عبدالمعطي ضيف شرف
عدد المساهمات : 1049 تاريخ التسجيل : 30/08/2013
| موضوع: جريدة الموعد 24 يناير 2015 العدد 2602 13/2/2015, 23:33 | |
| العدد 2602 24 يناير 2015 فريد الأطرش عاش غني و مات غنيا تنشر «الموعد» في «شارع النجوم» مجموعة من المقالات التي كتبها رئيس تحرير «الموعد» الراحل محمد بديع سربيه، وهي لا تتبع التسلسل الزمني، بل تتنوع مواضيعها ومضمونها مع تنوّع النجوم الذين رووا ذكرياتهم وتحدثوا ومشوا في «شارع النجوم». ----------------------------------------------------------------------- كتب الراحل محمد بديع سربيه عام 1975: ما أكثرهم هؤلاء الذين بدأوا يملأون الدنيا بالأخبار والإشاعات عن «فقر» الموسيقار الراحل فريد الأطرش, ويتظاهرون بأنهم كانوا من المطلعين على حياته الخاصة, والعالمين بأمور ثروته.. وما أكثر الذين بدأوا منذ اللحظة التي فاضت فيها روح فريد الأطرش, وتوقف قلبه الكبير عن الخفقان, يزعمون أنهم كانوا من أصدقائه الخلص, والذين يعرفون كل أسراره ويلمون بكل شاردة وواردة عنه, وعن ممتلكاته, وديونه, وأوضاعه المالية.. ولكل من عرف فريد الأطرش في شتى مراحل حياته أن يزعم أنه صديق له, لأن الموسيقار الراحل كان دائماً صاحب القلب الكبير العطوف والمتسامح حتى مع الذين كانوا يتعمدون الإساءة اليه, وإثارة عصبيته وغضبه, وكان يعتبر جميع الناس أصدقاء له... ولكن, هناك فرق كبير بين التباهي بصداقة فريد الأطرش, وبين أخذ الحق في تقديم كشف بثروته وممتلكاته الى الناس, ثم الوصول الى المغالطة الكبيرة بالقول إن الموسيقار الراحل قد مات فقيراً.. وأنه لم يترك لورثته سوى.. الديون!! وأسمح لنفسي أن أتخلى عن التواضع, وأقول إنني كنت واحداً من أربعة أو خمسة أشخاص كان بينهم وبين فريد الأطرش في السنوات السبع الأخيرة صداقة حميمة جداً, وإن كانت علاقتي وصداقتي به تعود الى ما قبل ربع قرن. ولأنني كنت لا أفترق عنه يوماً واحداً, وعايشت كل آلامه, وآماله, ومتاعبه, وتطلعاته, ولأنه ما كان يخفي عني سراً من أسرار حياته, فإنني أستطيع أن أقول بكل ثقة إن الموسيقار الراحل لم يمت فقيراً!. صحيح أنه لم يترك ثروة طائلة توازي الملايين التي كسبها على امتداد حياته الفنية, وأنه كان كساباً وهاباً, كما يقول المثل العامي, وأنه كان دائماً ينفق ما في الجيب بانتظار ما يجيء به الغيب, ولكن, وبالرغم من حياة البذخ والكرم التي عاشها, فإنه لم يكن بالفنان الذي يعاني من الفقر, ولا شعر بالحاجة في أي يوم من الأيام, وكان حتى آخر لحظة في حياته يعيش في يسر وبحبوحة وعندما غادر هذه الدنيا فإنه لم يترك لورثته الفقر, والديون, كما قيل, وإنما ترك لهم ثروة جيدة تسمح بالقول إنه مات غنياً كما عاش غنياً.. وتهمة الفقر ليست عيباً بالنسبة لأي إنسان, وخصوصاً بالنسبة لفريد الأطرش الذي كان سخي اليد دائماً, ومحباً للحياة الباذخة المترفة, ولكن, ولأن الصديق الراحل كان يحب دائماً أن يتحدث بنعمة الله, فإنه قطعاً يرفض, حتى وهو في مثواه الأخير, أن ينكر هذه النعمة, أو أن يقال عن تركته وميراثه ما هو ليس حقاً ولا صحيحاً.. وفريد الأطرش لا يملك عمارة, ولا شقة, ولم يشتر أرضاً, ومع ذلك فإن مجموع ما خلفه, ويعتبر تركة له, يمكن, عندما يجمع الى بعضه, أن يؤلف ثروة جيدة, ولا يقلل من قيمة هذه الثروة, إن إدارة الضرائب في مصر قد حجزت على بعض ممتلكاته تسديداً لضرائب تطلبها منه, فإن قيمة الضرائب لم تحدد بعد بصورة نهائية, ولو دفعت الضرائب المطلوبة من الموسيقار الراحل فإنه سيظل معدوداً في مرتبة الأغنياء.. ومن ممتلكات فريد الأطرش, الشقة التي يملكها بالإيجار في القاهرة, والمطلة على النيل, ومنذ ستة أشهر فقط عرض على فريد مبلغ خمسين ألف جنيه مصري ليتنازل عنها لصديقه الثري السعودي محمد سرور الصبان, الذي هو صاحب العمارة, ولكن الموسيقار الراحل لم يرض بذلك, وكان هذا العرض من السيد الصبان بحضوري مع زوجتي والنائب جو حمود, والسيدة سلوى القدسي والسيدة دنيز جبور. وفي هذه الشقة بالذات مجموعة من السيوف الذهبية المرصعة بالماس, ومجموعة من السجاد العجمي الثمين النادر, وبينها سجادة تاريخية كان شاه ايران السابق قد أهداها الى الملك الراحل عبد العزيز آل سعود, ولم يُصنع من نوعها إلا اثنتان فقط.. ويملك فريد الأطرش عوامة ترسو على شاطئ النيل, وهي من أضخم العوامات, وفي حال عرضها للبيع, فإن ثمنها لن يقل عن ثلاثين ألف جنيه مصري.. وغير ذلك فإن الموسيقار الراحل كان يستأجر مكتباً من خمس غرف في شارع الألفي في القاهرة, ويعتبر مؤسسة تجارية تبلغ قيمة خلوها خمسة آلاف جنيه, فضلاً عن شقة كان يستأجرها في الإسكندرية ومؤلفة من عشرة غرف, ولو فكر الورثة بالتنازل لنالوا خلواً يبلغ عشرين ألف جنيه على الأقل.. وكذلك الشقة الأنيقة في الزمالك في القاهرة, وهي على شكل فيللا, وقد استأجرها فريد منذ خمسة وعشرين سنة بمبلغ يعتبر الآن زهيداً جداً, وفي هذه الشقة الفيللا يسكن الآن شقيقه الأكبر الذي هو السيد فؤاد الأطرش مع قرينته السيدة وجيهة وابنهما الصغير فيصل.. ومن عائدات الأداء العلني التي تؤمنها جمعية حقوق المؤلفين والملحنين سنوياً لفريد الأطرش, ثم لورثته من بعده, ينال الموسيقار الراحل من الآن ولمدة خمسين سنة مبلغاً يصل الى العشرة آلاف جنيه شهرياً, وبحساب بسيط يتبين أن حقوقه عن أغانيه التي تذاع في كل مكان من العالم, سوف تصل الى ما لا يقل عن خمسة ملايين جنيه استرليني في مدة النصف قرن.. وهناك أفلام فريد الأطرش التي أنتجها لحسابه, وما زالت تعرض حتى الآن وتعطي عائدات جيدة, لأنه احتفظ لنفسه بحق استثمارها في القطر المصري, وحتى أواخر أيامه كان ما زال يبيع نسخاً من هذه الأفلام بمقاس 16 ملليمتر, وقد باع بالفعل مجموعة منها لأحد الأمراء العرب في الشتاء الماضي بمبلغ كبير.. هذا عن ثروة فريد الأطرش التي خلفها في مصر.. فماذا عن ثروته في لبنان؟؟. إن أهم ممتلكات الموسيقار الراحل في لبنان هو النادي الليلي الذي يملكه في محلة «الروشة» ببيروت, وكان قد أسس هذا النادي بالاشتراك مع المغترب السيد روبير حبيب, ولكن الشريك انسحب في العام الماضي, ودفع فريد الأطرش له ثمن حصته, وهكذا بات النادي الفخم بكامله ملكاً لفريد, والأرباح الصافية لهذا النادي تبلغ مائة ألف ليرة سنوياً, أي أن قيمته تساوي مليون ليرة لبنانية تقريباً.. وفي محلة «اللويزة» تقوم في «روف» إحدى العمارات الشقة التي كان فريد الأطرش يسكنها بالإيجار ولكنها مليئة بالتحف والمفروشات الثمينة, وبمجموعة من الساعات الثمينة التي أهديت الى الموسيقار الراحل في مناسبات عديدة من شخصيات عربية كبيرة.. وخلال الأشهر الستة الأخيرة من حياته بلغت ايرادات فريد الأطرش حوالي نصف مليون ليرة لبنانية, فقد تقاضى مبلغ مائة وخمسين ألف ليرة لبنانية عن تمثيله لدور البطولة في فيلمه الأخير «نغم في حياتي» بالإضافة الى مبلغ أربعين ألف ليرة لبنانية عن استغلال أغنيات هذا الفيلم في الأسطوانات, وكذلك مبلغ مائة ألف ليرة لبنانية تقاضاها عن الحفلتين التي أقامهما في ملهى «بيسين عاليه» فضلاً عن مبلغ مائتي ألف ليرة قُدّم اليه من شخصيات عربية كنفقات للعلاج في مستشفيات أوروبا!. ولو أمهل الزمن فريد الأطرش لكان في نيته أن يتابع نشاطه الفني, وكان في برنامجه لهذا العام أن يمثل فيلماً آخر تشاركه بطولته النجمة سعاد حسني, كما كان ينوي إقامة حفلات غنائية في الخليج, والمغرب العربي, والعراق, كما كان يعدّ مجموعة من الأغنيات ليسجلها على أسطوانات, ومنها أغنية «كلمة عتاب».. كان الموسيقار الراحل يكسب كثيراً وينفق كثيراً, وفي أواخر أيامه كان يحرص على أن يجمع المال, ليستطيع أن يحافظ على مستوى حياته فيما لو اضطرته حالته الصحية الى التقاعد, وذات ليلة قال لي إنه قرر أن يقيم بصورة نهائية في القاهرة, وطلب اليّ أن أعمل له حساب المبالغ التي دخلت عليه في هذا الصيف, فيما لو حوّلها الى مصر, وكم سنة يمكن له أن يعيش بها لو توقف عن العمل.. وبدأنا نجمع ونطرح ونحسب, وتبين له أنه بهذا المبلغ وبما عنده من ايرادات عن الأداء العلني لأغانيه سيمكن له أن يعيش لمدة خمس سنوات في بحبوحة تامة, ودون أن يكون بحاجة الى أحد!. ولأن فريد الأطرش كان يشعر دائماً بأن حالته الصحية قد ترغمه يوماً على التقاعد كفنان, فإن خوفه الوحيد كان دائماً من معاناة العوز والحاجة, ولهذا كان هاجسه باستمرار هو أن يؤمن لنفسه وطوال حياته موارد تؤمن له الحياة الكريمة.. ولم يكن الموسيقار الراحل يفكر بغده, وبالمال, إلا في السنوات الأخيرة من حياته, وبعد أن كان يحسّ بينه وبين نفسه باشتداد وطأة المرض عليه, وأبرز دليل على إنسانية فريد الأطرش, أنه لم يكن أنانياً في تفكيره, بل كان يفكر بنفسه وبمن حوله من الذين يعيشون معه أو يعملون عنده, وفي كل مرة كان يبدي رغبة في أن ينال هؤلاء بعض ما عنده فيما لو اصابه سوء.. بل إنه كان يعلن أمام زائريه وأصدقائه المبالغ التي يريد أن يخصّ بها الذين كان دائم القلق على مصيرهم وحياتهم من بعده.. وبعد, هل كان فريد الأطرش مديوناً.. أسمح لنفسي, من خلال معرفتي الوثيقة جداً بأوضاعه المالية, ومن خلال ما سمعته منه شخصياً, بالتأكيد بأن الدين الوحيد على فريد الأطرش هو مبلغ خمسة وسبعين ألف ليرة لبنانية, قيمة القسط الأخير المستحق لشريكه السيد روبير جبيب, لقاء تنازله عن حصته في النادي الليلي, وهذا المبلغ سيسدد من أرباح النادي عن العام الماضي!. هذا هو, بالتفصيل, الوضع المالي الصحيح للموسيقار الراحل فريد الأطرش, حتى اللحظة الأخيرة من حياته, ومنه يتبين أن الفنان الذي كسب الملايين وأنفق الملايين, واستمتع بالحياة كما لم يستمتع بها أي فنان, قد عاش غنياً, ومات غنياً.. وأنه, يوم فارق هذه الدنيا, ترك ثروة جيدة تنفي عنه تهمة الأنانية, أو عدم التفكير بمن سيكونون بحاجة اليه حتى وفاته.. وعلى أية حال, ومهما كانت القيمة المادية للإرث الذي تركه فريد الأطرش, فإن الثروة الحقيقية التي كان يعتز بأنه سيخلفها وراءه, هي هذا النهر المتدفق من الأنغام الذي سيظل على مدى السنين والأيام, يروي ظمأ القلوب العطشى الى الحب والجمال, والطرب الأصيل.. ■ |
| | | |
| |
|