين تعرف فيهما محمود الشريف ومحمد عبد المطلب وإبراهيم حمودة ومحمد فوزي وغيرهم واكتسب منهم جميعا خبرات عملية أغنت معارفه الموسيقية وساهمت في نضوج موهبته واكتمال شخصيته الفنية التي نجد بصماتها واضحة في غزارة ألحانه منذ بدأ يلحن يغني في أواخر سنين الثلاثينات محققا نجاحا لم يتوقعه هو نفسه .مدحت عاصم . الذي كان يشغل منصب المستشار الفني ، والمدير الفعلي للموسيقى والغناء في إذاعة ماركوني الرسمية من القاهرة منذ تأسيسها في أيار عام 1934 ، قبل على مضض بعد أن قدم فريد الأطرش للمستمعين عازفا بارعا بالعود ، الاستماع إلى صوته وألحانه ، فلما أبدا إعجابه بصوته فقط قدمه في أغنيتين قصيرتين جدا لحنهما خصيصا له على إيقاع التانغو الغربي هما : ( كرهت حبك) و ( من يوم ماحبك فؤادي) كانتا بداية تعامله مع الاذاعه مطربا ومن ثم مطربا ملحنا . وهما الأغنيتان الوحيدتان مع أغنية ( ياريتني طير ) ليحي اللبابيدي التي غناها لغيره من الملحنين طوال مسيرته الفنية .ظهر فريد الأطرش مغنيا مطربا وملحنا وساحة الطرب تدين لمحمد عبد الوهاب وعدد من كبار المطربين آن ذاك من مثل : صالح عبد الحي وعبده السروجي وإبراهيم حمودة وعبد الغني السيد ومحمد صادق وغيرهم .فشد انتباه الجيل الجديد من المستمعين صوتا ولحنا ، لأنه استطاع أن يعطيه ما يرغب من أغاني رومانسية حادة فيها الشيء الكثير من الأسى والشجن ، وأخرى خفيفة فيها كثيرا من المرح . وقد دفعه إقبال الجماهير على أغانيه الأولى لمضاعفه نشاطه ، فصار يغني في الإذاعة بمصاحبة رباعي العقاد الكبير ، ويسجل أغانيه باسطوانات بمصاحبة فرقة كبيرة ، وأعماله الأولى في الطقطوقة المونولوغ ، كانت مدروسة وسبقت ألحانه الشعبية المتأخرة في ظهورها ، كما أن ميله لإيقاع التانغو الغربي منذ غنى فيه لحني مدحت عاصم ، جعله يكرسه لخدمة قالب الطقطوقة محولا الطقطوقة إلى أغنية شاعرية .يتألف قالب الطقطوقة الفني من لازمة موسيقية واحدة ومذهب غنائي يتكرر احدهما أو كلاهما بعد كل غصن من أغصان الطقطوقة التي لاتزيد عن أربعة أغصان إلا نادرا ، ولكن هذا القالب الذي ابتدعه سيد درويش ، وظل يدور به الملحنون زمنا ، ثار عليه العمالقة وزادوه جمالا وطربا ، فنسف القصبجي الرتابة اللحنية لألحان الأغصان المتشابهة , وتفنن زكريا أحمد في التطريب واستخدام المقامات القريبة من المقام الأصلي , أضاف السنباطي مقدمة على اللازمة الموسيقية , وحمل القالب كثيراً من الضغط , وجعل لها محمد عبد الوهاب لازمتين بدلا من الواحدة , ورفعها إلى جو من الأناقة الطربية , ليصير هذا القالب متكاملاً في كل شيء , جعلت بعض النقاد يخطئون فيه , فينعتونه مرة بالمولونوغ وأخرى بالدور , وعندما جاء فريد الأطرش وجد قطوف القالب بالتحديث الذي طرأ عليه جاهزاً ليسهم بدوره . وأولى طقاطيقه التي التزم فيها بالقالب الأصلي طقطوقة ( احلفيلي )التي نلمح فيها بوارق موهبته الإبداعية ثم اتبعتها بالطقطوقة التانغو ( بحب من غير أمل ) التي أحدث فيها ضجة أقلقت محمد عبد الوهاب عندما أفرد : للعود جملة موسيقية لعبت دورا ملفتاً في الإثارة الطربية , ثم لحن وغنى بالإذاعة رائعته تانغو ( نويت أداري آلامي ) التي غنتها فيما بعد شقيقة أسمهان بشاعرية تفوق النص , متتبعا فيها خطوات القصبجي بالحداثة متخلياً عن الرتابة اللحنية في الغصن الأخير لحنا وغناء حتى يخال المستمع , أن الغناء بدا من جديد مع انه في واقع الحال يوغل قدما نحو الختّام والقفل .ومع أن هذه الطقطوقة والتي سبقتها تنهلان من إيقاعات الغرب الموسيقية ومن الحداثة التي جاء بها , فإنه عاد فجأة إلى التطريب في طقطوقة ( صدقيني ) التي حملت الشيء الكثير من الطرب الأنيق البعيد عن التزلف والاستجداء , وإلى القالب التقليدي عندما لحن لأسمهان الطقطوقة الدينية ( المحمل الشريف ) وارتفع بها إلى مشارف عالية متفوقاً على غيره من الملحنين الذين أعطو في هذا الضرب من الغناء الديني .والطقطوقة هي ابنة الأغنية الشعبية , وتطورت كما أسلفنا بفضل العمالقة حتى صار لها قالبها الفني .والأغنية الشعبية , كما يدل عليها اسمها , خاصة بالمجموعة , وكنظم هي زجل يعتمد كلاماً سهلا يتناول النقد والتوجيه ومختلف الأمورالإجتماعية والعاطفية من وراء الحان بسيطة يسهل حفظها لتتمكن الجماهير من ترديدها . قالبها الفني بسيط لا تعقيد فيه , يتألف من لازمة موسيقية واحدة , ومذهب غنائي تصاغ على غراره سائر أغصان الأغنية التي يفصل فيما فيما بينها ترديد المذهب من قبل الرديدة , على أن تبنى كلها من مقام واحد ولحن واحد . وقد خرجت عن هذا التقليد بعامل الزمن , فلم تعد أغنية للمجموعات ,وإنما أغنية يشارك فيها المغني المنفرد المجموعة بغناء المذهب وينفرد لوحده بغناء الأغصان .أول أغية شعبية غناها فريد الأطرش هي ( ياريتني طير ) من ألحان يحي اللبابيدي وكان قد سبقه إلى غنائها إيليا بيضا وسلامة الاغواني , من وراء زجل مبتذل , فاستبدله فريد بزجل من نظم يوسف بدروس ارتفع باللحن والأغنية معاً. وهذه الأغنية هي واحدة من عشرات الأغاني الشعبية التي كان يحفظها قبل نزوحه إلى مصر , ونجاح هذه الأغنية في مصر يعود إلى اندماج فريد بالبيئة الشعبية المصرية ومن هنا حاول أن ينتقل تأثير البيئة إلى الأغنية الشعبية السورية المنشأ فنجح في ذلك .يقول الموسيقى المجري ( بيلا بارتوك) إن أي مغن إذا أراد أن يؤدي لحناً مافي بيئة غير بيئة اللحن الأصلية , فأن المغني يكيف اللحن المذكور وفق البيئة الموجود فيها , فيفقد اللحن كثيراً من سماته , ويكتسب صفات البيئة الجيدة .نجاح هذه الأغنية على صعيد الوطن العربي شجع فريد على أن ينقل ما يحفظ من ألحان شعبية إلى البيئة المصرية دون أن يدري أنه يحقق هدفاً كبيراً هو توحيد الثقافة الموسيقية الشعبية عبر الأغنية الشعبية السورية وعبر الأغنية الشعبية المصرية ,والذي يستمع إلى أغانيه الشعبية يكتشف بسهولة الأثر العميق الذي قام به بعفوية بالغة ولاسيما في اوبريت بساط الريح وأغنيات يا بنت بلدي , تطلع ياقمر بالليل , أحبابنا ياعيني , جبر الخواطر على الله , ياديرتي مالك علينا لوم التي مزج فيها أسلوب المواليا السورية بلحن فولكلوري سوري , والحان الأغنية الشعبية الدارجة عند فريد الأطرش , الحان سهلة ممتنعة لا تكلف فيها تنبع عنده بعفوية متناهية ولا تستغرق زمناً طويلاً في تلحينها , فهو هذا يشبه النمساوي فرانز شوبرت الذي قيل انه كان ينهي تلحين الأغنية قبل أن يجف مداها , وهو بحق سيد الأغنية الشعبية الخفيفة الدارجة التي تعيش زمناً قبل أن تغفو إلى جانب أخواتها دون أن تنسى , وهو أيضاً ذو لون معروف وشخصية تلحينية واضحة لم يحاول أن يقلد أحداً أو يتبع أسلوب احد , وهو في أغانيه الشعبية يلازم مقامات معينة لا ينتقل منها لغيرها إلا لضرورة التلوين , وسبب ذلك يعود إلى كون الأغنية الشعبية لا تتحمل ذلك لأنها الأقرب لذاكرة الجماهير حفظا وترديدا , وهو أول من استعمل أسلوب المواليا السورية في الاغنبة الشعبية وعنه أخذ كثير من الملحنين والمطربين هذا الأسلوب , فاستخدمه محمد عبد الوهاب على سبيل المثال في أغنية ( على بالي ياناسيني ) في مقطع (وأبات سهران) ومحمد عبد المطلب في (شفت حبيبي) وأيضا محمد العزبي وغيرهم من المشاهير في ألحانهم وأغانيهم .لم يقتصر إبداع فريد الأطرش على الضرب بالعود والطقطوقة والأغنية الشعبية , بل تجاوز ذلك إلى سائر فنون الأغنية ولاسيما القصيدة المونولوغ . موهبته التي كانت تقود إبداعه دفعته في لحظة من لحظات إشراقه إلى تلحين وغناء قصيدة ( ختم الصبر بعدنا بالتلاقي) التي لعب فيها عودوه دورا بارزا فحلقت وسارت بعيدا , وهي أول قصيدة يلحنها ويغنيها , كذلك الأمر بالنسبة لفن المونولوغ الذي أعطى فيه كما لايستهان به يختلف تماما عما جاء به الآخرون , ويعد مونولوغ ( رجعت لك ياحبيبي ) الذي غنته أسمهان أول مونولوغ يلحنه ويفرض فيه نفسه ملحنا بارعا أمام العمالقة الذين اخذوا ينظرون بحذر لهذا الوافد الجديد , ولاسيما محمد عبد الوهاب الذي بدا يخاف على مكانته من غزارة إنتاج فريد الأطرش وجمال ألحانه وبحة صوته ذات الخصوصية , وشعبيته التي أحلته ثانيا بعد محمد عبد الوهاب بفارق ضئيل في الأصوات في الاستفتاء الذي أجرته مجلة الصباح القاهرية عام 1942 , عن أفضل مطرب {هذا في ذلك الزمن انما بعد ذلك تفوق فريد وتتضاعفت شعبيته مرات على شعبية عبد الوهاب} , فعمد إلى مساعدة مطرب شاب يتقن تقليده هو ( محمد أمين) فلحن له أغنيته الشهيرة ( نور العيون ) وقدمه بنفسه من الإذاعة تقديما خاصا هدف من ورائها إلى وضع ( محمد أمين ) في طريق تقديم فريد الأطرش الذي كان منصرفا إلى فنه في سبيل المجد الذي يحلم . غير أن محمد أمين على الرغم من إمكانات والجهود التي بذلها معه محمد عبد الوهاب , إن في الأغاني التي غنى والأفلام التي مثل , ظل صورة مشوهةً عن محمد عبد الوهاب , فانتهى قبل أن ترسخ قدمه غناءً وتلحيناً وتمثيلاً, وفي تلك الفترة بالذات عقد الأربعينيات , بلغ التنافس أشده بين محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش , وهذا التنافس جعلهما يستقيان جل ألحانهما من الموسيقى الغربية الراقصة فلحن فريد وغنى فيها عدداً من أغانيه الجميلة التي اشتهرت : ( عشك يا بلبل ,ايمتى تعود ياحبيب الر وح , واليوم ده يوم التقانا ) كذلك فعل محمد عبد الوهاب في أغاني : أنت عزولي وزماني , إيه جرى ياقلبي إيه , واسمح وقلي يانور العين ) وجميعها من الطقاطيق التي خرجت في بعض مواضيعها عن قالب الطقطوقة إلى مايشبه السرد الغنائي .الموسيقار المعلم محمد القصبجي الذي جاء بفن المونولوغ الرومانسي – وهو غير المونولوغ الإنتقادي – هو الذي علم فريد الأطرش كيف يلحن المونولوغ , وهو الذي علم قبله أيضاً محمد عبد الوهاب السنباطي هذا الفن . وفن المونولوغ قبسه القصبجي من فن الآريا الغربي والأوبرا , وهو نوع من الغناء الوجداني العاطفي المؤسي الذي ساد منذ ثلاثينيات القرن الماضي , يعبر فيه المغنى عن أبيات المونولوغ – شعراً كان أم زجلا – عن عواطف ومشاعر المحبين وأشجانهمويتألف قالبه الفني كما وضعه القصبجي من مقدمة موسيقية تسبق الغناء ولوازم وجمل موسيقية تترجم معاني المونولوغ شاعرية تتفق وأبيات المونولوغ , وهو على نوعين : مطلق ومقيد ...والمطلق لايتكرر فيه أي لحن على الإطلاق , بحيث يتطابق السرد مع السرد الشعري حتى نهاية المونولوغ , بخلاف المقيد الذي يتكرر فيه لحن معين يكون بمثابة قنطرة أو نقطة ارتكاز يعتمدها الملحن للعبور منها إلى ألحان جديدة يخص بها أغصان المونولوغ واحد بعد الآخر إلى أن يقفل بلحن ارتكاز نفسه , وقد برع فريد الأطرش في النوعين معاً, المونولوغاتالتي لحنها ماتزال شاهدة على نبوغه في هذا الضرب من الغناء الصعب . وكمثال على المونولوغ المطلق الذي لا يتكرر فيه أغنية ( رجعت لك ياحبيبي ) الرائعة التي غنتها أسمهان عام 1941 وهذا المونولوغ من الناحية العلمية موسيقيا , متكامل في كل شيء , وبعض النقاد حاولوا أن ينالوا من فريد بدعوة أنه لم يستطع السيطرة على صوت أسمهان في قرارات مقام الكرد في موضوعين هما : ( بعد الفراق والعذاب ) و( من بعد طول الغياب ) والنقد هنا لا يتناول المونولوغ ومعالجة , وإنما يتناول أداء أسمهان , وما أدراك ما أداء أسمهان , وهذا النقد في رأيي لغو أريد به باطل , والهدف من ورائه هو النيل من فريد الأطرش , ويكفي أن نعرف بأن القصبجي كان أول المهنيئين له لندرك مدى الحرفية التي وصل إليها في الفن المونولوغ المطلق .يعد مونولوغ "أول همسة " من روائع فن المونولوغ المقيد عند فريد الأطرش .. صحيح أنه استخدم مايشبه المذهب الغنائي في البيت الذي يغني " في أحلى همسة لأحلى وردة فاكرها لسه "زي النهاردة" كقنطرة لعبوره أغصان الأغنية واحدا بعد الآخر , إلا أنه لم يكن الوحيد في هذا ,إذ سبقه إلى ذلك القصبجي وعبد الوهاب السنباطي فأطراه النقاد بما فيهم المتعصبون إقليميا..مونولوغ أخير مقيد عرف بأغنية " الربيع" استعان فيه أيضا بما يشبه المذهب , وهذه الأغنية تحتاج على جهد صوتي كبير من مقامات منخفضة وعالية تصل إلى ديوان ونصف ديوان – أي حوالي اثني عشر مقاما – هذا عدا عن الأداء والنفس والجهد المضني الذي يحتاج إليه المطرب في غناء هذه الأغنية الجبارة الخالدة .."هذا الرأي الذي أدلى به فريد الأطرش عام 1971, ينطبق تماماً على سائر المونولوغات المقيدة التي لحن وغنى من مثل :"حبيب العمر ، بنادي عليك , نجوم الليل , سألني الليل .."وغيرها ..وفي هذه الأغاني نجد فريد يتكئ على كلمة أوكلمتين أو لحن أو آهات , ليعبر منها إلى لحن جديد , واقرب مثال على ذلك مونولوغ " بنادي عليك " الذي أتكا فيه على آهات معينة , كان يرددها قبل الولوج في لحن جديد حتى صارت هذه الآهات الحديثة في كل شيء عند ظهورها على كل شفة ولسان .نجاح فريد الأطرش في الجديد الذي دأب على إزعاج عبدالوهاب بشتى الوسائل لاسيما بعد تراجع مساحات صوته , فشجع بعد فشله في وضع محمد أمين في طريق تقدمه , ابن أخيه سعد عبد الوهاب , ففرضه مطربا وممثلاً ثم ملحنا , ليكون بدوره عائقا في طريق فريد الأطرش الذي صار بحق ملك الأغنية السينمائية والشعبية الدارجة والرومانسية الحالمة , فسقط بدوره اسوة بحمد أمين في مستهل الستينات , ليجد مبتغاة أخيراً في عبد الحليم حافظ فجره هذا إلى معارك كان فريد في غنى عنها , ولا ننسى في هذا السياق دور أم كلثوم التي أغرته بالتلحين لها ثم أحجمت . وكان دورها تجاه ابن بر الشام مثل محمد عبد الوهاب , النيل من العملاق الذي صنع مجده بعرقه وفنه , بدعوة مستترة إنه دون التلحين لها .آخر هجوم تعرض له فريد الأطرش , تلك الحملات المغرضة التي شككت بقدراته الفنية فنعته بالعاجز في تلحين القصائد ,وفن تلحين القصائد , فن عسير لم يجده سوى قلة من الملحنين , وهو لايعتمد قالبا معينا يمكن للملحن أن يسير على هدية كما هو الحال في ألوان الغناء الأخرى , ولما كان قالب القصيدة فنيا حرا , فإن الملحن قد يختار إذا كانت القصيدة تخلو من مذهب , بيتا أو بيتين من القصيدة , أو كلمة أو كلمتين تكون بمثابة مذهبا غنائيا يعود إليه الملحن بعد كل مقطع شعري . وقد لا يستعين الملحن بمذهب غنائي لاسيما في القصائد التي لم تنظم أصلاً بهدف الغناء , فيلحنها على غرار تلحين المونولوغ مع فارق يكمن بتكرارالالحان التي لا يتحملها المونولوغ .جميع العمالقة لحنوا القصائد , ويعد السنباطي سيد القصيدة بضروبها التلحينية كافة , وإّذا كان تلحين القصيدة الصعب لا يجيده سوى قلة من الملحنين , فان فن غنائها أصعب من تلحينها , فهل نجح فريد الأطرش في فن القصائد تلحيناً وغناء ؟ الشواهد السمعية التي بين أيدينا تؤكد ذلك , إذ غاب عن الذين كتبوا ما كتبوا , أن فريد سبق له ولحن القصائد مبكراً منذ الأربعينيات وحلق فيها وتألق من مثل " ختم الصبر بعدنا بالتلاقي " وأسأل الفجر والغروب " و" يازهرة في خيالي " وقد لحن الأولى بالأسلوب الأصولي الذي كان سائدا في عشرينيات و ثلاثينيات القرن الماضي , وقد لحن قصيدتي صالح جودت الآنفتي الذكر بالحداثة المغرم بها , ولاسيما " يازهرةً في خيالي " التي جعلها ترقص لحناً وأداء على إيقاع التانغو , فلماذا تجاهل النقاد أعماله المبدعة هذه ؟ الجواب يأتي من ناقد دأب بطريقة وبأخرى النيل من فريد وفنه , إذ بعد أن لحن فريد وغنى في فيلم " الخروج من الجنة " قصيدتي الأخطل الصغير وكامل الشناوي كتب الناقد الراحل كمال النجمي في مجلة الكواكب عام 1967 الآتي :مازال فريد الأطرش ناضر الموهبة فأثبت في قصيدة الأخطل الصغير وقصيدة كامل الشناوي , إنه ملحن حقيقي متمكن من أصول الموسيقى العربية , والقصيدة الأولى ذات مقدمة جميلة تذكر بأصولية هذا الفن , والجمل اللحنية تجري على النسق ذاته تقريباً, وقفلات الأبيات صعبة , ولكن فريد الأطرش أخضعها للتلحين مع عدم الإخلال بالنطق العربي الصحيح . أما قصيدة كامل الشناوي ( عدت يا يوم مولدي ) , لقد لحنها فريد الأطرش على الطريقة التي تلحن بها القصائد الآن , فكان موفقاً كذلك على الرغم من صعوبة تلحين شعر كامل الشناويونستطيع القول إن القصيدتين اللتين لحنهما فريد الأطرش هما أكثر القصائد التي سمعناها خلال هذه السنوات توفيقاً ونجاحاً إضافة لقصيدتي أبي فراس الحمداني وإبراهيم ناجي التين لحنهما السنباطي باقتداره الكبير .كمال النجمي الذي يبدو كتب ما كتب على مضض قد اكتشف أن فريد الأطرش قد درس كملحن جميع الأساليب التي جاء بها ملحن القصائد ولا سيما القصبجي السنباطي , فالسنباطي تعلم كيف يلحن القصيدة السينمائية من القصبجي في رائعته " ليت للبراق عيناً " وفريد تعلم من القصبجي كيف يلحن القصيدة العمودية من وراء قصيدتي " هل تيم البان " و " استقينها بأبي أنت وأمي " ومن ذلك السيل من قصائد التي فاضت بها قرائح العمالقة , فلا بد له من أن يأخذ مكانه بينهما من وراء هذا الفن الصعب والمعقد وقد فعل :اعترف بأنني اطلت عليكم , وكان بودي أن أصول وأجول في فن الحوريات والأوبريت عند فريد الأطرش , ولكني أثرت الرجاء ذلك إلى مناسبة أخرى .. غير إن هناك مسألة محيرة لم أستطع رغم بحثي فيها الأصول إلى نتيجة حاسمة , وهذه المسألة المحيرة هي : هل أخذ فريد الأطرش فنون الالقاء الاوبرالي الذي قدمه في اوبريت انتصار الشباب من محمد القصبجي ,أم أن فريد الأطرش دل محمد القصبجي على استخدام هذا النوع من الالقاء الغنائي في مونولوغ "يا طيور "؟! المحير في الأمر إن كلا العملين ظهرا عام 1941 ,و لا يوجد تاريخ محدد لظهورهما سوى عام 1941 .بقي أن أقول إن صوت فريد الأطرش الذي نعته كمال النجمي انه يخرج من عنق زجاجة , وهو في واقع صوت له خصوصيته ومكانته لدى الجماهير العربية , إذ استطاع على مدى مراحل فنية متباينة أن يظل صامدا فاثبت قدرته في ذلك مذ احترف الغناء في الثلاثينيات لغاية وفاته في السبعينيات , وأثبت أنه أيضا فنان جماهيري يعيش بفنه وسط الجماهير , وحتى عندما ألم به مرض القلب فضل أن يواصل فنه مع جمهوره رغم تحذير الأطباء له , ولا أعرف فناناً عريقاً ظل يعيش بفنه مع الجماهير سوى أم كلثوم ولا أعرف مطرباً حافظ على شباب صوته طوال أربعة عقود من الزمن سوى فناننا الخالد فريد الأطرش .. رحمه الله |
عدل سابقا من قبل وليد علبي في 23/8/2013, 16:18 عدل 4 مرات | |
|