لهذا لم يكن غريبا أن يزور الملك حسين فى شهر فبراير عام 1955 مصر ليحضر حفلا ساهرا لكوكب الشرق أم كلثوم، حضره أيضا الرئيس جمال عبد الناصر، وسيف الإسلام البدر رئيس وزراء اليمن فى نادى الضباط. ويومها غنت أم كلثوم فى وصلتها الأولى أغنية « ذكريات» كلمات أحمد رامى وألحان رياض السنباطي، وفى الوصلة الثانية « يا ظالمني»، وبين الوصلتين وفى فترة الاستراحة تم توسيم كوكب الشرق بوسام النهضة الأردنى من الطبقة الثالثة. و قام عونى عبد الهادى سفير المملكة الأردنية الهاشمية فى مصر بإلقاء كلمة قال فيها: « يعلن حضرة صاحب الجلالة الملك حسين الأول ملك المملكة الأردنية الهاشمية الإنعام على صاحبة العصمة مطربة الشرق السيدة أم كلثوم الفنانة العظيمة بنيشان النهضة من الطبقة الثالثة تقديرا لها ولفنها».
وشكرت كوكب الشرق الملك حسين لتفضله بالإنعام عليها بهذا الوسام وقالت « أشكر جلالة الملك باسم بلادي، وباسم الفن فى البلاد العربية، وأرجو أن أرى الوسام الأكبر الذى نحلى به قلوبنا وصدورنا، وسام وحدة الشعوب العربية، والحكومات العربية» وعندما هتفت الجماهير الحاضرة للحفل وطالبتها بالإعادة أضافت : « أحلى وسام هو وسام اتحاد الدول العربية ضد الاستعمار من أجل تحرير هذه الشعوب وتأكيد سيادتها». وفى وصلتها الثالثة وبعد حصولها على الوسام المصنوع من الذهب والفضة والمكتوب عليه أسم الملك حسين غنت رائعتها « قصة حبي» وسط أجواء مفعمة بالسعادة والحبور.
فريد الأطرش يحيى زفاف الملك
بعد شهرين تقريبا من حضور الملك حسين لحفل أم كلثوم أرسل فى طلب المطرب فريد الأطرش ليغنى فى حفل زفافه على الملكة دينا عبد الحميد، وكان فريد قد تعرض فى الأيام الأولى من عام 1955 لأول أزمة قلبية، قبل أن يسافر إلى عمان بعد أيام قلائل من مغادرته فراش المرض، فإن ذلك كان تقديرا لملك الأردن الذى فضله على فنانة أخرى سعت بكل قوة لإحياء حفلة الزفاف الملكية. وأمام حضور من الصفوة ضم الملك حسين وعروسه والملك فيصل ملك العراق وولى عهده وأفراد الأسرة المالكة فى الأردن وكبار رجال الدولة من الوزراء وزوجاتهم، وقف فريد الأطرش، لينشد فى بداية الحفلة أغنية للزفة الملكية كتبها خصيصا للمناسبة الشاعر صالح جودت يقول مطلعها :
«يا أغلى من أمانينا / وأحلى من أغانينا / يا زينة الدنيا يا دينا / يا وردة فى بلد حرة / وتاج عالى وشعب أصيل / دعانا هاتف البشرى، وجينا من ضفاف النيل / باسم الشعب والثورة، نقدم ليك تهانينا / يا أحلى من أغانينا / يا زينة الدنيا يا دينا».
وبعد أغنية الزفة أتبعها بأغنيته الجميلة التى كانت تتردد آنذاك على كل لسان «نورا يا نورا». وقبل أن يبدأ وصلته الثانية وقف وقال: «تلبية لطلب جلالة الملكة الأم « زين» سأغنى لكم أغنية «أنا وانت لوحدنا»، واختتم فريد أجمل وأقوى حفلاته الملكية بتقديم أغنيتين هما «وياك» و»جميل جمال». وفى تلك الليلة ونظرا لحضور الملك فيصل الثانى ملك العراق ارتجل فريد موالا خلال غنائه لأغنية «نورا» كتحية للملك فيصل الثانى ملك العراق واستعار فريد ذلك الموال من أوبريت «بساط الريح» وكان نصه فى الأوبريت كما يلي: «يا دجلة أنا عطشان ما أقدر أرتوى، من حسنك الفتان هذا الكسروي»، فأبدل فريد البيت الثانى أثناء غنائه فى حفلة زفاف الملك حسين وفى حضور الملك فيصل ليصبح: «من حسنك الفنان هيدا الفيصلي».
وفى ختام تلك الحفلة التى أعادت إلى الأسماع أصداء ما كان يقدم من غناء فى قصور الخلفاء بالعراق والأندلس، وتم الإعلان عن إنعام الملك حسين على نجم الليلة فريد الأطرش بوسام الكوكب من الدرجة الثانية، وهو أكبر وسام أردنى منح إلى فنان فى ذلك الوقت. وحصل الفنان الكبير يوسف وهبى الذى كان أحد حضور حفل الزفاف على نفس الوسام.
الملك يودع الأطرش بالمطار
كان فريد من الفنانين المقربين للملك حسين، لهذا كان دائم التردد على الأردن للغناء فى كل المناسبات الوطنية والعائلية للأسرة المالكة، وفى إحدى زياراته لإحياء عيد ميلاد الملك حسين وغنائه رائعته « مبروك وعقبال 100 سنة» كلمات فتحى قوره والتى يقول مطلعها : « مبروك ... مبروك وعقبال 100 يا حبيب الأمة العربية / يوم هنا وسرور مبروك / مكتوب بالنور فى تاريخ الأسرة الهاشمية». وزيادة بالتكريم ودعه الملك بسيارته إلى مطار عمان وهو فى طريق العودة إلى القاهرة، بعد أن أمضى أياماً بضيافة العاهل الأردني، وعندما مرض الملك حسين فى إحدى السنوات قدم له أغنية أخرى بعنوان « حسينا سلامتك»، لهذا كان طبيعيا أن يهديه الملك عام 1964 وسام الاستقلال من الدرجة الأولى. وعام 1970 لحن فريد للمطربة الأردنية دلال الشمالى أغنية تتغنى بالحسين يقول مطلعها: « هليت هليت تاجك بين رجالك ساطع / حييك بشوق / طليت طليت يا بو جناح العنبر طالع لفوق لفوق / عرشك دايم / صوتك دايم / يا بوعبد الله».