التضييق على " شوام مصر "، هوَ تقليدٌ تليدٌ يُشبُهُ، إلى هذا الحدّ أو ذاك، تقليدَ قتل آل " كينيدي " في الولايات المتحدة. لنتذكّرَ سيَرَ ومَصيرَ كبار فناني بلاد الشام، ثمّة في أرض الكنانة؛ من أمثال " اسمهان "، " صباح "، " نور الهدى "، " أنور وجدي "، " فايزة أحمد "، " عمر الشريف " و" سعاد حسني ". وإذن، كان وَضعُ " فريد " لا يختلفُ كثيراً عن مواطنيه أولئك. لا بل، ويجوز الجزمُ بأنّ ما تلقاهُ موسيقارنا من حملات قاسية مُوجهة ضدّ شخصه وفنه وسيرة شقيقته، سواءً من قبل الصحفيين أو زملائه الفنانين، لتكاد فداحته لا تقارن بغيره من مواطنيه أولئك. ففي فترة تعثر الوحدة بين سوريّة ومصر، تذكّرَ صحفيو هذه الأخيرة، على حين فجأة، ما دَعوه بـ " لغز مَصرع اسمهان "؛ كي يفتتحوا الحملة على ذكراها، بما نما في خيالهم الخصب من قصص العمالة والاغتيال. هؤلاء، تجاهلوا عن عَمْد مَزاعمَ تورّط " أم كلثوم " في الحَبكة، المُفترضة، بالنظر لما كان مَعلوماً عن العلاقة الوثيقة بينها وبين الانقلابيين الناصريين؛ وهيَ المزاعم، التي انتشرت مباشرة ً بُعيدَ وفاة " اسمهان " في حادثة السيارة، المَعروفة التفاصيل. وبعيداً عن عقليّة المؤامرة تلك، سنلاحظ أنّ " كوكب الشرق " وبالرغم من عطفها على عبقريّة الصبيّة، السوريّة، إلا أنها كانت تمحض شقيقها، " فريدَ "، كراهية شديدة ما فتأت بعدُ غير مُعلّلة. ولقد بقيتْ هيَ، حتى وفاة فناننا، مُصرّة على رفض ألحانه التي قدّمها إليها كي تغنيها؛ ألحانه العملاقة، المُتقزم أمامها أيّ صنوٍ لها، مَشرقيّ أو غربيّ. " أم كلثوم "، المُحافظة العريقة، إنما كانت تعبّرُ عن مَقتها للتجديد والحداثة في شخص " فريد "، بالذات. إنّ تمسّكها الدائب، العنيد، وحتى فترة مُتأخرة من حياتها، بأساليب المقامات القديمة، الكلاسيكيّة، قد وَضعها آنذاك وَجهاً لوَجه مع موسيقارنا، السوريّ الأصل، المُنهمك في محاولة تجديد روح الموسيقى في موطن النيل. وكفيلٌ بأن يُلقيَ المرءُ، المهتمّ، نظرة ً على تخت " كوكب الشرق "، الموسيقيّ، في كل الفترة المديدة التي سبقت تعاونها مع " عبد الوهاب "؛ كي يَرى حجمَ ضآلتهِ بالمُقارنة مع مَثيله لدى " أورفيوس الشرق "، المُحتوي على صفوفٍ مُتتابعة من عازفي مُختلف الآلات الشرقيّة والاوروبيّة. ولكن، ها هوَ " عبد الوهاب "، بدَوره، يكيدُ لموسيقارنا بما أنه كان الندّ له، الوحيد، على الساحة الفنيّة في مصر. حقيقة تغيّر صوتُ الأول وعدم قابليّته للعطاء، يَجعلنا ندركُ سببَ اهتمامه بصوت " حليم " والدعاية له باعتباره ـ كذا ـ درّة الزمان، النادرة. فلم يكُ بلا مَغزى، هنا أيضاً، ألا يُغني هذا المُطرب، العندليبُ، أيّ لحن للموسيقار " فريد ". بل إن مُقاطعة أعمال موسيقارنا، بدافع الكيد والحَسَد، شملَ العديد من المُطربين، المشهورين زمنئذٍ، وربما وفق قاعدة وَضعها " عبد الوهاب " نفسه: من يَقبل لحناً لمُنافسي ذاك، عليه ألا يَطرق بابي أبداً.. تبقى ثمّة حقيقة، مؤكّدة؛ وهيَ أنّ " فريدَ "، بنبل أخلاقه وطيبته وكرمه وشهامته، كان أكبرَ من صغائر المؤامرات والعنعنات. لقد ظلّ وفياً للفنّ، ناسكاً في محرابه، حتى لحظة مُفارقته الحياة. ثمّة، في مقبرة الأسرة في القاهرة، يرقد موسيقارُنا العبقريّ مع توأم روحه؛ " أسمهان ". وليسَت ألحان " فريد " وأغانيه وأفلامه، حَسْب، هيَ ما حفرَ اسمه في سجلّ الخالدين ( كان الفنان، الوحيد، المنتمي للعالم الثالث، الحاصل على وسام الخلود، الفرنسيّ )، بل أيضاً ما تمتع به من خصال التواضع والبساطة. إنه القائلُ: " لستُ أكثر من قطرةٍ صغيرة في محيط الفنّ، الهائل ". ولقد تجلّت طيبته، خصوصاً، في مَشهد لقائه المُتلفز مع الفنان " حليم "؛ حينما كان يَتكلّم بدفء وحنوّ، أبويَيْن، فيما أنّ الآخرَ ينظر إليه بنوع من السخرية والخفة. كذلك فيما يخصّ ندّه، " عبد الوهاب "، حيث خصّ فنه دوماً بآيات الاعجاب، ودونما أن يُكلّفَ المعنيّ نفسه للردّ ولو بمُجاملة واحدة، مُبتسرَة. من ناحية أخرى، يتعيّن التأكيدَ بأنّ دراستنا هذه، لم يكُ من شيمتها إظهارَ " فريد " كشخص مُطهَّرٍ، بلا مَثالب؛ بقدَر ما هيَ مُحاولة لإلقاء الضوء على بعض الجوانب الخفيّة، المُلغزة، من حياته وإبداعه، التي لم يتناولها كتاب سيرته بالكشف أو التحليل. [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
ساره عبدالعزيز فريديّة أصيلة
عدد المساهمات : 113 تاريخ التسجيل : 21/04/2011
موضوع: رد: من مقالة الجذور والتغرب 20/7/2015, 01:24
مقال رائع يستحق القراءه اكثر من مرة شكرا لحضرتك استاذ وليد علبى
وليد علبي الاداره- كبار الفريدين
عدد المساهمات : 37914 تاريخ التسجيل : 01/01/2013
موضوع: رد: من مقالة الجذور والتغرب 20/7/2015, 07:52
الأخت الفاضلة سارة عبدالعزيز اطلالتك الكريمة احييت الموضوع دمتي بألف خير وتفضلي بقبول فائق الاحترا م والتقدير
موضوع: رد: من مقالة الجذور والتغرب 20/7/2015, 11:46
مقال رائع فعلا يكشف الغطاء عن حقائق ومكايدات بحق موسيقار العروبة الخالد ملك العود والانغام والابداع ***** فريد الأطرش ***** الذي سيبقى ابد الدهر رمزا للعبقرية المتفردة رغم الحاقدين الف شكر لك استاذنا القدير المتألق = وليد علبي = على مساهمتك الرائعة وجهودك الكبيرة المتواصلة دمت ذخرا لمنتدانا الجميل وفارسا متفانيا في الدفاع عن موسيقارنا الحبيب مع خالص الود وعظيم التقدير وكل عام وانتم بالف خير وصحة وسعادة
وليد علبي الاداره- كبار الفريدين
عدد المساهمات : 37914 تاريخ التسجيل : 01/01/2013
موضوع: رد: من مقالة الجذور والتغرب 21/7/2015, 18:10
استاذي القدير أبو وحيد اشكرك جزيل الشكر على تشجيعك الذي يعبر عن عمق المودة الصادقة التي جمعتنا في المشاركة عن الدفاع عن الحق الذي يمثله فن هذا العملاق الذي امتعنا في سنوات الشباب والشيخوخة والى نهاية العمر دمت ذخرا لنا ولمنتدانا الجميل مع كامل التقدير والامتنان