عبد الرحمن بدوى- بوابه الأهرام الألكترونيه في 26/12/2014
====================================
عند الحوار عن العمالقة يبدو القلم بين أصابعي على غير عادته لأنه في هذه المرات يكون مليئًا بالألم .. وتبدو حائرًا عندما تكتب عن فريد الأطرش الذي تحل اليوم الذكرى الأربعين لرحيله ، فهل تكتب عن الموسيقار أم المطرب أم الممثل.
لقد كان فريد الثلاثة بجدارة .. عشنا معه خلال مشواره الفني الألم والفرح والحب فكانت "حكاية العمر كله .. الحب الكبير .. لحن حبي .. من أجل حبي .. رسالة غرام .. ودعت حبك .. رسالة من امرأة مجهولة.. أنت حبيبي".
وُلد فريد الأطرش، في بلده القريا في جبل الدروز، وعاني حرمان رؤية والده، واضطراره إلي التنقل والسفر منذ طفولته، من سوريا إلي القاهرة مع والدته بعد أن منحهم سعد باشا زغلول تصريحًا بالإقامة؛ هربًا من الفرنسيين المعتزمين اعتقاله وعائلته؛ انتقامًا لوطنية والدهم فهد الأطرش، وعائلة الأطرش في الجبل الذين قاتلوا ضد الاستعمار الفرنسى في جبل الدروز بسوريا.
عاش فريد في القاهرة في حجرتين صغيرتين مع والدته عاليه بنت المنذر وشقيقه فؤاد وشقيقته أسمهان، والتحق فريد بإحدي المدارس الفرنسية (الخرنفش)، حيث أضطر إلي تغيير اسم عائلته، فأصبحت "كوسا" بدلاً من الأطرش، وهذا ما كان يضايقه كثيرًا، ذات يوم زار المدرسة هنري هوواين، فأعجب بغناء فريد وراح يشيد بعائله الأطرش أمام أحد الأساتذة، فطرد فريد من المدرسة، والتحق بعدها بمدرسة البطريركية للروم الكاثوليك.
نفد المال الذي كان بحوزة والدة فريد، وانقطعت أخبار الوالد، وهذا ما دفعها للغناء في روض الفرج؛ لأن العمل في الأديرة لم يعد يكفي، وأمام ضنك العيش الذى لا يرحم، وافق فريد وفؤاد على هذا الأمر شريطة مرافقتها حيثما تذهب، وحرصت والدته علي بقاء فريد في المدرسة، غير أن زكي باشا أوصي مصطفي رضا بأن يدخله معهد الموسيقي.
وفي معهد الموسيقى بدأ فريد تعلم عزف العود على يد رياض السنباطى ، ليتفوق التلميذ على أستاذه فيما بعد حين أضاف للعود وتره السادس ليصبح " ملك العود" لا ينازعه على عرشه أحد، وبمجرد أن وطأت قدمه معهد الموسيقى أحس فريد أنه ولد في هذه اللحظة، وأنه وجد بيته الذي ظل يبحث عنه منذ طفولته.
تعلم فريد منذ صغره أن يعتمد على نفسه، وأن يكون مسئولاً عن إعالة أسرته، فبدأ في بيع القماش وتوزيع الإعلانات من أجل إعالة الأسرة، وبعد عام بدأ بالتفتيش عن نوافذ فنية ينطلق منها، حتي التقي بفريد غصن والمطرب إبراهيم حمودة، الذي طلب منه الانضمام إلي فرقته للعزف على العود.
أقام زكي باشا حفله يعود ريعها إلي الثوار، أطل فريد تلك الليلة علي المسرح، وغني أغنية وطنية ونجح في طلته الأولي، وبعد جمله من النصائح اهتدي فريد إلي بديعة مصابني التي ألحقته مع مجموعة المغنين، ونجح أخيرا في إقناعها بأن يغني بمفرده، ولكن عمله هذا لم يكن يدر عليه المال بل كانت أموره المالية تتدهور إلي الوراء.
بدأ فريد العمل في محطة شتال الأهلية حتي تقرر امتحانه في المعهد، ولسوء حظه أصيب بزكام وأصرت اللجنة علي عدم تأجيله، ولم يكن غريبًا أن تكون النتيجة فصله من المعهد، ولكن مدحت عاصم طلب منه العزف علي العود للإذاعة مره في الأسبوع، فاستشاره فريد فيما يخص الغناء خاصة بعد فشله أمام اللجنة، فوافق مدحت بشرط الامتثال أمام اللجنة، وكانوا نفس الأشخاص الذين امتحنوه سابقًا بالإضافة إلي مدحت.غني فريد أغنيه الليالي والموال لينتصر أخيرا، ويبدأ في تسجيل أغنياته المستقلة، وسجل أغنيته الأولي (يا ريتني طير لأطير حواليك) كلمات وألحان يحيي اللبابيدي، فأصبح يغني في الإذاعة مرتين في الأسبوع، لكن ما كان يقبضه كان زهيدًا جدًا، واستعان بفرقة موسيقية، وبأشهر العازفين كأحمد الحفناوي، ويعقوب طاطيوس وغيرهم وزود الفرقة بآلات غربيه، بالإضافة إلي الآلات الشرقية، وسجل الأغنية الأولي، وألحقها بثانية (بحب من غير أمل)، وبعد التسجيل خرج خاسرًا، لكن تشجيع الجمهور عوض خسارته، وعلم أن الميكروفون هو الرابط الوحيد بينه وبين الجمهور.
عرف فريد عادات جميلة وعادات غير مستحبة، فكان اتصاله بالقمار شيئًا من تلك العادات السيئة، أدمن علي لعب الورق حتي عود نفسه علي الإقلاع، وعرف أيضا حبه للخيل، وذات يوم وفيما كان فريد في ميدان السباق راهن علي حصان، وكسب الجائزة، وعلم في الوقت نفسه بوفاة أخته أسمهان في حادث سيارة، فترك موت أخته أثرا عميقًا في قلبه، وخيل إليه أن المقامرة بعنف ستنقذه.
وتعرض فريد لذبحه صدرية وبقي سجين غرفته، تسليته الوحيدة كانت التحدث مع الأصدقاء وقراءة المجلات، اعتبر أن علاجه الوحيد هو العمل، وبينما كان يكد في عمله سقط من جديد.
واعتبر الأطباء سقطته هذه النهاية، ولكن في الليلة نفسها أراد الدخول إلى الحمام، فكانت السقطة الثالثة، وكأنها كانت لتحرك قلبه من جديد وتسترد له الحياة، فطلب منه الأطباء الراحة؛ لأن قلبه يتربص به، وهكذا بعد كل ما ذاقه من تجارب، وما صادف من عقبات عرف حقيقة لا يتطرق إليها شك وهي أن البقاء للأصلح.
وقدم الموسيقار الكبير فريد الأطرش ونجح في تكوين ثنائيات رائعة مع كل بطلات أفلامه بل إنهن ازددن شهرة وتألقا لاشتراكهن معه ولعل الأولى في النجاح كانت سامية جمال، لأنها كانت حبيب العمر – كما قيل وقتها - إضافة الى خفة دمها واندماجها معه ولذلك حظيت بتمثيل ستة أفلام قالت عنها، إنها كانت أفضل ما مثلت في حياتها ولا ننسى أسمهان ونور الهدى وفاتن حمامة وصباح وشادية، وتحية كاريوكا وماجدة وهند رستم ومديحه يسري، ومريم فخر الدين.
قدم فريد الأطرش إلى مكتبة السينما 31 فيلما سينمائيا كان بطلها جميعا وأنتجت هذه الأفلام فى الفترة من عام 1941 حتى عام 1975، وأشهر هذه الأفلام فيلم "حبيب العمر"، "عهد الهوى" ،"حكاية العمر كله"، "ودعت حبك" ،"رسالة من امرأة مجهولة"، ومن أشهر أغانيه "بساط الريح"، "حكاية العمر كله"، "الربيع"، "ما قال لى وقلت له"، "نجوم الليل"، "يا دلع"، "تعالى سلم"، "يا حبيبى طال غيابك"، "يا واحشني رد عليا"، "تؤمر على الرأس"، "على الله تعود".
واللحظات الأخيرة في حياة فريد، تصفها "الإنسانة الّتي وهبها قلبه، وإخلاصه، "السّيدة سلوى الحلاّق (القدسيّ) وأراد أن يربط حياته بها إلى الأبد، "ورغم أنّه كان يكبرها بثلاثين سنة على الأقلّ، وهي الّتي كانت آخر من رأى في حياته،.. ، حسبما ذكرت مجلة الموعد في عددها "644" ،قائلة : فلقد وعده الطّبيب بأن يخرج من المستشفى يوم الخميس 26 ديسمبر 1974، وكان فريد يبدو "سعيداً".. وعند السّاعة الرّابعة جاءته بالأكل، ولم يكن قد تغدّى بعد، ومضت ساعات، وعندما فتحت الرّاديو.. كانت إذاعة الأردن تبثّ أغنيّة "أوّل همسة".. فكانت آخر لحن يسمعه.. ولمّا سمع أذان المغرب، أخذ يصلّي .. ويدعو من أعماق قلبه "يا ربّ"، وفاضت روحه ثمّ ودّعته الوداع الأخير،وأثناء دفنه.. أبت إلاّ أن يوضع تحت رأسه المصحف الكريم الّذي كانت تضعه تحت وسادتها.
ورحل فريد الأطرش في مستشفي الحايك في بيروت، إثر أزمة قلبية، عام 1974 عن عمر 64 سنة، ولم يكن خائفًا من الموت، لأنه رحل بجسده تاركًا روحه تعيش بيننا.
===================================================================
هذا المقال موجود على هذا الرابط وتظهر
صورة المنتدى أيضا في بدايه المقال
http://gate.ahram.org.eg/News/577179.aspx