اسمهان الظاهرة النادرة في الغناء العربي حلقة 2
“…التعبير الإنساني يبقى أعظم ما في غناء أسمهان، وهو تعبير يكاد لا يستثني حالة من حالات المشاعر والأحاسيس الإنسانية. ففي أغنية “ليالي الأنس” مثلاً، تنتقل أسمهان بسرعة من مزاج إلى مزاج آخر وفقاً للحن والمعاني. فمن: “خيال ساري مع الأحلام” حيث تغني بشفافية وإشراق بالصوت، إلى عبارة: “تفوت من غير ما تتهنّى” حيث تضفي حساً درامياً على النهاوند، وذلك لا استعراضاً أو رضوخاً لإغراءات الاستعراض، بل تعبيراً فنياً عن مزاج يظل شديد الوضوح في كل الحالات.
في أغنية “يا حبيبي تعال الحقني”، أربعة مقاطع على لحن يتكرر. والعبارات “من بعدك”، “أتألّم”، “في يدّك”، “يلين قلبك”، تقولها أسمهان بأحاسيس مختلفة تؤدي تعبيراً مختلفاً في كل مرة، وفقاً للمعنى المطلوب، على الرغم من أن اللحن هو نفسه في العبارات الأربع. وعلى الرغم من أن العبارات المذكورة قصيرة للغاية، ولا مجال فسيحاً فيها للتعبير الإنساني الزخم، إذ أنها تتشكل من علامتين موسيقيتين فقط. وتلاحظ في هذه الأغنية الشحنات العظيمة والحرارة الإنسانية المتدفقة في عبارة “وغرامي هالكني”.
مأسوية مؤثرة للغاية في أغنية “أيها النائم” من لحن السنباطي.
قصص أسمهان بدءاً بالفاقة في صغرها، تصلح بحد ذاتها لأن تكون مادة غنية لفيلم سينمائي من أكثر الأفلام تراجيدية. بقيت تقض مضجعها حتى وفاتها، إلى حدّ القيام بأي شيء أو عمل كي لا تعود إليها.
حين تتذكر تلك الفترة وترويها لصديقها التابعي تتألم كثيراً، وبخاصة أيام حيّ الفجالة وتعرّضها لسوء التغذية. في إحدى المرات نضب مورد الأسرة بعد سفر المليونير الأمريكي الذي كان يمدهم شهرياً بما يوازي مئة دولار. في تلك الأيام عرفت أسمهان الجوع والحرمان إذ تذكر أن بيتهم خلا من أي طعام فأرسلتها والدتها لاقتراض بعض المال من الدكتور عبد الرحمن الشهبندر، أحد الزعماء السوريين، وهو مقيم في القاهرة وعلى معرفة بأسرة أسمهان، وكانت قطعت مسافة بعيدة مشياً على الأقدام، وحين قابلته وأبلغته رسالة والدتها عن سوء حالهم قدم لها “ريالاً” واحداً، عادت به إلى أمها، وعندما رأته والدتها بكت وبكت معها أسمهان وقدّرت في ذلك الوقت بأنهم أوشكوا أن يتسوّلوا.
وفي قصة أخرى تذكر أسمهان أنها كانت تزور أسرة الأميرالاي محسن بك، وكانت دارهم في شارع الشيخ ريحان بالقرب من ميدان عابدين. كانت تظن أنهم سيقلّونها بسيارتهم إلى منزلها في حيّ الظاهر، لكن السماء أمطرت بغزارة فعدلوا عن الخروج بالسيارة، وحين أقبل المساء والمطر لا يزال ينهمر خرجت بكبريائها وكأنها تريد أن تستقلّ سيارة أجرة، وقد خجلت أن تقول لهم إنها لا تملك قرشاً واحداً، فسارت تحت المطر وفي الوحول من عابدين حتى الظاهر وبعدها بقيت طريحة الفراش عشرة أيام.
وفي حكاية أخرى، تقول أسمهان:
ـ بدأت والدتي تعمل في خياطة الملابس للسيدات وكان ما تحصل عليه قليلاً لكنه يقي شر الجوع والفاقة. وذات يوم شاءت المصادفة أن تلتقي أمي في دار صديقة سورية بالأستاذ داود حسني وهو من الملحنين القدماء، وسبق أن تعاون مع العائلة فنياً، وهنا المفاجأة حيث سمع الملحن حسني صوت الوالدة عالية المنذر وهي تغني عند صديقتها وتنقر على الدف “الإيقاع” فسألها لماذا لا تحاول استغلال موهبتها هذه مثل أولادها آمال وفريد خصوصاً أنها تملك الجمال والصوت الأصيل الذي ورثه فريد وأسمهان منها وكانت والدتها تعرفت إلى سامي الشوا عازف الكمان المعروف وهو سوري الأصل من مدينة حلب وهذان الموسيقيان ساعدا والدة أسمهان فنياً وأخذت تحيي الحفلات الخاصة عند بعض العائلات واتسع رزق العائلة قليلاً حيث أمكنها إدخال فريد وأسمهان إلى المدرسة وإتمام الدراسة التي توقفت في بيروت.
وكانت عالية المنذر تعاقدت مع شركة “بيضافون” لتسجيل بعض أغنياتها على أسطوانات فتوسط الملحن داود حسني عند الشركة نفسها كي تسجل أسمهان بعض أغنياتها على أسطوانات أيضاً وتقبض بعض المال.
ملحنون وشعراء
غنت أسمهان للعديد من الملحنين إلا إن أكثر الألحان التي غنتها كانت من نصيب شقيقها فريد الأطرش: “نويت أداري آلامي” 1937، “عليك صلاة الله وسلامه” كلمات بديع خيري، وفي فيلم “انتصار الشباب” عام 1941، لحن لها: “يللي هواك شاغل بالي، يا ليالي البشر”، كلمات يوسف بدروس، و”كان لي أمل” لأحمد رامي، “يابدع الورد” لحلمي الحكيم، “إيدي ف إيدك”، “الشمس غابت أنوارها” لأحمد رامي، كذلك “أوبريت انتصار الشباب” لأحمد رامي. وفي فيلم “غرام وانتقام” غنت لفريد “ليالي الأنس” كلمات أحمد رامي، “أنا أهوى” لمأمون الشناوي، وموال “يا ديرتي” لبيرم التونسي.
وفي العام نفسه غنت لفريد “رجعت لك يا حبيبي”. وغنت له “أنا بنت النيل”، وكذلك “نويت أداري آلامي” و”الليل”.
غنت لمدحت عاصم أغنية “دخلت مرة ف جنينة” كلماته وألحانه، “يا حبيبي تعال الحقني”.
ولمحمد القصبجي غنت: “يا طيور” يوسف بدروس، “إمتى حتعرف” لمأمون الشناوي و”أنا اللي أستاهل” من فيلم “غرام وانتقام” عام 1944. “أسقنيها”1940 للأخطل الصغير، “أين الليالي”، 1944، “”فرق ما بينّا” مطلعها ليوسف بدروس وبقيتها لعلي شكري، “في يوم ما اشوفك”، “كنت الأماني”، “كلمة يا نور العيون”، “ليت للبراق عيناً” 1938، “هل تيم البان” لأحمد شوقي.
لرياض السنباطي: “أيها النائم” عام 1944، و”حديث عينين” 1944 في فيلم “غرام وانتقام”، و قصيدة أحمد فتحي ” يا لعينيك ويا لي”، وقصيدة لابن زيدون “أقرطبة الغرّاء” و”الدنيا ف إيدي والكل عبيدي”. ولفريد غصن “يا نار فؤادي”. زكريا أحمد: “هديتك قلبي”، “عذابي في هواك أرضاه” وقصيدة أبي العلاء المعري “غير مجدٍ في ملّتي واعتقادي”.
لمحمد عبد الوهاب غنت أسمهان أوبريت “قيس وليلى” للشاعر أحمد رامي، و”محلاها عيشة الفلاح” لبيرم التونسي