[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] المهندس محمود الاحمدية
بمناسبة ذكراه الثامنة والثلاثين, آليت على نفسي ان لا اكرر في هذه المقا لة عن الموسيقار الخالد فريد الاطرش ما كتب عنه عبر عشرات الكتب وآلاف المقالات… وعلى طريقة الغوص في بحر موسيقاه بحثا” عن اللآلئ التي شرقطت في كل ارجاء الوطن العربي من الماء الى الماء…. وانطلاقا” من احداث من صميم الواقع حاول الكثيرون طمسها زيادة في التعتيم والتجاهل,أود ان اذكر الوقائع التالية:
1- ارزتنا الشامخة فيروز والموسيقار فريد الاطرش اسمها الاساسي: نهاد حداد…. بطريق الصدفة سمعت لها حديث منذ عشرات السنين تقول فيه بالحرف الواحد: في طفولتها كانت متأثرة بصوتين ملآ الشرق نغما” جميلا” وموسيقى وآهات هما فريد الاطرش واسمهان…. وبعد بحث طويل وبطريقة موثقة ومختصرة اقتطع جزءا” يختص بموضوعنا من تاريخها الفني الرائع: “استمرت دراستها في المعهد الموسيقي مدة اربع سنوات, بعدئذ ساعدها الاستاذ محمد فليفل في المثول امام لجنة مؤلفة من: حليم الرومي, خالد ابو النصر, نقولا المني كلجنة فاحصة للاصوات لصالح الاذاعة اللبنانية…. لقد كان يوما” مصيريا” في حياة نهاد (فيروز), وقفت هناك بثيابها الابديه طالما فرضتها على نفسها ( بلوزة وتنورة ) وبمصاحبة عود حليم الرومي غنت “يا ديرتي” لاسمهان…. ذهل حليم الرومي بصوتها لدرجة انه توقف عن العزف في منتصف الاغنية واستمرت نهاد فغنت “يا زهرة في خيالي ” لفريد الاطرش, ثم ما لبث أن احيطت باعضاء اللجنة الذين هنؤوها بحرارة واظهروا تقديرهم لصوتها النادر… من الظلم طمس هذه الحقيقة وصولا” الى حد عدم لقاء فيروز بفريد انتصارا” وزهوا” للاغنية العربية…
2- موسيقار الازمان فريد الاطرش وموسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب.
كذلك غوصا” في التاريخ الموسيقي الجميل وعبر هذين العملاقين نذكر ما يلي بطريقة موثقة وتحت عنوان :فريد الاطرش: تحت هذا العنوان كان العملاقان يتصافحان بابتسامة عريضة كلما التقيا ثم ياخذ الواحد منهما الاخر بالاحضان ويروح يسأ له عن صحته وصحة الاولاد وبقية العائلة تماما” كما يفعل الاصدقاء بعد طول فراق… ومثلما الحال عند اقطاب السياسة العالمية التي تظللها الدبلوماسية كذلك عند قطبي الموسيقى: محمد عبد الوهاب وفريد الاطرش! واحدهما يحب الاخر من القلب, على طريقة العربي الاصيل, عندما يلتقيان تبدأ السلامات و”ازاي نهلة يا استاذ محمد” “بخير! يا اثتاذ فريد!” وتبقى المجاملة مطولا”, لكن هذه المجاملة اصطدمت بواقع جديد, وحب عبد الوهاب للشهرة ليس محصورا” في العالم العربي ولكن الى كل مكان يصل اليه لحن شرقي! ولأنّ اوروبا اقرب مكان الى الشرق فان اكثر ما يغيظ عبد الوهاب هو ان تنشر ألحان زميله فريد الاطرش في القارة الاوروبية اكثر من انتشار ألحانه وهو موسيقار الجيل.
في كل مكان يذهب اليه في اوروبا لا يسمع الا اسم فريد الاطرش ولا تتسلل اليه الا ألحان فريد الاطرش وموسيقى فريد في الفنادق, في الحانات والحفلات الخاصة والاذاعات وحتى في علب “الجوك بوكس”.مثلا” اغنية “يا زهرة في خيالي” انتشرت في الخارج بشكل لا يصدق وسجلت نجاحا” عجزت عنه اقوى الالحان الشرقية قاطبة… وكانت الاغنية المفضلة لشباب “الاتحاد السوفيتي” تلك الايام .
وقد سمعها الكثيرون من العرب وهي تتردد على لسان طلاب جامعة موسكو!! اغنية اخرى لفريد هي “يا جميل”حالفها النجاح ايضا” في اوروبا من دون كل اغاني محمد عبد الوهاب وهذه الاغنية لم توضع في علب الموسيقى فحسب ولا انتشرت في برامج الاذاعات الغربية وفي النوادي الليلية فقط, وانما اعجب بها كبار الموسيقيين والمغنين الاجانب واختارتها المطربة العالمية مايا كازبيانكا لتغنيها بصوتها, مثلما يفعل المغنون الصاعدون باغاني دين مارتن وفرانك سيناترا وشارل ازنافور! ويروح عبد الوهاب يتساءل: أغاني فريد كيف احتلت خيال المستمع الاوروبي في روسيا فرنسا بلجيكا اسبانيا بينما موسيقاه هو ” حبيبي الأسمر ” ” عزيزة” “أنت عمري” لم تعبر الحدود. حتى أتى التقرير المفاجأة الذي كان له وقع الصاعقة:أن زميله فريد الاطرش نال اكثر من 4500 جنية استرليني كعائدات عن حق الاداء العلني لعام 1968 عن اذاعة اغانيه وموسيقاه, بينما لم يزد دخل عبد الوهاب عن 2700 جنيه في نفس العام. ويقول التقرير ان مجموع اغنيات فريد الاطرش التي لا تزال تستثمر في اسواق اوروبا والمغرب العربي 173 أغنية بينما عبد الوهاب ليس له الا 26 اغنية فقط! من ضمنها مجموعة الاغنيات التي لحنها للخالدة ام كلثوم في السنوات الاربع الماضية!! وكانت الحقيقة فريد الاطرش هو السباق في اوروبا والمغرب العربي!!
3- فريد الاطرش وعبد الحليم حافظ: ليس جديدا” اذا قلنا ان اغنية “زمان يا حب” المدعمة بصور لفريد وعبد الحليم وهو يلحنها له وليس ناقصا” الا تسجيلها وتدخل اولاد الحلال وابعدوهما!
4- فريد الاطرش وام كلثوم: الكل يعلم قصة ” وردة من دمنا” التي لحنها فريد لأم كلثوم واولاد الحلال أيضا” وأيضا” أبعدوهما!!
من كل ذلك نقول: ليس عبثا” أن تمنح فرنسا عام 1975 بعد رحيل فريد بسنة وسام الخلود الفني الوحيد في الشرق العربي وهو وسام وهذه حقيقة لم تمنحه فرنسا الا لثلاثة: بيتهوفن,موزات,شوبان ورابعهم فريد الاطرش! ليس عبثا” ان تنشر اعمال فريد في الموسوعة العالمية انسايكلوبيديا لاروس ! ليس عبثا” ان يختار الموسيقار العالمي فرانك بورسيل اربع مقطوعات طبعها بالعالمية: حبيب العمر, نجوم الليل, ليلي,زمردة.ليس عبثا” ان يقول الموسيقار الذي نحترم وليد غلميه بالحرف الواحد ” فريد الاطرش هو الوحيد في الشرق الذي توزع موسيقى اغانيه اوركستراليّا”!! ليس عبثا” ان يمر مجد فريد عبر 31 فيلما” سينمائيا” أي مجموع ما مثله كل المطربين الاخرين مع احترامنا وتقديرنا لهم! ليس عبثا” ان يقدم فريد الاطرش في حفلة جماهرية في دمشق لصالح مجاهدي فلسطين وبلغت التبرعات فيها مليوني دولار اميركيا” وصبت كلها في صندوق المجاهدين! ليس عبثا” العلاقة التاريخية التي ربطت الزعيم الخالد جمال عبد الناصر بفريد الاطرش من خلال البعد القومي العربي الذي كان يطبع مسيرة فريد وعندما تبرع بمبلغ عشرة الاف جنيه لصالح منكوبي مدينة قنا في مصر واساس هذه العلاقة هي انه سليل عائلة اطرشية حملت دمها على كفها وقامت بثورة تاريخية عام 1925 وعلى راسها سلطان باشا الاطرش! وهذا التاريخ العروبي هو جعل فرنسا تحاربه في تلك الايام عندما اقام حفلات الجزائر ولنا عودة مفصلة عن ذلك!
الموسيقار عبد الوهاب قال عنه بعد وفاته: لا يستطيع ان يتصدى مؤرخ لتاريخ النهضة الموسيقية دون ان يقف طويلا” امام فريد الاطرش كرائد من الرواد الاوائل وعلم من اعلام اللحن والفن ولم يحد يوما” عن فنه العربي الاصيل… بليغ حمدي قال: فريد الاطرش اعطى الموسيقى الشرقية افكارا” جديدة متطورة وممتازة وجريئة لم يعطها اي ملحن آخر معاصر له وذلك في كتاب(فريد بين الفن والحياة) الناقد الفني انطوان بارود قال في 1975/1/6 : من كان يتوقع ان يضع فريد لحنا” مثل “ليالي الانس في فيينا” السابق لزمانه في العهد الذي ظهرت فيه هذه الاغنية وهذا اللحن خلد فريد واسمهان وخلدوا الفالس العربي!! اعتبره الكثير من النقاد مثل كمال النجمي والدكتوره رتيبه الحفني انه المنافس الوحيد للموسيقار عبد الوهاب.
ليس عبثا” ان يلحن فريد في اول اطلالة سينمائية له مع اسمهان في “انتصار الشباب” كل الاغاني وكانت في عصر القصبجي والسنباطي وعبد الوهاب وكانت المفاجأة التي هزت العالم العربي بنجاح ابداعي لكل اغاني الفيلم.
لن اتكلم عن الاوسمة والجوائز والاولويات التي سجلها فريد والتي ستأتي في مقال خاص.
الساعة السادسة من مساء الخميس في 1974/12/26, اسلم فريد الروح بعد معاناة مع المرض لعقدين من الزمن… وفقد العالم كله احد اعمدة الفن فيه…. وترك هذا التراث العظيم الذي سيبقى على مدى الاجيال رمزا” من رموز العالم الموسيقي….