[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]المطربتان دخلتا عالم السياسية بطريقتين مختلفتين مع الحرص على النفوذ
لماذا اتهمت «أم كلثوم» مع آخرين بالتورط في قتل «أسمهان»؟ نـــــواف القبـــبيســـيالراحلتان المطربتان؛ السورية «أسمهان» والمصرية «أم كلثوم» اسمان ذاعا في عالم الطرب والغناء، وتخطت الأولى (أسمهان) سوريا والدورز حيث تنتمي لتُعرف في الوطن العربي كله، إن لم يكن على مستوى العالم رغم أنها عاشت قرابة اثنين وثلاثين عامًا فحسب (25 من نوفمبر/كانون الأول 1915 وقيل إنها مواليد 1912 وماتت غرقًا يوم الجمعة 14 من يوليو/تموز 1944).
أما الثانية (أم كلثوم) فاُختلف في تاريخ ميلادها، أيضًا، وقيل إنه 1898م على الأرجح، وتوفيت في 4 من فبراير/شباط 1975 أي أنها عاشت نحو سبعة وسبعين عامًا اجتازت شهرتها فيها الآفاق، وكان لغياب «أسمهان» سبب كبير في ذلك.
فهل تورطت «أم كلثوم» في حادث مقتل «أسمهان» غرقًا؟
صوت «أسمهان» بحسب الملحنين المصريين ومنهم «رياض السنباطي» و«محمد القصبجي» كان أكثر دفئًا وأنوثة من صوت «أم كلثوم»، وكان صوت الأخيرة أعرض مساحة وقيل أطول نفسًا، وأيًا ما يكون الأمر فإن المطربتين كانتا بمثابة جوادين في سباق الأغاني والاستحواذ على الأُذن العربية قبيل منتصف القرن الفائت، وربما صرفًا للمواطن العربي عن القضايا المُلحة الشاغلة التي تؤرق حياته وتقض مضجعه؛ من الاحتلال ومستوى الحياة المتردي وعدم جودة التعليم أو التفات حكومات الدول العربية للصحة بما يكفي أو حتى يُعين المواطن العربي على استمرار الحياة.
على أن الأمر المؤكد هو أن السيدتين الراحلتين لم تعتمدا في صعودهما سلم الطرب والغناء على المواصفات الصوتية فحسب، بل استعرضا الإمكانات الأخرى وعلى رأسها السياسية بدرجات متفاوتة.
- اقتباس :
بين «الأسطورة» والشديدة السرية
«لم تتداخل الحقيقة بالخيال في سير الشخصيات الفنية بقدر ما تداخلت في سيرة الفنانة أسمهان، فهذه التي يصفها مصطفى أمين بأنها امرأة ساحرة تتصرف وكأنها في زيارة خاطفة للدنيا، رحلت تاركة كومة ألغاز يصعب فك طلاسمها، فرغم عمرها القصير الذي لم يتجاوز 32 عاما فإنها استطاعت أن تشغل الناس بسيرتها حية وميتة، ففي حياتها كانت الأسئلة كثيرة حول علاقاتها السياسية، وعقب حادث موتها عام 1944 حينما انزلقت سيارتها في إحدى (الترع) بمحافظة الدقهلية بمصر نبتت عشرات الشائعات التي لم تزل تعيش في أذهان البعض حتى اللحظة.. »(1).
كانت «أسمهان» مثل الأسطورة في تعدد علاقاتها وتشعبها، ولدت بأسرة سورية شهيرة، وأخوها الملحن والمطرب الراحل «فريد الأطرش»، اضطرا للهجرة إلى مصر مع الأسرة بعد الثورة السورية الكبرى.
اكتشف «أسمهان» الملحن المصري الراحل «داود حسني»، وأطلق عليها هذا الاسم، وعاشت حياة صاخبة معلنة لم تخف فيها زيجاتها العديدة ولا ما وراء الكواليس، فبعد زواجها ثم طلاقها من نجل عمها الأمير «حسن الأطرش»، عرفت طريقها إلى المخابرات البريطانية، وإلى القصر الملكي، ثم إلى زوج آخر الراحل «أحمد بدرخان»، ثم «أحمد سالم» بالغ الغيرة حتى أنه أشهر في وجهها مسدسًا وكاد يقتل ضابطًا ونفسه به، خاصة بعد معرفتها وكيل الديوان الملكي «أحمد حسنين» حتى جاء مقتل «أسمهان» الغريب خاتمًا للقصة ومثيرًا لأسئلة مريبة (2).
على النقيض تمامًا جاءت حياة «أم كلثوم» فلم تكن من أسرة غنية وشهيرة مثل «أسمهان»، بل كانت سعيدة بقدرتها على إعالة أسرتها المنتمية للريف (طماي الزهايرة ـ السنبلاوين ـ الشرقية)، وهبطت القاهرة بالبالطو الطويل في البداية وغطاء الرأس كما الرجال، وكان في فرقتها التي بلا موسيقى أبيها «إبراهيم» وأخوها «خالد».
تغيرت هذه المفردات الحياتية بعد ذلك تمامًا لكن بقيت «أم كلثوم» شديدة السرية، قيل بقوة إنها كانت مزواجة (كثير الزواج والطلاق) لكن في السر، تزوجت الصحفي «مصطفى أمين» وكان شاهد العقد الرئيس الراحل «جمال عبدالناصر» نفسه، ثم تزوجت «أحمد رامي»، فالملحن «محمود الشريف»، وعمدة في أسيوط (جنوبي مصر)، وهكذا حتى الدكتور «حسن الحفناوي» طبيبها في نهاية حياتها، ولكن الزيجات السابقة، بل تفاصيل حياتها كلها كانت سرًا.
روت الصحفية «حُسن شاه»، رئيس تحرير مجلة «الكواكب» المصرية (فنية حكومية) أن «أم كلثوم» باحت لها في لقاء خاص بأنها تحب أن تطبخ الملوخية بنفسها، وتحب شهقتها (عادة مصرية لدى بعض السيدات بافتعال انفعال معين عند وضع المرق على الثوم المقلي لاعتقادهن أن ذلك يُحسن المذاق)، فما إن نشرت الصحفية الصغيرة هذه التفاصيل في صدر المجلة حتى تدخلت «أم كلثوم» مطالبة بفصلها لإفشائها أسرارًا خاصة بها(!).
ومن القصة السابقة نستشف مقدار نفوذ «أم كلثوم» السياسي، حتى إنها في عهد الملك «فاروق» كادت أن تتزوج من خاله «شريف صبري» لولا اعتراض القصر خاصة السيدات، وهذا لم يمنعها من التزلف للملك، بل وإيقاف الغناء وتغييرها الكلمات حين حضور الملك إلى الحفل (حفل النادي الأهلي عام 1944 على سبيل المثال وقد غيرت في مقطع لتمدح الملك فاروق من يا ليلة العيد، ومنحها الملك في المقابل أعلى نيشان)، وهو الأمر الذي تكرر مع «جمال عبدالناصر» على النحو المعروف من القرب الشديد، وتعدد الأغاني الخاصة به، والمكانة التي سمحت لها بأخذ جواز سفر دبلوماسي أحمر مع كونها مجرد مطربة.
- اقتباس :
«أسمهان» وصمت «فريد الأطرش»
لم يكن «فوأد الأطرش» شقيق «أسمهان» براضٍ عن تنقلها بين المخابرات البريطانية والفرنسية والألمانية، خاصة مع زياراتها لفلسطين وسوريا ولبنان فضلًا عن مصر، فضلًا عن علاقتها المرتبكة بنجل عمها وزوجها، وسهرها الدائم وشربها، بل اختراقها حجب القصر الملكي بتعرفها على نحو شديد في عام 1940 بـ«أحمد حسنين» وكيل الديوان الملكي، وكانت للأخير علاقة قريبة أيضًا بالملكة «نازلي» والدة الملك «فاروق» بعد وفاة زوجها الملك «فؤاد» عام 1937، ثم طلاق «أسمهان» الأخير من نجل عمها وزواجها الأخير بالمخرج «أحمد سالم» الشديد الغيرة.
وكانت الملكة «نازلي» في المقابل أشد غيرة، أوعزت لـ«مصطفى ثابت»، مدير قلم الجوازات باستدعاء «أسمهان» وإبلاغها أن إقامتها انتهت في مصر وعليها المغادرة، ولولا تدخلها بالوسطاء وزواجها بمخرج فيلمها الأول «بدرخان» وهو الزواج الذي انتهى في 30 من أبريل/نيسان 1941، وجاءتها فرصة التمكن والعودة بصدارة الحياة بالعمل مع المخابرات البريطانية ضد نفوذ المحور.
انتهى زواج «أسمهان» بـ«بدرخان» في عام 1941 وضاقت بها الدنيا، إلى أن جاءتها فرصة أخرى لم تكن تخطر لها ببال، بالعمل مع المخابرات البريطانية، ومحاولة تجنيد العشائر خاصة الدورزية التي تنتمي إليها مع الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، وهو الأمر الذي فشل بفشل عودتها لنجل عمها «حسن الأطرش» كزوجة، لتتجه بعدها للمخابرات الألمانية على النقيض تمامًا (3).
ولتدخل المخابرات الفرنسية على الخط مع زواج «أسمهان» بمخرج فيلمها الثاني غرام وانتقام «أحمد سالم» وحياتها العارمة التي اعترض الأخير مرارًا عليها ووصل الأمر لشهر سلاحه عليها في يوليو/تموز 1944، لتستغيث هاتفيًا بـ«سليم زكي» الأميرآلاي، مدير أمن القاهرة الذي أوفد ضابطا اسمه «أحمد إبراهيم» كاد يموت وهو ينتزع المسدس من «سالم».
وبعد استقرار الحالة الصحية للجريحين طلبت «أسمهان» هدنة أو إجازة تقضيها في رأس البر خاصة مع انتهاء تصوير فيلمها، وهو ما انتهى بالحادث.
- اقتباس :
المتهمون بقتل «أسمهان»
من الغريب أن « فوأد الاطرش» من المُتهمين بقتل أخته، نظرًا لعدم رضاه عن أفعالها، وهو ما لا نؤكده أو ننفيه لأننا لا نملك ذلك باختصار، ولكن الراحل قال عن الوفاة إنها «طبيعية» ربما لشعوره أن المتورطين في محاولة قتل أخته كثر من القصر الملكي إلى مخابرات ثلاثة دول لزوج متهور (سالم)، خاصة أن سائقه هو الذي كان يقود السيارة.
أما «أم كلثوم» فيقول المعاصرون أنها ربما خافت من «أسمهان»، وغضبت من «القصبجي» و«السنباطي» أن علماها الغناء وقرباها منهما، لكنها لم تكن تملك عصابة تقتل وتدمر، أما أقوال «فريد الأطرش» بأن «أم كلثوم» لم تكن تحبه (توفي فريد الأطرش في 26 ديسمبر/كانون الأول 1974، وأم كلثوم في 3 فبراير/شباط 1975) ولا تحب أخته فالأغلب، بحسب الأقوال نفسها أن الأمر يخضع لاعتبارات فنية لا أكثر.