[size=24][/size]
فريد الأطرش في الاغنية الثنائية
بقلم زياد عيساوي
هي حالة الاندماج التي أعيشها في هاته الأيام، مع أعمال الفنان الرائع "فريد الأطرش" من تصرُّ عليّ، لأجل أنْ أخطَّ لكم هذه المقالات المتعدّدات عنه، فأعمال هذا الفنان الكبير، لتعدّدها وتنوعها وتطرقها لطبوع الغناء العربي كلها، لا يمكنني أنْ أتجاهل نمطاً منها، وقد بذلت قصارى جهدي، كي أتطرق إليها، وبقدر المُتاح والمُباح، حاولت جاهداً ألا أغفل منها شيئاً، وبقيّ ليّ بعد المقالات السابقة، التي خضت فيها بخصوصه، أنْ أفرد مقالتي هذه، لأتناول فيها رؤيتي للأغنية الثنائية بشقيها (الديالوغ والدويتو) وما جاد به هذا الفنان الكبير بشأنها، فثمة من لا يدري أن هناك فرقاً كبير بينهما، فـ (الدويتو) هو ذلك الصنف من الأغنية الثنائية، التي يتشارك فيها فنانان اثنان، بأداء مقاطعها الغنائية في الوقت نفسه، أما الـ (ديالوغ) فهو ذلك الغناء، الذي يتطارحان فيه بالأداء، أي أنْ يغني كل منهما مقطعاً ويردُ عليه الثاني بغناء مقطع آخر إلى نهاية الأغنية، ولـ "فريد" مع هذين النمطين المنتميين للأغنية الثنائية، تاريخٌ وباع طويلينٌ سجَّلهما ببصمة أروع وأجمل الأصوات التي غنّت معه، ومعظمها كانت أصوات نسائية، ويجيء على صدارتها، صوتُ شقيقته الراحلة "أسمهان" التي أراهن، إنْ أمدّ الله في عمرها، لكان لغنائها شأنٌ آخرٌ - فهي لم تغن إلا لثماني سنوات وكفى، ورحلت في عزّ شبابها، وهي في أحسن حالات صوتها، وهذا عمر المبدعين من الفنانين والشعراء، أمدّ الله في أعمار المتصفحين، مع علمي بأنه دعاء لا فائدة منه، فلكلِّ أجلٌ كتاب، وما نتضرع به إلا من باب الرجاء فحسب، بأنْ يكون عمر من ندعو له مسجلاً عند الخالق مديداً.. هكذا - ولاستطاع أخوها أنْ يترجّم على حنجرتها ألحاناً، ما كان لغيرها من الفنانات الفاتنات الحناجر، أنْ تؤديها، على الرغم من كل البهاء الذي عرفناه على أصواتهن، وهذه الحقيقة، كان يُصرّح بها الراحل دائماً.
والحديث عن الأغنية الثنائية، سيجرنا لا محالة، إلى أغاني أشرطة الخيالة والمسرح الغنائي، فهذا اللون الغنائي، عادة ما يُقــُدِّم من خلال هاتين الوسيلتين، ومن حسن الطالع، إننا حين حديثنا عن الأغنية الثنائية، سنتطرق حتماً إلى أغاني الفنان "فريد الأطرش" التي سمعها منه المتلقي من وراء الشاشة الكبيرة في شكل (الأوبريت) الغنائي، قبل ظهور (التفلزيون) وسيأخذنا كذلك، إلى الحديث عن ألحانه للآخرين، وبذلك أكون قد ضربت ثلاثة عصافير بحجرٍ واحدٍ؛ فقد عرف الجمهور هذا الفنان في أول (فيلم) له، شاركته دور البطولة فيه، أخته "أسمهان" وكان بعنوان (انتصار الشباب) ولكم في هذه الرائعة الغنائية الثنائية منه، محكٌ، لتبيان جمال صوت الفنانة الكبيرة الراحلة "أسمهان":
المطربة الراحلة: أسمهان
ديالوج: الليل وادي العشاق (إستماع)
من فيلم انتصار الشباب
إنتاج سنة: 1941 م
ـــــــــــــــــ
كلمات الزجّال والشاعر: أحمد رامي
لحن الموسيقار: فريد الأطرش
غناء: أسمهان وفريد الأطرش
ـــــــــــــــــ
ليل يا ليل يا سلام ع الليل
والكون هادي والجو جميل
...
بصوت فريد:
يللي تحبوا الليل النادي
يللي تناجو الطير الشادي
غنوا معايا وقولوا:
ليل يا ليل يا سلام ع الليل
الكون هادي والجو جميل
...
بصوت أسمهان:
الليل وادي العشاق
يتلوع فيه قلب المشتاق
يللي كواكم الحب ابناره
يللي سقاكم الشوق أسراره
غنوا معايا وقولوا:
ليل يا ليل يا سلام ع الليل
الكون هادي والجو جميل
...
بصوت فريد:
الليل محلا نجومه
تنسي المهموم كل اهمومه
يللي ضناكم حال الأيام
الدنيا دي كلها أوهام
غنوا معايا وقولوا:
ليل يا ليل يا سلام ع الليل
الكون هادي والجو جميل
...
بصوت فريد:
يا نسيم احمل سلامي
للي مال قلبي إليه
اشتكيلو من هيامي
وانشغال فكري العليل
قضيت نهاري أناجي طيفك
أقول لروحي امتى اشوفك؟
والقرب يحلا من غير عزول
لما حواني الليل وزاد في قلبي الميل
...
بصوت فريد:
مريت على بيتك وحدي
أغني من شدة وجدي
وجيت أنا جيت أناجيك بلحني
والحب ظاهر في عينيا
يمكن فؤادك يرحمني
واتطلي و تردي عليا
ومن الملاحظ على هذا الـ (ديالوج) الجميل، أنّ الفنان الراحل "فريد الأطرش" قد أفرد لأخته مقطعاً غنائياً واحداً، من هذا العمل من أجمالي ثلاثة مقاطع جاءت فيه، حيث إنه منحها غناء الـ (كوبليه) الأول فقط، وتفرّد هو بأداء الـ (كوبليهات) الأخريات، وذلك ربما لأنها التجربة الأولى له في تقديم هذا اللون الغنائي السينمائي، ومما يلاحظ فيه أيضاً سمعاً، أنه لم يتشارك وإياها، في أداء أيِّ مقطع معين منه، أي أنه لم يلجأ إلى تقديم أيِّ مذهب من الأغنية على نحو الـ (دويتو) اللهم إلا وقتما يردّدان معاً صُحبة الـ (كورال) مطلع الأغنية وكفى... لكنه بعد تقديمه لهذا الـ (ديالوغ) بحوالي الخمسة عشر عاماً، أي بعد وفاة الفنانة "أسمهان" استعان بصوت جميل آخر، هو صوت الفنانة "صباح" التي قاسمته دور البطولة في فيلم (ازاي أنساك) وقدّم لها فيه أكثر من لحن، لكنّ ما يهمنا منها، هو لحنه لهذه الأغنية الثنائية المتطورة جداً عن سابقتها، إذ أنّه في هذا العمل، أعطى للفنانة "صباح" مجالاً أوسع ممّا أعطاه لأخته في العمل الفائت، ولو نسبياً، حيث قدّما معاً الأغنية الثنائية بقسميها، فقد منحها غناء مقطعين وشاركها في ترديد مطلع الأغنية في نهايتها، وهذا ما سوف تستمعون إليه، من خلال التسجيل الآتي:
أوبريت: صانع التماثيل (إستماع)
من فيلم: ازاي أنسالك
إنتاج سنة: 1956م
ـــــــــــــــــ
كلمات الشاعر: أنور عبد الله
لحن الموسيقار: فريد الأطرش
غناء: فريد الأطرش وصباح
ـــــــــــــــــ
بصوت فريد:
يا حبايبي يا أهلي يا ناسي
في هواكم عمري مآسي
طول ما انتم هنا يا حبيبي أنا
ولا فيكم ظالم قاسي
ولا منكم هاجر ناسي
...
ولا في خاين ايخون عهدي
ولا ظالم يبيع ودي
ولا أوهام تسهرني
ولا أحلام تحيرني
لكم قلبي لكم حبي
وايه يغلى على فني؟
أنا أنتم.. أنا منكم
وأنتم كلكم مني
...
إله الحب قولي الحب ايه سره؟
وليه حلو ما ايدومشي ولا مره؟
تسهر ناس على ادموعها
وناس بتقيد لها اشموعها
والدمع منك والشمع منك
إله الحب ايه سرك؟
وليه حيرتنا في أمرك؟
...
وانتي اللي شاغلك ايه؟
سارحة بخيالك ليه؟
لا الفكر ح ايقرب بكره
ولا حيرجع بالماضي
خللي اللي يجرى خلاص يجرى
والجنة للي يعيش راضي
بصوت صباح:
ليه ارضى ليه؟ يرضيني أيه؟
موش لاقية روحي ولا لاقية قلبي
عاوزني أرضى اديني قلبك
خلليني لحظة أسعد بحبي
يمكن بقلبك اقدر أحبك
حرام شبابي ايروح
لا قلب فيه ولا روح
خوذ مني ادموع عينيا
وآهات وشجن و سهر
حرمت الحب عليا
علشان انا قلبي حجر
وح عيش من دون الناس
تمثال من غير إحساس
أديني قلبك يمكن احبك
وأفرح بحبك وأسعد في قربك
...
بصوت فريد:
اللي في ايديا يا نور عينيا
قلبك وروحك كتير عليا
وأحلف بحبي وهبت قلبي
لكل واحد منكم شوية
وأنا كدة متهني
طول ما انتم معايا
ارقصي واتهني ودا كل هنايا
بصوت صباح:
اسمحلي أقولهالك ولو أني تمثالك
شوفلك حبيب هنيه واتهنى معاه
وأسعد شبابك بيه وأفرح وياه
بصوت فريد:
أنا كده فرحان ومتهني
وكفايا غرامي بفني
ويمكن أهواك وفي يوم ألقاك
تنسى هواك وزاي أنسالك
دويتو:
يا حبايبي يا أهلي يا ناسي
في هواكم عمري مآسي
طول ما انتم هنا يا حبيبي أنا
ولا فيكم ظالم قاسي
ولا منكم هاجر ناسي
لم يتوقف تطوير الفنان "فريد الأطرش" عند هذه الأغنية، ولم يكتفِ بما حقّقه فيها من تقدُّم، فبعد مرور سنة واحدة، على تقديمه للأغنية الأخيرة، سرعان ما قفّاها بأغنية ثالثة، كانت من أبرز الأعمال الغنائية الثنائية، التي عرفتها الأغنية العربية في العصر الحديث، بيد أنه، زاد من وتيرة التطوير في هذا اللون البديع بشكل ملفت للنظر والسمع، لما تناغم صوته و صوت المطربة "شادية" التي انضمت إليه في أعمال سينمائية كثيرة، وزوّدها بالعديد من ألحانه الجميلة، خصوصاً من هذا النمط، ويتقافز للأسماع منها أغنية (زينة) و(أنا وأنت والحب اكفاية علينا) لكن الأبرز من هذه الأعمال، بحسب سمعي، هي أغنية (يا سلام على حبي وحبك) ففي هذه الأغنية، لم يقـُم "فريد" بالاستحواذ على الأغنية بأكملها، بل إنه جعل صوته يتناصف الأغنية مع "شادية" بالتساوي، إنْ لم تكُن هي من حازت على زمنها كله، فلم يتعالَ عليها، بل منحها فرصة كبيرة، لتبرز محاسن صوتها وقدرتها على التمثيل، إذ أنها تتمتع بموهبة كبيرة في التمثيل، على النقيض من الأخريات اللواتي غنين معه، فعلاوة على هؤلاء، قدّمت معه فنانات كثيرات الأغنية الثنائية، أذكر منهن: "نور الهدى" و"سعاد محمد" و"فدوى عبيد" و"فتحية أحمد" وغيرهن العديدات... على أية حال، فإن "فريداً" في هذه الأغنية تقاسم مع الفنانة "شادية" أجزاءً كثيرة منها، إلى الحدِّ الذي لم يجعله يؤثر نفسه عليها، مع أنه هو صاحب اللحن، حتى أنه، جعلها هي من تباشر أولاً في أدائها، بغناء المقدمة، وحاورها غنائياً بتشطير حتى البيت الواحد، كما ستسمعون في غناء هذين البيتين:
حبك حيرني .. أنا زيك برضو
ربي ايصبرني .. أيوه أنا في عرضو
...
حبيتني صحيح؟ وامال؟
اتاريني بقيت فرحانة.. عقبال كل العزال يتهنوا زي هنانا
المطربة شادية
ديالوج: يا سلام على حبي وحبك (إستماع)
من فيلم: أنت حبي
إنتاج سنة: 1957م
ـــــــــــــــــ
كلمات الشاعر: عبد العزيز سلام
لحن الموسيقار: فريد الأطرش
غناء: فريد الأطرش وشادية
ـــــــــــــــــ
بصوت شادية:
يا سلام على حبي وحبك
وعدي ومكتوبلي أحبك
ولا نمش الليل من حبك
يا سلام على حبي وحبك
بصوت فريد:
يا سلام على حبي وحبك
دا ما كان على بالي أحبك
ولا نمش الليل من حبك
يا سلام على حبي وحبك
...
بصوت شادية:
يا حبيبي هواك جنني
والشوق ملاني جراح
وحياتك تبعد عني
وتسبني عشان ارتاح
بصوت فريد:
وأنا يعني ماسك فيكي؟
ماهو قلبي مشغول بيكي
بصوت شادية:
حبك حيرني
بصوت فريد:
أنا زيك برضو
بصوت شادية:
ربي ايصبرني
بصوت فريد:
أيوه أنا في عرضو
...
بصوت شادية:
اعذرني لأني بحبك
ما بنمش الليل من حبك
يا سلام على حبي وحبك
وعدي ومكتوبلي أحبك
...
بصوت فريد:
موش ممكن أعيش من بعدك
دا خيالك جنبي ليلاتي
وبأقول لو ربنا ياخذك
كنت اعمل ايه يا حياتي؟
بصوت شادية:
إنشا الله أنت يا حبيبي
يا هنايا وكل نصيبي
ح ولع في روحي يا قلبي وعينيا
بصوت فريد:
لا اوعي يا روحي دا واجب عليا
بصوت شادية:
من ساعة قلبي ما حبك
ما بنمش الليل من حبك
يا سلام على حبي وحبك
وعدي ومكتوبلي أحبك
...
بصوت شادية:
حبيتني صحيح؟
بصوت فريد:
وامال؟
بصوت شادية:
اتاريني بقيت فرحانة
بصوت فريد:
عقبال كل العزال يتهنوا زي هنانا
بصوت شادية:
شوف وشي أصفر ازاي من حبك
بصوت فريد:
شوفي جسمي أحمر ازاي من حبك
بصوت شادية:
ح تعيش يا روحي امعايا
دنت حياتي في دنيتي
كفاية حب كفاية
لحسن ايضر بصحتي
...
دويتو:
يا سلام على حبي وحبك
ما بنمش الليل من حبك
وعدي ومكتوبلي أحبك
يا سلام على حبي وحبك
عموماً فإنّ اختياري لهذه الأعمال، لم يأتِ خبطات عشواوات، أو بطريقة مزاجية، وإنما من منطلقٍ واحد، وهوّ إبراز مراحل التطوير في النمط الغنائي، بالنسبة لهذا الفنان بخاصة، وللأغنية العربية بعامة، وهذا لا يحيلنا البتة، إلى المضي بالقول، بأنّ الأعمال التي غضّضت السمع عنها ليست في سوية جيدة، فلعلّ البعض، تمنى عليّ لو وضعت أغاني أخرى تأتي في هذا السياق، مثل أغنية (غني يا قلبي غني) أو ربما أغنية (أنا وأنت ولا حد ثالثنا) فأرجو أنْ يعجبكم ما اخترته لكم من أغانٍ في هذه المقالة المقتضبة والجامعة لثلاثة أراء فيما قدّمه لنا هذا المبدع من فنون، والتي ستكون الأخيرة، بالنسبة لهذه الحلقات، التي آثرت فيها، أنْ أتطرق إلى أهم المحطات والوقفات في مسيرة هذا الفنان الخالد، التي لن تكتمل إذا تكلمت فيها عن إبداعه بإسهاب - لذلك سأكبح جماح كلماتي، التي تأبى إلا أن تستمر في الخوض في روائعه - الذي يُقاس بعدد أعماله، وما احتوته من تطوير كبير، طيلة أربعين عاماً من الغناء والموسيقا والألحان، ولكنْ ليس بالإمكان أبدع ممّا كان.
زياد العيساوي
بنغازي – ليبيا