الغد الأحد 10 كانون الأول 2017 - 22 ربيع الأول 1439
فريد الاطرش .. لحن الخلود
ثلاثة واربعون عاما مرت على رحيل الفنان الموسيقار المطرب وملك العود في تاريخ العرب فريد الاطرش الذي اطبق جفنيه وغادر بهدوء في احد مستشفيات بيروت في اليوم
الاخير من الاسبوع الاخير من الشهر الاخير من عام 1974 بينما كان اخر افلامه (نغم في حياتي ) الذي صوره في لبنان يعرض لحظة وفاته في كبريات دور
السينما في العاصمة اللبنانية و كانت اغنيته الشهيرة في الفيلم (يا حبايبي يا غايبين وحشيني يا غاليين ) تتردد في جنبات المكان كانما هي نوع من حسرة الوداع
وشجن الاشواق نبوءة فنان ملهم يستعد للانصراف
وقد احيت دار الاوبرا المصرية مساء الخميس الماضي ذكرى صاحب مدرسة التجديد في الموسيقى العربية باقامة حفل لفرقة الموسيقى القومية قدمت خلاله عددا من
اغانيه العاطفية ومؤلفاته الموسيقية الخالدة
من جبل العرب بسوريا الى سفح المقطم بمصر رحلة يتم وعذاب ومسيرة عطاء ومجد
ولد الامير فريد بن فهد الاطرش في جبل العرب بسوريا في عام 1911 وتوجه الى القاهره مع امه وشقيقته الفنانة اسمهان كلاجئين سياسيين خلال الثورة السورية
الكبرى التي قادها عمهم سلطان باشا الاطرش. ووجد فريد في مصر حاضنته ومنطلقه الفني فمنها بدأت مسيرته في الموسيقى والغناء والتمثيل في بداية الثلاثينات
من القرن الماضي وقدم خلالها اكثر من 600 عمل مختلف في كل الوان الغناء العربي الى جانب عشرات الالحان للمطربين والمطربات بالاضافة الى 31 فيلما
سينمائيا
وتقديرا لمواقفه ولعطائه المتميز وخاصة في مجال الاغنيه الوطنيه زاره الرئيس جمال عبد الناصر بمنزله بالقاهره ومنحه وسام الجمهورية من الدرجة الاولى.
وكان فريد الاطرش الفنان العربي الوحيد الذي حصل على اربع جنسيات عربية هي المصرية والسودانية واللبنانية والسورية. وقد دعا فنانون و كتاب وصحفيون عرب
الى احياء ذكرى فريد الاطرش وتكريمه بوصفه احد ابرز الرموز الفنية العربية في التاريخ العربي ودعا الكاتب تحسين الدردير في مقالة له في اسبوعية "الاهالي"
الناطقة بلسان حزب التجمع المعارض الصادرة
عرض تراثه الفني الغنائي والسينمائي على شاشات التلفزيون المصري" تقديرا لمواقفه الوطنية وقدراته الفنية مشيرا الى ان الاطرش هو صاحب اول دويتو يقدم في
السينما وهو صاحب اول الحان التانغو والفالس في الموسيقى العربية واول من وضع مقدمة موسيقية طويلة للاغنية
ويصفه الكاتب والناقد الصحفي غسان الامام بانه رائد في مدرسة التجديد والتطوير لحنا واداء. دون التخلي عن الاصول، ولكنه تعرض الى ظلم فني واجتماعي
كبير.فقد ارتبط فريد في الاذهان بحياته الخاصة المرفهة واللاهية، وبسذاجته الفكرية، وحساسيته الشخصية، الا ان انجازه الحداثي الضخم كان نتاج كفاح طويل وسهر
لصقل واتقان مدرسة فنية خاصة به في اطار المدرسة الحداثية.فهو رائد الرومانسية الغنائية الحداثية. وتكفيه الاغاني التي قدمها فريد في مطلع مسيرته الفنية في اواخر
الثلاثينات (صدقيني لما قولك، راح ييجي يوم وتحبيني ...) تكفيه وحدها لتخليده كرائد الى جانب اضافته الملحمية في الاوبريتات السينمائية.
لقد فرض فريد فنه ولونه الموسيقي في عصر العمالقة. وكانت الاغاني التي لحنها لشقيقته اسمهان اكثر روعة وعاطفية (نويت اداري الامي، رجعت لك يا حبيبي...) من
تلك التي قدمها لها القصبجي ومدحت عاصم والسنباطي في ذروة تألقهم. ويصف غسان الامام فريد الاطرش بانه فرانك سيناترا العرب على مدى يقرب من اربعين
عاما.
ووصفه صديقه الصحفي الفلسطيني الشهير ناصر الدين النشاشيبي بانه كان كريما.. ومنزله مفتوح لاستقبال الملوك والامراء والشيوخ كان مضيافا والشيوخ من اصدقائه
بالمئات، والاعيان من احبائه بالعشرات، ولم تغب هذه الحقيقة عن ذهن فريد لحظة واحدة.وكان ساذج القلب يقول بلسانه كل ما في قلبه، وكان بوهيمياً لا ينقطع عن
مواسم سباق الخيل ويسهر ويغني ويقيم الدنيا ولا يقعدها.
ويروي النشاشيبي وقد كان رئيسا لتحرير صحيفة الجمهوريه التي اسستها الثورة الناصريه في الخمسينات ان فريد وشقيقته الفنانة اسمهان تعرضا في عالم الغربة والتشرّد
، الى الكثير من الجور، والاضطهاد، والنكران، ولكنهما حفرا اسميهما عند حجارة المقطم والاهرام. ولم يكن المشوار سهلا! ثم رحلا... مع الورود! رغم كيد الكائدين
ورغم دسائس الف مطرب ومطربة.
وبقي صوت فريد ينادي «بنادي عليك» مع الألم والشجن.
وكلما جاء «الربيع»، رددنا مع فريد .. بالحب والحياة والبشر والامل وهو ينشد للجمال والنقاء والسعادة!. وكلما مرت ذكراه نشعر بحجم الفراغ الذي تركه لقد فقدت
الحياة الفنية برحيله فنانا عظيما نذكره ونفتقده ونفتقد معه موسيقيين كبارا من طرازه وملهمين قلما تجود الحياة بامثالهم في عقود متباعدة