التاريخ السري للسرقات الموسيقية .. من عبد الوهاب إلى عمرو دياب[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]الموسيقار محمد عبد الوهاب
مصطفى حمدي
السبت، 27 يناير 2018 -عندما كتب أسطورة الصحافة المصرية محمد التابعي سلسلة مقالاته الشهيرة "امسك حرامي"، والتي اتهم فيها موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب بسرقة ألحان عالمية لبيتهوفن وآخرين، اعتبر البعض هذه الخطوة إنحيازًا صريحًا من التابعي للموسيقار رياض السنباطي ومحمد الموجي وآخرين كانوا يرددون في جلساتهم الخاصة اتهامات لعبد الوهاب بسرقة ألحانهم وألحان عالمية قدمها في أشهر أغنياته.
أتت الحملة الصحفية ثمارها وألقي التابعي حجرًا ثقيلًا في بحيرة تقديس عبد الوهاب، فوضع الكثيرون ألحانه تحت المقارنة والتقييم وربما النقد اللاذع، ولكن ذلك لم يدفع أحدًا من الصحفيين لمواجهة عبد الوهاب بالحقيقة ومنحه حق الرد، ظلت قدسية عبد الوهاب جدارًا شاهقًا يفصل بين رغبة الصحفيين في نيل رضا الأستاذ والقرب منه، وبين خسارة هذه الفرصة لو طرح سؤالًا "فجًا" كهذا .
استمر ذلك حتى عام 1966 حينما قررت الاعلامية ليلى رستم التلميح لقصة السرقات الفنية عندما قالت في حوار أجرته معه لتليفزيون لبنان أن البعض يلمح إلى اقتباس الأستاذ عبد الوهاب من بعض الألحان العالمية .
رد عبد الوهاب بجرأة : قولي كمان سرقة عبد الوهاب لألحان الآخرين !
كان ذلك إعلانًا صريحًا من عبد الوهاب عن قبوله الحديث فيما هو مسكوت عنه، وتابع :"إنك تاخدي جملة موسيقية وتحطيها، ده يبقى اسمه نقل، ووفقًا للمعيار الذي وضعته جمعية الموسيقيين لتقدير حالات السرقة اشترطت نقل أربعة موازير كاملة – المازورة هي الجملة الموسيقية-.
ولكن موسيقار الأجيال أبدى اعتراضه أيضًا على هذا المعيار قائلًا : "ده خطأ، لأن العبرة بصدارة الحتة – يقصد الجملة الموسيقية- ، وبشخصيتها، فمن الممكن أن تتكون الحتة من مازورة أو اتنين لكن شخصيتها تحسسك إنها متاخده كاملة، أنا عملت كده في بداياتي وتحديدًا في "يارود مين يشتريك" ، اللي خدتها من بيتهوفن و"أحب عيشة الحرية" اللي خدتها من فلكلور روسي ، كان لازم أقول أنا اقتبستهم من مين، ودي كانت حركة بايخة مني !".
لم يذكر موسيقار الأجيال صراحة بقية اقتباساته الموسيقية من الألحان الغربية مثل أغنية "القمح" التي اقتبس لحنها من تشايكوفسكي، وأغنية "سجى الليل" التي اقتبسها من كورساكوف، إلا أن اعتراف عبد الوهاب بالإقتباس من الألحان الغربية "فقط" أثار حفيظة بعض الملحنين مثل السنباطي والموجي واندريا رايدر -الموزع الموسيقي الشهير وقتها-، وأثيرت قصة أغنية "ياقلبي ياخالي" التي لحنها عبد الوهاب لعبد الحليم، حيث قيل أنه اقتبس اللحن من أغنية Hit the road Jack لتشارليز راي، إلا أن الكاتب مؤمن المحمدي في كتابة "كل العواطف – حكايات 100 غنوة" يكشف كواليسًا أكثر إثارة من مجرد اقتباس هذه الأغنية من لحن غربي .
يقول المحمدي في كتابة أن عبد الوهاب ربما لم يسمع لحن تشارليز راي الأصلي بل سرقه من ملحن شاب يدعى أحمد علي، وعندما سمع الأخير اللحن غضب وثار وذهب لموسيقار الأجيال مهددًا إياه بفضح الأمر، فما كان من عبد الوهاب إلا أن منحه "خمسين جنيها" مقابل الصمت للأبد ، وبعدها بسنوات هاجر الملحن الى الكويت مع زوجته الفنانة بديعة صادق وعمل مدرسًا
نفس القصة أكدتها الفنانة بديعة صادق زوجة الملحن أحمد علي في مذكراتها الخاصة ، ليس هذا فقط بل إن محمد الموجي تجرأ واتهم عبد الوهاب بسرقة لحني "البوسطجية اشتكوا" و "أسألك الرحيلا" وعندما واجه عبد الوهاب قال له أن اللحن "الحلو" مثل "الكرافتة الشيك" – رابطة العنق الأنيقة- من حق صديقك أو أستاذك أن يستعيرها منك.
شتان الفارق بين اعتراف عبد الوهاب بالاقتباس من الغرب بمنتهى التصالح، وشرعنته السطو على أعمال زملائه المصريين دون أي خجل، هذا في حد ذاته لا ينال من قيمة وقدر عبد الوهاب على حد قول الموسيقار "سليم سحاب" الذي يرى أن تأثير عبد الوهاب الموسيقي كمجدد أكبر بكثير من أي اتهام بالسرقة بل ربما كان سعيه للتطوير سببًا في هذا التشابه الكبير بين ألحانه والألحان الغربية الشهيرة .
بين الدفاع عن عبد الوهاب واتهامه بالسرقة تبدو علاقته بالملحن رؤوف ذهني والذي عمل سكرتيرًا لديه علامة استفهام كبيرة، حيث كشف الناقد الياس سحاب في كتابة "مع عبد الوهاب" أن ذهني قدم لعبد الوهاب مايقرب من 52 لحنًا طوال مشواره دون أن يعرفه أحد، مشيرًا إلى أن أحد أهم الأسباب التي أدت لعدم فوز عبد الوهاب بجائزة اليونسكو عام 1977 ومنحها لرياض السنباطي يرجع إلى تقرير "جمعية الموسيقيين" التي رصدت تجاوزات عديدة لعبد الوهاب في الإقتباس من ألحان غربية بأكثر من ثلاثة موازير وهو الحد الأدني القانوني للإقتباس، وهو ما تكرر في أغنيات قدمها خلال حقبة الثلاثينات تحديدًا مثل "عندما يأتي المساء" ، "جفنه علم الغزل" ، "يادنيا ياغرامي"، و"يامسافر وحدك" بالإضافة الى اقتباسات من ألحان فريد الأطرش ومنير مراد وبليغ حمدي !
على الضفة الأخرى لنهر الموسيقى المشرقية لم يسلم الأخوين رحباني وفيروز وأيضا زياد الرحباني من اتهامات الإقتباس من الألحان الغربية، ربما كان زياد أكثر جرأة في اعترافه بالإقتباس في أغنية "لبيروت" التي غنتها جارة القمر عام 1999 ، حيث كتب في غلاف الألبوم أن اللحن مقتبس من مقطوعة "كونشيرتو دي ارانخويز" للموسيقار الإسباني "الكفيف" خواكين رودريجو والذي قدمه عام 1940 .
في عام 2002 قدم زياد الرحباني مع والدته فيروز ألبوم "شو بخاف" والذي احتوى على عدد أكبر من حالات الاقتباس الصريحة التي قال عنها زياد في هذا الوقت أنه لم يقدر على مقاومة رغبته الجامحة في سماع صوت فيروز معانقًا ألحانا غربية وقع في غرامها ، فقدم لحن "لا والله" المقتبس من فولكلور مكسيكي ، و"بيذكر الخريف" التي اقتبسها من لحن للموسيقار الفرنسي جوزيف كوزما، وكذلك أغنية "شو بخاف" المقتبسة من لحن للموسيقار البرازيلي لويس بونفا، ولم يكتف زياد بذلك بل اعاد تقديم نفس اللحن بصوت سلمى مصفي في أغنية
إذا كان التشكيك في ألحان عبد الوهاب بدأ بمقالات لمحمد التابعي بعد سنوات طويلة من الأعمال الناجحة، وإذا لم يخجل زياد الرحباني من الاعتراف باقتباسه ألحانا ناجحة لإشباع رغبة فنية بداخلة، فإن الملحن المصري المعروف عمرو مصطفى لم يعترف إطلاقًا باقتباساته الواضحة طوال مشواره بل لم يجد من يفتش عن منبع ألحانه سوى بعض المتابعين والنشطاء عبر مواقع التواصل الإجتماعي رغم الإقتباسات التي مارسها إلى حد النقل الكامل من ألحان غربية .
قدم عمرو مصطفى أنجح "الهيتات" على مدار 15 عامًا هي مشواره الفني ولكنه ضرب رقمًا قياسيا في اقتباس الألحان وتحديدًا ماقدمه مع عمرو دياب ، أشهرها لحن أغنية "صدقني خلاص" المنقول حرفيًا من أغنية ويست لايف الشهيرة my love ، وكذلك لحن أغنية " ياحبيبي لا" المقتبس من أغنية كرج ديفيد 7 days ، وأغنية "قدام عينيك" المقتبسة من أغنية مارك انطوني my baby new
لم تقتصر اقتباسات عمرو مصطفى عند ما قدمه مع عمرو دياب ، بل قدم لسميرة سعيد لحن أغنية "كل الاوقات" المقتبس من أغنية جيسيكا سيمبسون الشهيرةIrresistible ، وكذلك أغنية "ليالي زمان" التي اقتبسها من لحن unbreakable لمايكل جاكسون، بل انه استنسخ لحن أغنية "سهروني الليل" لراغب علامة عام 2002 من لحن أغنية "ارمي المنديل" التي قدمها مصطفى قمر عام 1994، إلا أن أكثر ألحان عمرو مصطفى إثارة للجدل كان أغنية "بشرة خير" التي غناها حسين الجسمي، واعتمد عمرو مصطفى الى نقل البناء اللحني كاملًا للأغنية الهندية "Mundian To Bach Ke" لـبنجابي أم سي، ثم استخدم الموزع توما إيقاع "المقسوم" المصري لتظهر الأغنية بروح شرقية، إلا أن التجربة لم تمر بسهولة فخرج الموزع عادل حقي وقتها ليفسر الاقتباس مفككًا بناء اللحن ليظهر وكأنه نسخة طبق الأصل من الأغنية الهندية قبل التحايل باستخدام إيقاع مصري فقط .
اتهامات الاستنساخ والاقتباس طالت عمرو دياب هو الآخر، ربما لأن مشواره الفني شهد قفزات موسيقية كانت فارقة في طريق التجديد، ولا شك أن عمرو صاحب الرؤية الفنية لكل ألبوماته سار بشكل ما أو بآخر على درب موسيقار الأجيال عبد الوهاب في الإقتباس من الغرب، هذه مقارنة لاتعني شيئًا سوى أن دياب نهل من بحر الألحان الغربية وربما العربية أيضًا ليقدم أغنيات تحاكي التطور الموسيقي حول العالم، أحد مظاهر هذا الإقتباس الواضح جاء في أغنية "الليلادي" التي اقتبسها من أغنية sway الشهير لدين مارتن، وللمفارقة أيضًا جاء اسم عمرو مصطفى ملحنًا لأغنية دياب، وقتها دافع الملحن عن اقتباسه مبررا أنه أخذ "مازورتين" فقط من اللحن الأصلي وأن التوزيع الذي نفذه حسن الشافعي هو الذي أوحى للمستمع بذلك.
إذا كان الاقتباس من الغرب مبررًا لدى البعض، فماذا عن اقتباس "دياب" للحن أغنية "سألوني الناس" التي لحنها زياد الرحباني لفيروز في ستينات القرن الماضي ؟
مقدمة أغنية "سألوني الناس" والتي لحنها زياد وعمره 17 عامًا، نقلها الملحن خالد عز نقلًا صريحًا في أغنية " انت ماقولتش" التي غناها عمرو في ألبوم "علم قلبي" الصادر عام 2003 ، مقدمة الأغنية الأصلية قدمها زياد كجملة واحدة في كوبلية زاد عليه باستخدام تنويعات وجمل موسيقية أخرى طوال الأغنية، إلا أن عمرو فضل تكرار نفس الجملة اللحنية في بقية كوبليهات أغنيته المقتبسة، حتى الفواصل الموسيقية لم يعزف فيها الموزع أية جمل من بنات أفكاره خارج سياق جملة زياد الأصلية !
"النبش" في تاريخ الأغنية العربية يكشف الكثير من حالات السرقة والاقتباس، ولكن تبقى حالة كارول سماحة في أغنية "وحشاني بلادي" متفردة من نوعها، حيث استخدمت المقدمة الموسيقية لأغنية "ليلة حب" لأم كلثوم والتي لحنها محمد عبد الوهاب وكتبها أحمد شفيق عام 1973 ، وكأن القدر أراد أن ينصف عبد الوهاب المتهم بالاقتباس والسرقة بعد كل هذا الزمن فيأتي من يسرق إبداعه، تحرك ورثة عبد الوهاب لضمان حقوقهم وأمام ذلك أعترفت كارول باستخدام المقدمة الموسيقية قانونيًا باعتبارها أحد الأعمال التي تملك حقوقها شركة "روتانا" المنتجة لألبومها وذلك بعد أن اشترت حقوق مئات الأغنيات لعمالقة الفن الجميل، وانتهى الأمر بالإشارة في غلاف الألبوم وكليب الأغنية الى أن اللحن للموسيقار محمد عبد الوهاب