Majid Tarshمنذ أن عرف الناس صوت فريد
ورصيده من حب الجمهور فى نمو وازدياد،
حتى لقد عدّه الكثير من النقاد مثل د. رتيبة الحفنى وكمال النجمى
المنافس الوحيد والحقيقى لمحمد عبدالوهاب
إذ قدم فريد فى سنوات بداياته الأولى فى عقد الثلاثينيات الكثير الذى جذب إليه جماهير
الطبقة الراقية من المجتمع، فبالإضافة إلى تميز صوته وسحر عزفه على العود.. فإن
استعانته بالكثير من قوالب الموسيقى الغربية كالتانجو والرومبا والفالس فى صياغه
ألحانه الأولى ذات النكهة والأصل الشرقى جذب إليه أسماع المثقفين من أبناء الطبقة
الراقية، ويرى الناقد المعروف كمال النجمى أن ذلك كان السبب الرئيسى وراء ت
محمد عبدالوهاب فى الأخذ من الموسيقى الغربية لمجاراة فريد فى جديده الذى جاء به
.. ومحافظة على جمهوره من الطبقة الراقية
الذى يملك المال والجاه والكثير من أسباب نجاح أى مبدع
مفهوم الأغنية السينمائية ترسَّخ وأصبح واضحًا عندما قدم فريد الأطرش وشقيقته أسمهان
فيلمهما الأول "انتصار الشباب" الذى عرض بدار سينما ستوديو مصر فى 24 مارس
1941، جاء نجاح "انتصار الشباب" كاسحًا وناسخًا لكل ما تقدمه من نجاح لقيه أى
فيلم غنائى قبله، فقد استمر عرضه الأول سبعة أسابيع كاملة العدد فى حفلات اليوم
الأربعة، آنذاك.. كان الفيلم الناجح يستمر عرضه لثلاثة أو أربعة أسابيع، فمثلاً.... انتهى
العرض الأول لفيلم "ممنوع الحب" لمحمد عبدالوهاب فى 19 أبريل 1942 بعد أن
استغرق أربعة أسابيع فقط، بل إن نجاح "انتصار الشباب" كان مضاعفًا..
لان ما كان يعرض أمامه فى دور السينما بالقاهرة
هو مجموعة من أقوى أفلام السينما الأمريكية
على امتداد تاريخها مثل "ذهب مع الريح" لكلارك جيبيل وفيفيان لى
و"الدكتور العظيم" لشارلى شابلن!
إن العودة الآن إلى ما كتب فى صحافة تلك الأيام عن فيلم فريد الأول.. سوف يوضح
لقارئ اليوم مدى ما لقيه من نجاح،
فها هو المحرر الفنى لمجلة "الصباح" يصف النجاح
الكبير لعرض الفيلم الأول فى عدد
المجلة الصادر بتاريخ 28 مارس 1941 فيقول: "وقد صادف الفيلم نجاحًا أكثر مما
كان يتوقعه كثيرون، وعُرف رأى الجماهير من مظاهر الإعجاب والتصفيق
التي حيوابها أسمهان وفريد وأحمد بدرخان فى نهاية الفيلم حيث كانوا بين المتفرجين"،
وليس أدل على نجاح الفيلم وإقبال الجماهير على مشاهدته من ذهاب أم كلثوم إلى سينما
ستوديو مصر بصحبة فريد فى أحد أيام الأسبوع الثانى لتشهد بعينها أول فيلم غنائى
حقيقى فى تاريخ السينما المصرية.. ولتسمع بأذنيها "آراء المتفرجين الجالسين بالقرب
منها ـ ولا يعلمون بحضورها ـ فى هذا الفيلم وبعض الأفلام الغنائية الأخري"، وذلك
فيما سجَّله محرر "الصباح" فى عدد 4 أبريل 1941.
كانت قصة عمر جميعى التى بُنى عليها الفيلم هى أول وأهم أسباب نجاحه، فهى تدور
حول شقيقين (شاب وفتاة) هبطا إلى مصر بحثًا عن العيش الذى التمساه بأصواتهما
الجميلة، فعملا فى الصالات وخبرا الحب والعذاب والمعاناة، حتى تمكنا فى النهاية من
تحقيق النجاح فى ساحتى الفن والحياة، لذلك جاء الغناء ركنًا أساسيا فى الفيلم الذى ضم
أحد عشر عملاً غنائيا تنوعت بين الطقطوقة والقصيدة والديالوج والمونولوج الفكاهى
والأوبريت.. مما جعل الفيلم جديرًا باسم "الفيلم الغنائي"، وقد نجح أحمد بدرخان فى
توظيف أحداث القصة لإضفاء الواقعية على ما تضمنه بعضها من غناء، فجاءت أغنيات
الفيلم لتعبِّر عن تطور أحداث قصته ونمو شخصيات أبطاله.. ولتلعب دورًا أساسيا فى
التعبير عن مشاعر وأحلام أبطاله، وكان نجاح فريد فى تلحين أوبريت "الشروق
والغروب" وأوبريت "ليالى الأندلس" فى هذا الفيلم هى شهادة انضمامه إلى نادى رواد
الموسيقى العربية الذى ضم قبله سيد درويش ـ محمد عبدالوهاب ـ رياض السنباطى ـ
محمد القصبجي، لكل ذلك.. فإن الناقد الفنى سعدالدين توفيق أفرد لفيلم "انتصار الشباب"
مكانًا مميزًا فى مقدمة قائمة وضعها لأحسن مائة فيلم فى تاريخ السينما المصرية