حفلات كثيرة أحياها الموسيقار فريدالاطرش في قصور ملكية الملوك، او امام الملوك نذكر منها ثلاث حفلات لارتباطها بأحداث مهمة تتعلق بوقائع جرت في مصر وبعض الدول العربية
أول حفل إذاعي
أقيمت الحفلة الأولى بالقاهرة عند سفح الإهرامات وقبل أيام قلائل من نهاية عقد الثلاثينات من القرن العشرين، في تلك الأيام من عام 1939 كان فريد الأطرش قد غدا نجما لامعا، بما قدم خلال أكثر من ثلاثة أعوام بقليل من أغنيات ذاعت بين الناس عبر أثير إذاعة القاهرة، مما خلق نوعا من المنافسة المستترة بينه وبين محمد عبدالوهاب، الذي كان يتربع على عرش الغناء قبل ظهور فريد بعقد كامل من السنوات، ولأسباب لا نعلمها اختار المسؤولون بالإذاعة المطرب الصاعد-آنذاك- فريد الأطرش ليكون نجما لأول حفلة غنائية تنقلها الإذاعة المصرية منذ إنشائها في عام 1934، ونوهت الإذاعة المصرية عن حفلتها الأولى في مجلة «الراديو المصري»، واحتلت صورة فريد الجزء الأيمن من الإعلان، وظهر تمثال أبي الهول والهرم الأكبر إلى يمينه في باقي الصورة، وجاء إعلان الحفلة بالنص التالي: «تحت ضوء القمر عند سفح الهرم تحيي الإذاعة اللاسلكية المصرية لأول مرة حفلة غنائية باهرة في مساء السبت 3 يونيه القادم، يغني فيها الأستاذ فريد الأطرش مجموعة من الأغاني التي تجمع بين خلابة الموسيقي وعذب النغم مستلهما في ذلك الجو الساحر وخياله البديع، وتنقل هذه الإذاعة المبتكرة من ذلك المكان الشعري السحيق إلى آذان المستمعين في مصر وشتى الأقطار».
وغنى فريد «يا رتني طير» وهي الأغنية التي كتبها ولحنها الفنان اللبناني ومدير قسم الموسيقى العربية بالإذاعة الفلسطينية يحيى اللبابيدي، وقدم في وصلته الثانية مونولوج «من بعد نصف الليل» كلمات الشاعر يوسف بدروس ومن ألحان فريد، ودخل مونولوج «من بعد نصف الليل» تاريخ الغناء العربي بتقديمه في ذلك الحفل، حيث مثل تقديمه في تلك الليلة - وأمام ملك البلاد- ختاما لمعركة فنية دارت بين مؤلفه وملحنه من جهة ومجموعة من النقاد في صحيفة «المصري» ومجلتي «روز اليوسف» و»الراديو»، وتمخضت تراشقات تلك المعركة عن مثول الشاعر يوسف بدروس أمام الرقيب على المصنفات الفنية، لتفنيد ما تناقلته أقلام تلك المجموعة للمونولوج من اتهامات بالخروج على الآداب وازدراء الدين والتقاليد، فلما ألقى فريد الأطرش مونولوجه بين يدي ملك البلاد، صمتت الأصوات المهاجمة لمؤلفه وملحنه ومغنيه واحتل مكانة في تاريخ الغناء.والحفل الثاني فهو حفل زفاف الشريفة دينا عبدالحميد إلى العاهل الأردني الملك حسين بن طلال وكان فريد قد تعرض في الأيام الأولي من عام 1955 لأول أزمة قلبية، وعندما قبل أن يسافر إلى عمان بعد أيام قلائل من مغادرته فراش المرض، فإن ذلك كان تقديرا لملك الأردن الذي فضل فريد على فنانة أخرى سعت بكل قوة لإحياء حفلة الزفاف الملكية، وأمام حضور من الصفوة ضم الملك حسين وعروسه والملك فيصل ملك العراق وولي عهده وأفراد الأسرة المالكة في الأردن وكبار رجال الدولة من الوزراء وزوجاتهم، وقف فريد الأطرش، لينشد في بداية الحفلة أغنية للزفة الملكية كتبها خصيصا للمناسبة الشاعر صالح جودت يقول مطلعها :»يا أغلى من أمانينا، وأحلى من أغانينا، يا زينة الدنيا يا دينا، يا وردة في بلد حرة، وتاج عالي وشعب أصيل، دعانا هاتف البشرى، وجينا من ضفاف النيل، باسم الشعب والثورة، نقدم ليك تهانينا، يا أحلى من أغانينا، يا زينة الدنيا يا دينا».
وبعد أغنية الزفة قدم أربعا من أجمل أغنياته وهي»أنا وانت لوحدنا»، ثم أتبعها بأغنيته الجميلة التي كانت تتردد آنذاك على كل لسان «نورا يا نورا»، واختتم فريد أجمل وأقوى حفلاته الملكية بتقديم أغنيتين هما «وياك» و»جميل جمال»، وفي ختام تلك الحفلة التي أعادت إلى الأسماع أصداء ما كان يقدم من غناء في قصور الخلفاء بالعراق والأندلس، تم الإعلان عن إنعام الملك حسين على نجم الليلة فريد الأطرش بوسام الكوكب من الدرجة الثانية، وفى تلك الليلة ونظرا لحضور الملك فيصل الثاني ملك العراق ارتجل فريد موالا خلال غنائه لأغنية «نورا» كتحية للملك فيصل الثاني ملك العراق واستعار فريد ذلك الموال من أوبريت «بساط الريح» وكان نصه في الأوبريت كما يلي: «يا دجلة أنا عطشان ما أقدر أرتوى، من حسنك الفتان هذا الكسروي»، فأبدل فريد البيت الثاني أثناء غنائه في حفلة زفاف الملك حسين وفي حضور الملك فيصل ليصبح: «من حسنك الفنان هيدا الفيصلي».
يوم ميلاد الملك
وتأتي أهمية الحفلة الملكية الثالثة، والتي جرت وقائعها عام 1971 بقصر الصخيرات في العاصمة المغربية الرباط، بمناسبة الاحتفال بعيد الميلاد الثاني والأربعين للملك الحسن الثاني، وقد جرت العادة في المغرب على اشتراك الشعب المغربي في الاحتفال بعيد ميلاد الملك تحت مسمى «أعياد الشباب» وافتتح فريد الأطرش بأمر من ملك المغرب الغناء في تلك الليلة، حيث قدم بمصاحبة إحدى الفرق الموسيقية للقصور الملكية المغربية أغنية أعدها لتلك المناسبة، حملت اسم «يا مرحبا يا ميت هلا» ومما جاء فيها من مدح للملك الحسن الثاني: «قلبي أنا جابني لهنا، بلد الحبايب والمنى، بفرح وأشارك بالغنا، لزين الشباب مليكنا، شعبك نبيل عايش سعيد، وإحنا نحبك كلنا، وغير الحسن أبدا ما نريد، مليكنا وحبيبنا».
وتصدر الملك الحسن مستمعي فريد في تلك الحفلة، وتوزعت عن يمينه وشماله مجموعة من أهل الغناء ضمت محمد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ ووديع الصافي وسعاد محمد وشادية ومحمد رشدي ومحمد قنديل وشريفة فاضل وهدى سلطان وبليغ حمدي ومحمد الموجي والشاعر محمد حمزة، وغنى فريد ليلتها وأبدع وتلقى تهنئة خاصة من الملك الحسن بعد فراغه من غنائه، وبالرغم من أن الساعة كانت قد جاوزت الثانية من صباح اليوم التالي، فإن الملك أشار بانتهاء الجزء الأول من الحفلة الغنائية، على أن تستكمل بعد ظهر اليوم التالي وعقب انتهاء حفلة الغداء الملكية التي أقيمت على شرف حضور العيد الملكي، بدأت حفلة الغداء الملكية في الواحدة والنصف من بعد الظهر، وكان فريد الأطرش بين المدعوين على مائدة الملك، وعندما انتهت حفلة الغداء الملكي، استأذن فريد في الانصراف إلى الفندق كي ينال قسطا من الراحة، وصحبه في رحلة العودة بالسيارة إلى فندق هيلتون الرباط المطرب الكبير وديع الصافي.[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]