[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] مصرع السيدة اسمهان من طرف ريم شاكر كان فريد في جروبي مع أصدقائه من هواة الخيل ، وقد تجاذبوا أطراف الحديث عن فرسته فتندروا ببطئها وتفوقها في الهزيمة، وتندروا على فريد الذي يحب دائماً أن يخالف الإجماع ويراهن على الخيل الكسيحة! أما فريد فقال لهم : _ ستأتيكم الأنباء بأنها الفائزة ! ووقعت المعجزة وفازت الفرسة .. وكسب فريد مبلغاً طائلاً ، وراح يداعب أصدقاءه الذين كانوا يتندرون عليه ، ويباهي بمعرفته لأسرار الخيل .. خصوصاً إذا كانت هذه الخيل إناثاً من المتيمات به .. وضحك واستغرق في الضحكات حتى ملأت الدموع عينيه ! وفريد يتشاءم إذا ضحك كثيراً ! إنه يؤمن بقانون المعادلة في الطبيعة .. إنه بعد دقائق من كسبه لأي شيء يفكر في خسارة ستلحق به ، ويظل يترقب وقوعها بقلب يرتعش ، وإذا ضحك كثيراً توقع النكد من باب لا يراه فينقبض صدره كأنما يعد نفسه للكدر المقبل .. قال فريد وهو يجفف دموع ضحكاته :
_ اللهم اجعله خيراً ! وانسل من بين أصدقائه وعاد إلى البيت ! وحين فتح الباب قال له عم عبده خادمه النوبي العتيد : _ الست أسمهان ماتت ! ودوى صوت سقوطه على الأرض فاقداً وعيه ! فلما أفاق لم يستطع أن يثبت عينيه في أي شيء أمامه لأن صور أسمهان وهو تغني ، وهي تضحك ، وهي تحمل إليه صينية الشاي والإفطار ، وهي ترحل إلى الجبل ، وهو تعود منه ، وهي تقبل أمها ، وهي تقبله ، وهي تبكي ، وهي تتـزين ، وهي على فراش المرض .. كانت كل هذه الصور تتداخل ثم تدور أمام عينيه كأنها في دوامة فيحس أن رأسه يدور معها ، ويكاد يفقد وعيه من جديد فيردد كلمة حبيبة إلى قلبه _ يقول (( يا رب )) ، وتشده هذه الكلمة إلى رشده ! وحاول أن يبكي ، ولكنه لم يجد دمعاً ، جفت قنوات الدمع في عينيه ، الخطب أفدح من أن تكفيه دموع العين ، فأحس بقلبه يتمزق ، وأحس بالحجرة تميد به ، هل يمكن أن تطيب الحياة بدون أسمهان ؟ كان استديو مصر قد أرسل إليها سيارة في الصباح لتسافر إلى رأس البر وتريح أعصابها المكدودة لتستأنف بعد الراحة عملها في فيلم (( غرام وانتقام )). تحدث فريد إلى حسني نجيب في الاستديو ، وبدا واضحاً أن حسني نجيب يعرف كل شيء ، ولكنه لم يشأ أن يفجع فريد بالخبر دفعة واحدة .. قال له : _ لماذا تقدر أنها ماتت .. الذين أبلغوك أمر موتها لم يروها ، خذ سيارة واذهب إليها ، قريباً من المنصورة وقعت الحادثة ! تركه حسني نجيب بعد أن دفع إلى صدره أملاً بأنها قد تكون في تلك اللحظة على البرزخ الفاصل بين الموت والحياة ! فأشرق في داخله نور الرجاء .. ولكن السيارة تقدمت على الطريق الزراعي ، وتطلع إليه عدد من رجال المرور فلما تبينوا من هو زحف الحزن إلى وجوههم فأطفأ نور الرجاء ، ونذر نذراً إن عاشت . ووجد دموعه وهو يردد كلمة (( يا رب )) من جديد ، وعادت صورها وهي طفلة تقلد أم كلثوم تحتل الفضاء من حوله، وتذكرها حين ارتدت الكعب العالي أول مرة .. كان الحذاء حذاء أمها وكانت تتمنى أن يكون لها مثله ، فلما حقق لها أمنيتها قبلته وغنت له وأعدت له كوب شاي متقن ، وتذكرها وهي تناقره ، مرة وهو صغير اشترى من سوق الكانتو قفازات ملاكمة ، فألبسها زوجاً ولبس زوجاً ليعلمها كيف تلاكم .. وفؤاد الحكم ! بينما وقف يعلمها كيف تسدد يمناها فاجأته بيسراها فاختل توازنه ووقع .. واستغرقت أسمهان في الضحك بينما استبد به الغضب والغيظ ، وقام وفي عينيه شر مستطير ... وأراد أن يفتك بها فتصدى له فؤاد يحميها ! ترى كيف يكون وقع الخبر على فؤاد ؟ بل ما يكون وقع الخبر على أمها ؟ لقد شقيت الأم كثيراً لكي توفر الحياة الهنيئة لهذه القافلة الصغيرة ، ها هي زهرة القافلة تسقط من فوق غصن الحياة ورائحة الربيع تتضوع منها .. لقد تنبأ لها أحد العرافين بأنها ستموت في ريعان الشباب غريقة .. وها هو قد عرف أن سيارتها انقلبت في ترعة.. فهل ينفذ العرافون إلى الغيب ويقرأون المجهول؟ تمنى لو كذب العرافون وإن صدقوا.. وطرقت رأسه من جديد ذكرياته عن أسمهان وهي معه .. حين كانت ألف الروح ، وقسيمة المجد ، وشريكة الكفاح ، فمن يملأ فراغها ؟ ومن يستطيع أن يصدح بأغانيه كالبلبل الغريد بعدها ؟ يا خسارة الفن فيك يا أسمهان ! وأحس فريد بريقه يجف .. فقد تحول كل ما في بدنه من قطرات ماء إلى نهر دموع ! وفجأة قفز إلى رأسه خاطر ..وسأل نفسه : _ هل يمكن أن تكون أسمهان قد لقيت حتفها بيد أثيمة ! وكان قد بلغ مكان الحادثة، فوجد جثتين تحت لحاف ! وعرف في الثانية ماري قلادة ، صديقة العمر لأسمهان وسكرتيرتها في نفس الوقت ! وتأكد أن الحادثة تدخل في باب الجاني الأول في كل الحوادث (( القضاء والقدر )) ، فعند المكان الذي وقعت فيه الحادثة أرض أحد الوزراء من ذوي السطوة والسلطان ، وقد أراد أن تمرق من الترعة ماسورة ضخمة تحمل الماء إلى أرضه ، وحفر العمال فجوة في الطريق لهذا الغرض، وثبتوا الماسورة تحت الطريق ، وردموا جزءاً يسيراً منه يكفي بالكاد لتمر من فوقه سيارة ، أما باقي الطريق فحفرة كبيرة ليس فوقها أو قبلها ما يحذر من التردي فيها ! وقد أقبلت سيارة أسمهان مسرعة ، ولم يستطع السائق أن يوقفها فجأة عند الحفرة ، فأدار عجلة القيادة بكل قوته ليتفادى الوقوع في الحفرة فسقط في الترعة! وخرج من السيارة ولكنه لم يستطع أن يخرج أسمهان مع شرذمة الفلاحين التي خفت على المكان _ إلا وهي جثة هامدة ! وظلت في العراء حتى دفعت النخوة أحد الفلاحين فغطاها مع صديقتها بلحافه ، ورفضت سيارة الإسعاف أن تنقلها لأن سيارة الإسعاف تنقل المصابين الذين تتردد أنفاسهم ولا تحمل القتلى ! واستأجر فريد سيارة وهو يفكر في أين يدفن أسمهان ، فلما بلغ البيت وجد مدحت عاصم وأحمد بدرخان وقد اشتريا في ساعات أرضاً وبنيا للراحلة العزيزة قبراً ! ومشت القاهرة مع فريد وراء جثمان الفقيدة ! وأحس فريد أنه يواري الثرى كيانه وروحه وخفق قلبه ... وصارت لياليه بعد أسمهان ظلاماً بلا شموع ، ويأساً بلا رجاء ، تبدأ تلك الليالي بالدموع وتنتهي بالدموع .. وصورتها توشي أحلامه كلما اختطف لعينيه ساعة من قبضة الأرق