مهند الربيع
في مقابلة قديمة اجرتها B.B.C مع الموسيقار العالمي فريد الأطرش قال الموسيقار إنه أدخل الآلات الغربية على الموسيقى العربية في وقت
مبكر , وأشار إلى أنه أدخل آلة (المنشار) ! وقال بالحرف : أنا أول من أدخلها , ولم يدخلها غيري , ولم يستعملها أحد قبلي ولا بعدي .
إذن هي مرة واحدة التي استعملها فيها الموسيقار العالمي فريد الأطرش , تساءلت ما هو (المنشار) وما علاقة التسمية بالمنشار الخاص بالخشب ؟ وما نوع هذه الآلة ,
هل هي إيقاعيه أم وترية أم نحاسيه أم ماذا ؟ ولماذا لم يستعملها غيره ؟ ..أسئلة كثيرة وردت علي ذهني , الموضوع محير فعلا .
اتصلت بأحد الملحنين والعازفين الليبيين , وسألته عن آلة المنشار التي ذكرها الموسيقار العالمي فريد الأطرش في لقاء , وأنه استعملها ولم يستعملها غيره , طلب مهلة
ليطلع على بعض الكتب والمصنفات الموسيقية الخاصة بالتاريخ الموسيقي والآلات , بعد مدة رد علي بقوله : إنه لم يجد ذكرا لهذه الآلة , وأنه لم تمر عليه , وأنه يشك
في أن هناك خطأ في الاسم , ولكنني أكدت له أن الموسيقار ذكرها بوضوح كامل , لم أجد عنده ردا حاسما , فكتبت للأستاذ الدكتور (سعد الله آغا القلعة) .. وسألته بعد
أن أعطيته نبذة عن الموضوع , فكتب لي ما يلي : السؤال جميل .. والإجابة طبعا معروفة , ولكنها تتطلب شرحا ..ووعد بالرد .
لم يتأخر جواب الدكتور سعد الله آغا القلعة , وجاء تأكيدا لعبقرية الموسيقار العالمي فريد الأطرش عندما استعمل هذه الآلة في ذلك الوقت .
أشار الدكتور إلى أنه رغم تسابق النقاد في هذا المجال إلا أنه غابت عن أدبياتهم آلة نادرة دخلت مجال التنافس , هي آلة المنشار الموسيقية التي ندر استعمالها حتى في
الموسيقى الغربية .
وانبرى الدكتور يعرف بهذه الآلة فقال : المنشار الموسيقي , آلة موسيقية حديثة نسبياً , نظرا لارتباط تصنيعها بتطور صناعة الفولاذ , إذ يتم تصنيعها من فولاذ عالي
الجودة , يحقق مستلزمات تجانس سماكة شريحتها الفولاذية ودقة أبعادها ..ومرونة انحنائها , دخلت عالم الموسيقى في بدايات القرن الماضي , ووجدت استخداماتها
الأولى في إطار الاحتفالات الشعبية , فلم تعرف في إطار الموسيقى الكلاسيكية إلا في منتصف القرن الماضي , حيث بدأت تنتشر .
وأضاف الدكتور القلعة : انه يتم تشكيل آلة المنشار الموسيقية من شريحة من الفولاذ , تولد أصواتا موسيقية لدى احتكاك قوس , يشبه قوس آلة الكمان على أحد حديها
في موقع محدد , ويمكن التحكم في تلك الأصوات وذبذباتها من خلال الضغط على الشريحة الفولاذية باليد , لتلتوي وتنحني بواسطة مقبض خاص , لتشكل في التوائها
منحنيين متعارضين على شكل حرف ((S حيث تولد الأصوات عند مرور القوس على نقطة تغير انحناء الشريحة بين المنحنيين , فيما يتشكل اهتزاز الأصوات نتيجة
لاهتزاز الشريحة بسبب احتكاكها بالقوس , وتحكم العازف بذلك عبر المقبض من جهة , ولحركة فخذ العازف حيث تستند الشريحة الفولاذية من جهة أخرى .
يستغرب الأستاذ أغا القلعة كيف اهتدى الموسيقار العالمي فريد الأطرش منذ أوائل الأربعينيات من القرن الماضي (أي منذ ما يزيد عن سبعين عاما) على هذه الآلة التي
لم تكن معروفة على نطاق واسع حتى في الغرب .
ولكن يضل السؤال حائرا , في أية أغنية استخدم الموسيقار (آلة المنشار الموسيقية) ولماذا استخدمها هي بالذات ؟ الدكتور سعد الله يتساءل : لماذا كيف اهتدى الموسيقار
لهذه الآلة واستخدمها ولثوان معدودات ودون أن يصورها , ويعرفنا بالأغنية التي استخدم فيها الموسيقار العالمي فريد الأطرش آلة المنشار فيقول : في تانغو (أهواك
وقلبي فداك) عام 1942م , وهو من أعمال فيلم أحلام الشباب , (عند الثانية 14 إلي 24) ما جعلها بعيدة عن أذان النقاد وانتباههم علما بأنني أتصور أن تواجد
عازف في مصر على هذه الآلة كان صعبا أصلا .
وطبعا لا يعرف هل استعان الموسيقار العالمي فريد الأطرش بعازف أجنبي ليعزف على هذه الآلة أم أن العازف كان مصريا , ثم يقدم لنا الدكتور سعد الله آغا القلعة
تحليلا سريعا حول استعمال الموسيقار العالمي فريد الأطرش لهذه الآلة في هذا الموقع بالذات , فيقول : لما كانت طبيعة الأصوات التي تصدرها هذه الآلة تتصف
بالامتداد ولا تتلاءم كثيرا مع الجمل اللحنية السريعة بسبب صعوبات العزف عليها , ما يجعلها تلائم الألحان التعبيرية , وهذا يدل طبعا علي جانب التنافس المعروف حول
الآلات الغربية وإدخالها في الموسيقى العربية في مجالات تلائم ذلك , على مدى اهتمام فريد الأطرش... بفنه وتوظيف أي ظاهرة أو أداة تحقق له تصوير الجو الموسيقي
الذي يريد , ويضيف أيضا مبينا عبقرية الموسيقار العالمي فريد الأطرش كملحن يسعى للتعبير عن خياله الموسيقي لما يناسب ما يلحن فيقول : هناك احتمال أن يكون
الموسيقار العالمي فريد الأطرش قد أعجب بملاءمة آلة المنشار للأصوات المديدة في التانغو ...فالأغنية تجسد انعطافا في مساره العاطفي في الفيلم , إذ يبدأ التانغو مع
تحية كاريوكا (في الفيلم) , ثم ينعطف نحو مديحه يسري (في الفيلم) , ليكمل التانغو معها , فهل كانت طبيعة هذه الآلة التي تصدر فيها الأصوات في نقطة انعطاف
الشريحة بين منحنيين متعارضين (سببا في اختيارها ؟).
وأخيرا أشار الأستاذ آغا القلعة إلى أسباب اختفاء آلة المنشار لصعوبة العزف عليها وإرهاق العازف , وإلى أن صوتها يشبه الصوت النسائي (السوبرانو) , وإلى أنه
أمكن تقليد صوتها من خلال آلات الأورغ الكهربائي .