[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] رياض فضل في نهاية الأربعينيّات من القرن الماضي، وبالذّات في عام 1949، التقى الموسيقار العظيم فريد الأطرش مع الشّاعر الكبير والجميل وصاحب "الأوبريتات" الجميلة محمود بيرم التّونسيّ، أو بيرم التّونسيّ، كما كان النّاس ينادونه. وكعادة فريد الأطرش مع الشّعراء بأن يسألهم أوّل شيء عمّا إذا كان لديهم كلمات جديدة، لأنّ ما بداخل الموسيقار العظيم فريد الأطرش من موسيقى يستوعب كلمات جميع شعراء الأرض، وهذه ليست مبالغة، فقد كان بحراً من النّغم، فقال بيرم التّونسيّ لفريد الأطرش: أنا كتبت كلمات جميله، بس ما أظنّش حدّ ممكن يلحّنها لأنّ فيها كلمه اتْكرّرت كتير جدّاً في الكلمات، وانا أخدت رأي بعض المتخصّصين وقالوا لي كلمات جميله بس كلمة «يالله سوا» اتْكرّرت كتير، والكلمه دي حتخلّي أيّ ملحّن أو مطرب يتردّد في أن ياخذها. وكان بيرم يعشق الكلمات العامّية التّقليديّة ويحرص على إدخال الكلمات التّقليدية في كلمات أغانيه، فقال له فريد: ممكن تسمّعها لي وانا أقول لك رأيي، وإن كانت تحتاج لتعديل الكلمه سوف أكون صريح معك. فقال بيرم التّونسيّ: هذه الكلمة لا يمكن أن أغيّرها لأنّي لم أجد غيرها تتماشى مع سياق الكلمات. وكانت كلمة «سوا» قد بدأت بالانقراض من قاموس اللّهجة العامّية المصريّة، ولم تعد تستخدم إلاّ من طرف كبار السّنّ، فقال فريد الأطرش ممكن تسمّعها لي، فبدأ بيرم التّونسيّ بإلقاء كلمات أغنيّة «يالله سوا»، وما أن انتهى من إلقائها حتّى قال فريد الأطرش: الله الله يا أستاذ بيرم، دي كلمات جميله ورائعه، وانا حخدها والحّنها واغنّيها، والكلّ حيردّد «يالله سوا»، وحتشوف يا أستاذ بيرم. وبالفعل أخذها فريد الأطرش وبدأ بتلحينها، وقد أخذت منه مجهوداً كبيراً لأنّها تحتوي على تكرار جملة «يالله سوا» مرّات عديدة، وعند الانتهاء منها اتّصل فريد ببيرم التّونسيّ وقال له: أنا عاوز أسمّعك أغنيّة «يالله سوا» لو تقدر تجيني للبيت النّهار دا عشان أنا حبتدي أعمل "بروفات" من بكره، ولازم خلال أسبوع بالكتير أكون سجّلتها للإذاعه. وذهب الأستاذ بيرم التّونسيّ لبيت فريد الأطرش وسمعها، ولم يصدّق بأنّها لحّنت، وقال لفريد الأطرش: أنت عبقريّ النّغم يا فريد. وبالفعل فقد عمل "البروفات" لعدّة أيّام، وتمّ تسجيل الأغنيّة للإذاعة المصريّة، وأذيعت خلال يومين من تسجيلها، ولاقت نجاحاً كبيراً، وظلّ المستمع المصريّ يردّد «يالله سوا»، وعاد للكلمة بريقها مرّة أخرى. وإضافةً لذلك فقد كانت هناك شهادة حقّ جميلة من موسيقار كبير، وهو محمّد الموجي، عندما تمّت استضافته في القناة الأولى من التّليفزيون المصريّ في الذّكرى الرّابعة لوفاة الموسيقار العظيم فريد الأطرش، فقال كلاماً جميلاً وعظيماً عن فريد الأطرش ليس المجال هنا لذكره، ولكنّ ما قاله عن أغنيّة «يالله سوا» هو بيت القصيد، فقد قال بأنّه عندما سمع «يالله سوا» ذهل وأعجب ممّا عندما كرّر فريد الأطرش «يالله سوا» عشرات المرّات، وكلّ مرّة أجمل وأحسن ومختلفه عن اللّي قبلها، وفريد (والكلام لا يزال للموجي) قال «يالله سوا» بمقامات مختلفة، وفي غاية الرّوعة. وهذه شهادة من موسيقار كبير، ومن المدرسة الشّرقيّة الّتي ينتمي إليها «حبيب العمر» الموسيقار العظيم فريد الأطرش. ولدقّة المعلومة فقد استمعت لهذه الأغنيّة أكثر من أربعين مرّة، وأحصيت عدد المرّات الّتي كرّر فيها فريد الأطرش «يالله سوا» هو و"الكورس" فكان 66 مرّة. فهل هناك موسيقيّ وعبقريّ يستطيع أن يعمل مثلما عمل فريد الأطرش؟ أقولها جازماً: لا يوجد، ولن يوجد، لأنّ فريد الأطرش كان فريداً من نوعه في كلّ شيء. رحم الله عبقريّ النّغم «حبيب العمر» فريد الأطرش. من «مذكّرات فريد الأطرش» في مجلّة «الشّبكة» اللّبنانيّة، بقلم جورج إبراهيم الخوري، ومن لقاء للموسيقار محمّد الموجي للتّلفيزيون المصريّ بمناسبة الذّكرى الرّابعة لوفاة فريد الأطرش.. رياض فضل“