صفحة أخرى خاصة للفنانة سامية جمال في ذكرى وفاتها ١ ديسمبر ١٩٩٤ / قصة حياة سامية جمال كما رواها صديقها العازف محمد امين
عندما ترغب في أن تصف الراقصة سامية جمال فلن تجد أجمل من وصف "الفراشة" لتعبر به عن الفنانة الراحلة. فهي حقاً كانت كالفراشة في حركاتها وابتسامتها وقفشاتها الكوميدية في الأفلام التي شاركت في بطولتها.
كانت سامية جمال ومازالت النموذج ليس فقط لأصحاب مهنة الرقص الشرقي، ولكن لكل عشاق هذا الفن الرائع الذي أصبح في السنوات الماضية مجرد مهنة بلا ذوق أو إحساس.
اختار صديق سامية جمال الموسيقي محمد أمين الذي صاحبها في آخر عشر سنوات من عمرها، أن يكشف لنا عن حياتها التي لا يعرفها أحد، والكثير من الجوانب الإنسانية في شخصيتها وعلاقتها بمن حولها.
بدايتها و نشأتها
وُلدت سامية جمال في بني سويف في 1924، ودخلت عالم الفن في 1940 وكانت بدايتها مع فرقة بديعة مصابني حيث عملت راقصة وكانت تشارك في التابلوهات الجماعية الراقصة مع فتيات الفرقة خلف بديعة.
وقد اختارتها بديعة لتؤدي رقصة منفردة في احدى الحفلات، وقام مدرب الرقص في الفرقة بتلقينها بعض الحركات وألزمها بارتداء كعب عالي، وتحكي سامية أنها كانت خائفة للغاية فجاءت الرقصة سيئة، فأعادتها بديعة إلى مكانها الأول.
ولكن سامية لم تستسلم للفشل وألحت على بديعة لتمنحها فرصة أخرى للرقص أمام الجمهور ولكن بدون مدرب رقص فوافقت بديعة ونجحت سامية نجاحاً مذهلاً. ولو كانت فشلت لكنات طردتها بديعة من الكازينو كما اشترطت عليها.
مشوارها في الرقص الشرقي
كانت سامية جمال نجمة الرقص الشرقي الأولى في مصر وكانت تشكل مع تحية كاريوكا مدرستين مختلفتين في تعليم وأداء الرقص الشرقي. ورغم أن الاثنتين بدأتا في الفرقة نفسها فرقة "بديعة مصابني"، إلا أن كلا منهما كان لها أسلوب مميز ومختلف في الرقص.
اشتهرت سامية جمال بالمزج بين الرقص الشرقي والغربي، واعتمدت في آداء رقصاتها على الملابس المبهرة والموسيقى والديكورات. أما تحية كاريوكا فكانت تفضل الطابع القديم التقليدي للرقص الشرقي بالرغم من أنها أضافت إليه الكثير من التطوير.
ومما ساعد سامية جمال على البراعة في الرقص هو جمالها الأسمر الهاديء، وروحها المرحة، وأناقتها، وكانت تحرص على رشاقة جسدها حتى آخر حياتها مما تسبب لها في مشاكل صحية كثيرة كانت من أسباب وفاتها. فهي لم تكن تحب تناول الطعام واعتادت تناول إفطار خفيف ووجبة الغداء، وتكتفي بالزبادي في العشاء.
اعتزلت سامية الرقص في أوائل السبعينات، ثم عادت مرة اخرى وكانت تقترب من سن الستين بعد ان اقنعها الفنان سمير صبري حيث عملت مع فرقة محمد أمين الموسيقية، الذي أهدى لها مقطوعات موسيقية من الحان فريد الأطرش لترقص على أنغامها. ثم اعتزلت ثانية بعد تكريمها في مهرجان تولوز بفرنسا لأنها أرادت بذكائها الفني أن تترك انطباعاً جميلاً لدى الناس عنها يناسب مشوارها الفني الكبير.
وظلت سامية تحتفظ بملابس التمثيل التي أدت بها أدوارها في السينما وبدل الرقص الخاصة بها.
سامية جمال في السنما
اقتحمت سامية جمال عالم السينما في 1941 في دور ثانوي مع فريد الأطرش في فيلم "انتصار الشباب" ظهرت فيه في استعراض غنائي راقص. وكانت سامية جمال قد ظهرت في أفلام لم تحظى بشهرة كبيرة في البداية. وبعد فيلمها "انتصار الشباب" انطلقت سامية جمال لتحظى بأدوار البطولة وذلك منذ أن شاركت فريد الأطرش فيلم "حبيب العمر" حيث استطاعا تكوين ثنائي فني ناجح.
شاركت سامية جمال فريد الأطرش في بطولة 5 أفلام هي: أحبك انت – عفريتة هانم – آخر كدبة – تعالى سلم – ماتقولش لحد.
شاركت سامية جمال أيضاً نجوم السينما الكبار في أفلامهم مثل: أحمد مظهر، عمر الشريف، يحيى شاهين، عماد حمدي، كمال الشناوين محمود المليجي، أنور وجدي، يوسف وهبي، شكري سرحان ورشدي أباظة.
ومن أهم الأفلام التي قدمتها سامية جمال للسينما المصرية: انتصار الشباب، ممنوع الحب، رصاصة في القلب، أمير الانتقام، أحمر شفايف، سكر هانم، نشالة هانم، رقصة الوداع، الرجل الثاني، كل دقة في قلبي، حبيبي الأسمر، موعد مع المجهول، الشيطان والخريف، ومرحباً أيها الحب، والعديد من الأفلام التي وصلت إلى 44 فيلماً.
كانت سامية تمثب بأحاسيسها وكانت تقول عن نفسها أنها ليست ممثلة محترفة. وكانت دائماً تتذكر مشهد في فيلم "الرجل الثاني" أمام رشدي أباظة حيث تسقط من فوق السلم، وقد أعاد المخرج عز الدين ذو الفقار هذا المشهد 12 مرة وعندما اختار أفضل لقطة لم يجد سوى الأولى. وهنا قالت سامية: "يا أستاذ عز أول لقطة عندي هي التي أشعر بها دائماً".
حياتها الخاصة
في بداية حياتها جمعتها قصة حب عنيفة بالفنان فريد الأطرش، ويذكر صديقها محمد أمين أنها أخبرته أنها تزوجت فريد زواجاً عرفياً، ثم تم الانفصال بينهما لأن فريد كان يصر على عدم إعلان زواجهما بشكل رسمي. وهو ما سبب ألماً كبيراً للنجمة الراحلة.
تزوجت سامية جمال بعد ذلك من متعهد حفلات أمريكي كان يعمل في باريس ويدعى شبرد كينج الذي أعلن اسلامه قبل أن يتزوجها وسمى نفسه عبد الله. ولم يدم هذا الزواج إلا فترة قصيرة جداً.
في آواخر الخمسينات تزوجت النجمة الراحلة من رشدي أباظة، وقدمت معه بعض الأعمال السينمائية منها: الرجل الثاني، وبنت الحتة، والشيطان والخريف.
لم تكن علاقتها برشدي أباظة على وفاق، فقد كان شخصية صعبة ومتقلبة المزاج، وكان يدمن على شرب الكحول كثيراً، مما جعله في حالة عصبية دائمة. وقد تحملته كثيراً، بل إنها كانت بمثابة أم لابنته "قسمت" التي ربتها منذ أن كانت طفلة حيث أنها لم تنجب في حياتها أبداً وكانت كل مشاعر الأمومة لديها قد أهدتها لقسمت وابناء اشقائها. كما أنها تغاضت كثيراً عن علاقاته النسائية المتكررة ونزواته، إلى أن وصل الخلاف بينهما إلى نقطة اللا عودة حيث أصرت على الطلاق فتم الانفصال.
ولم تتزوج بعدها سامية جمال برغم العروض المغرية التي تلقتها من فنانين وأمراء من الخليج ورجال أعمال، من جهة بسبب تقدمها في السن ومن جهة أخرى لأنها كانت تعتبر أن الرجل الحقيقي الذي ملأ حياتها ولم يعوضها عنه أي رجل آخر هو فريد الأطرش.
حياة سامية جمال التي لا يعرفها احد
كانت سامية جمال شخصية عاطفية جداً، تحب من حولها وتسعى لإسعادهم أياً كانت الظروف. ساهمت في الانفاق على أسرتها وأشقائها وأبنائهم وتعليمهم، كما كانت تهتم بفرقتها الموسيقية وتحرص على ألا تأخذ أجرها قبل أن يتقاضاه الموسيقيون الذين يعملون معها. وكانت لها علاقات اجتماعية متعددة وكثير من الصدقاء الذين كانت تحرص على زيارتهم.
كانت سامية تحب التجول في شوارع الزمالك حيث كانت تستمتع بشراء حاجاتها وتمارس رياضة المشي كعادتها وكانت سعيدة عندما يتعرف الناس عليها.
كانت سامية جمال أيضاً، كما يحكي صديقها المقرب الموسيقي محمد أمين، عزيزة النفس بشكل كبير، فلم تقبل أبداً أن تتلقى أموالاً من أحد إلا نظير عملها.. وقد عرض عليها أحد أمراء الخليج أن يهدي لها جناح خاص في أحد فنادق القاهرة الكبيرة ولكنها رفضت. بل إنها اعتزلت الرقص في أوائل السبعينات ثم عادت له مرة أخرى عندما لم تجد دخلاً يؤمن حياتها، فاستمرت تعمل بالرقص حتى سن الستين حتى جمعت مبلغاً من المال يكفيها أن تعيش الباقي من حياتها "مستورة" كما تقول.
وبالرغم من انها تلقت العديد من العروض، إلا انها كانت ترفضها، فقد امتنعت عن تلبية دعوة احدى القنوات العربية بأن تقوم بالتعليق على أحد أفلامها وذكرياتها عنه لأنها لم تكن ترغب في الظهور على الشاشة لأي سبب من الأسباب خاصة خارج مصر ولكي يظل الجمهور يحتفظ بصورتها التي عرفها عنها.
وكانت سامية جمال دائمة الدعاء لربها، وكل من حولها كان يعلم بأنها تكثر من دعاء "يا رب الستر"، على عكس ما كان يشاع عن فناني هذا الزمان أنهم لا تربطهم صلة بالله أو بالدين.
وكانت سامية تحب الفقراء كثيراً وتعطف عليهم وتنفق على أولادهم، بل كانت دائمة العطاء بلا حدود مع كل من حولها. حتى عندما مرضت رفضت أن يدفع مصاريف علاجها أحد، لذلك توفيت وهي لا تملك شيئاً.
لماذا رفضت سامية جمال نشر مذكراتها
يقول محمد أمين أن سامية جمال لم تكتب مذكرات ولم تفكر في ذلك رغم العروض المالية الكبيرة التي تلقتها مؤكداً أنها كانت لت ترغب في الحديث عن حياتها الخاصة. وبعد اعتزالها اختارت أن تبتعد تماماً عن الأضواء. وقد أرادت بذكائها الفني أن تترك انطباعاً جميلاً لدى الناس عنها يناسب مشوارها الفني الكبير.
وبعد اعتزالها اعتبرت أن علاقتها بالفن انتهت ولم يعد لها مكان سوى البيت وزيارة الأصدقاء وشقيقتها الكبرى وابن شقيقتها وهما كل ما تبقى لها من أسرتها. وبرغم ذلك كانت تتحدث فقط مع المقربين منها عن حياتها الفنية والشخصية.
اللحظات الاخيرة في حياة سامية جمال
لم تعاني سامية جمال من اية أمراض خطيرة حتى وفاتها، ونفى صديقها محمد أمين ما تردد عن إصابتها بالإكتئاب لأنها كانت شخصية اجتماعية وكانت ايامها مشحونة بالعلاقات وتبادل الزيارات مع الأصدقاء والأقارب فلم تعاني من الوحدة ابداً.
كانت سامية جمال تعاني من الأنيميا لأنها لم تكن تحب الطعام لتحرص على رشاقتها، وهو ما أدى لدخولها للمستشفى قبل اربعة أشهر من وفاتها حيث كانت تعاني من هبوط حاد في نسبة الهيموجلوبين في الدم، مما استدعى عملية نقل دم، ونصحها الأطباء بتناول الفيتامينات والاهتمام بالتغذية.
قررت سامية جمال الخروج من المستشفى بعد 3 أيام، وعندما اتصل بها صديقها محمد أمين قالت له: "أكره البقاء في المستشفيات". ثم قضت 6 أيام في شقتها بالزمالك ثم تم نقلها إلى المستشفى في حالة خطيرة حيث شعرت بآلام في المعدة كانت بسبب إصابتها بجلطة في الوريد المغذي للأمعاء أدى إلى حدوث غرغرينا، وتطلب الأمر إجراء عملية استئصال للأمعاء، ولكن سامية لم تتحسن حالتها وبدأت تفقد الوعي تدريجياً حتى توفيت.
ومن أغرب المشاهد التي يرويها محمد أمين أن سامية طلبت منه شراء مدفن لها، ورغم استغراب أمين من ذلك بأنه من قبيل التشاؤم، ولكنها أصرت، فتم شراء مدفن في أول طريق السويس وكانت تزوره من وقت لآخر حتى ذهبت ذات مرة فوجدت اللوحة الرخام على القبر مكتوب عليها الفنانة سامية جمال فاعترضت بشدة وطلبت تغييرها وقالت: "الموت مافيهوش فنانة ولا غيره".
ويقول أمين: "لكن المقاول نسي ذلك، ففوجئنا عندما ذهبنا لدفنها أن اللوحة مكسورة على الأرض كما تمنت قبل رحيلها".
[size=14]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة][/size]