موضوع: تحليل اغنية عدت يايوم مولدي 28/11/2019, 16:02
"عدت يا يوم مولدي Renée Boulos-Hage من كتاب "حبيب العمر" "ان هذه الاغنيه تعد قمه في التعبير الموسيقي عن الصور الشعريه التي تحفل بها، إذا جاز التعبير. يكفي ان نسمع الترجمة الموسيقيه دون الكلمه حتى نشعر بعمق المعاناه الوجوديه التي تصورها. لم يبخل فريد بأيه وسيله موسيقيه معبره، من مجموعه الآلات الموسيقيه وتنسيق عملها الى الغناء الى الكورس الى الالقاء الغير منغم، ألا استعملها من اجل إيصال صادق للانطباع الذي خلفته الكلمه في ذهن ملحنها الى المستمع ليحس بها معه ويتذوقها فتترك عنده تأملًا بالوجود وماهيته وتأثيره على مبدع اضحى سرابًا يحلم به كل فارس في صحراء الحياه. تبدأ الموسيقى بجمله من اربع فقرات متعادلة في النبره القدريه مع تمييز طفيف بين الاثنتين الاولتين والاثنتين اللاحقتين، وكأن هذا التمييز يرمز الى الاقتراب من الحاضر حيث تتوالى دقات اقل وهبه واكثر سرعه لتعود النبرات الرهيبة من جديد وقد لحقتها فقره تظهر واضحا صوت البيانو الملطف لما سبق. ويتولى الايقاع رتيبا يحاكي خطى من يقترب ببطء نحو مطلع الاغنيه الذي يخاطب اليوم المقترب. ونسمع المخاطب يتوجه الى هذا اليوم الذي ليس إلا عيد ميلاده، ويسميه يوم مولدي فهو ليس بعيد كما جرت العاده. ونكشف أنه لا يخاطبه ليحتفي به كيوم ابصر فيه النور ونعم الحياه، بل لينعته بالشقي. وكأنه كان قد مهد له برهبه المقدمة الموسيقيه التي ما أنبأتنا إلا برهبه الموقف، ولَم تنذر بسعادة من يستقبل سنه اخره من حياته القادمة. ها هو يردد مطلع الاغنيه مع تشديده على حرف النداء، ثم يتبع ذلك بالنعت الذي انتقاه له. ويعيد النداء بأكمله مرتين، ويتوقف ليبدأ بإبلاغنا بشعوره وأمنيته في هذا اليوم، شعور وامنيه لا تمت بصله الى شعور الناس إجمالًا بالاحتفال بيو ميلادهم. أدرك انه لم يعد شابا وان السنين بدأت تثقل كاهله وأنه بتجاوزه سن الأربعين قد ضاع منه الشباب وان ملامح هذا الضياع بدأت تظهر في شيب أخذ يغزو رأسه . أما كيف ترجم ذلك بالنغم والاداء فهذا ما يثير الرغبه في مشاركته الأسف. يمدد كلمتي الصبا و ضاع ليبرز ماهيه الضياع ، ويمر بسرعه على كلمه من يدي وكأن الحياه انزلقت بين أصابعه كالمياه او الرمال ، أما الشيب فأخذ يقترب ليغزو شيئا فشيئا مفرقه . هو ليس بحاجه الى اعاده هذا الاستنتاج إذ ان الشعور الذي ولده في نفسه هو شعور بالأسى والحقد المتمثل بالأمنيه التي نتجت عن ضياع الشباب. ها هو ينادي ذلك اليوم بأعلى صوته ويعيد حتى يوصل إليه انه كان يتمنى لو كان يومآ واحدآ ويتوقف عند كلمه يوما بعض الشيء ليردفها ب بلا غد. وهو يكتفي بهذا القول وبهذا التعبير فلا حاجه الى إعادته إذ إنه سيعبر عن مأساته فيما سيأتي، وسيشرح ما في خلده بلوعه وبإسهاب أكان الشرح عن ثوره او عن أسى أو عن يأس. وفي الأبيات الثلاثه اللاحقة جوهر المعاناه، لذا تسبقها جمل موسيقيه مختلفه مع لحظ دورٍ مهم لألات موسيقيه معينه. تبدا هذه المرحلة من الاغنيه بجمله موسيقيه منفرده إيقاعيه، على الغيتار، تعاد مرتين، ثم يليها مباشره الأداء الغنائي الصارخ المعبر عن تمنيه مستحيله ظن من خلالها الصارخ انها يمكن ان توهمه بواقع يصبو إليه. لذا ها هو يرددها عده مرات، ثلاثه. الجمله الموسيقيه التي قدمت لهذه الامنيه تواكب الغناء مصحوبه بصوت البيانو وبعض ألات الأوركسترا المشتركة ، ويمكننا ان نميز هذه المواكبة مع الصوت الصارخ. ثم ها هو يحصر كلمه الأزل ويشدد عليها ويلحقها بالجمله- الأمنيه لم أعش التي يفصلها عن هذه الحياه. وهنا تستوقفنا كلمه (هذه )التي إما يراد منها حياته الخاصه بكل ما فيها من كفاح وحزن ومأساه، او هذه الحياه التي يعيشها الانسان بصوره إجمالية دون ان يفقه الفلسفه او ألقوه التي تتحكم بها، او ان هناك حياه أخرى ربما أفضل واخلد واكثر كمالآ؟ ها هي الجمله التاليه تحاول ان تعطينا صوره عن تخبطه وحيرته وجهله عن معنى العمر الذي عاشه حتى اللحظه ، لحظه ذكرى مجيئه الى هذه الحياه دون إرادته ودون ان يجد تفسير لما هو فيه. عشت فيها اكثر من اربعه عقود و شاب شعري؛ طال العيش وما زال يجهل ايه حياه هذه التي يعاد ذكرها كل سنه . وهذا الجهل يؤرقه فيصرخ عده مرات معبرآعن هذا الأرق. ويعود الى التمني. ولكنه هذه المره يحدد فحوى أمنيته فيحصرها بصرخه متتاليه يحملها كل فلسفته ونظرته الوجدانية في حمله واحده يفصلها، لحنًا واداء، عن بقيه القصيده، وحتى بإعادتها يغير تسلسل الكلمات في الجمله؛ ليت أني من الأزل كنت روحًا روووحآ ولممممم ازل وهنا يمكننا ملاحظه إبدال كلمه طينًا التي جاءت في اصل القصيده الشعريه بكلمه روحا لنلفت النظر الى ان فريد عندما تمنى ما تمناه لم يكن يريد ان يبقى في العدم او في حالته الجماد، إنما تمنى لو بقي روحًا لم تتجسد لتفنى، فالروح أبديه وتنتمي الى عالم المثل الخالد الذي تبنى عليه الصوره في دنيا الصيرورة . وهنا أيضا وبهذا المعنى غير في ترتيب الكلمات عند اعاده الجمله- الامنيه فوضع كنت قبل من الأزل. إضافه هذه التغييرات الطفيفه جرى حصرها في هذا البيت الذي، بحصره موسيقيًا واداء ، فُصل عن بقيه القصيده والحق بجمل موسيقيه قديره اشتركت فيها كل الأوركسترا قبل ان يصرخ فريد وقد تراءي له الكورس- القدر ليعيد معه مواكبا الصراحه او مرددا لصداها عده مرات وكأنه اصبح خارج الحياه الملموسة ليوازي الحياه الأزليه. وهذه هي الصوره التي بدأت تتشكل منذ هذه اللحظه حين اصبح على عتبه الوجود الروحي. وجمل موسيقيه متتاليه تمهد لهذا الصراخ الملوء بالأسى والذي يسبق التحول المنتظر واليقين؛ انا عمر بلا شباب كورس بلا شباب وحياه بلا ربيع كورس بلا ربيع ونحن نعلم ان إدخال الكورس بهذا الشكل يعبر عن صوت القدر كما في التراجيديا الإغريقية. وابتداء من هذا المقطع وبعد تحول الاغنيه الى تراجيديا انسانيه بكل ما للكلمه من معنى رأى فريد ان ادخال عنصر الكورس لا بد منه لاضفاء البعد الوجودي على قصيده هي من صلب فلسفه الوجود. نسمعه يعيد هذه الحقيقه التي اكتشفها بعد تناوله جرده لحياته ثلاث مرات هي ثلاث صرخات ومواكبتها الموسيقيه التي تخفت مع الغناء ، فهناك محاوله اخيره لصفقه مع الجميع: دنيا وزمن وحياه وناس وما شئت، فالصفقة هي بين من يعاني وكل من وما يواجهه . وعندما تقول صفقه تقول كلام لا عناء. ومن يشتري يطلب حبا ، حبآ بالمعنى المطلق للكلمه ويدفع عذابا . يعيد مرتين الطلب- العرض، ويعيد وراءه الكورس وكأنه الصدى. تُرى من هذا الذي يمكنه الإقدام على هكذا صفقه؟ لا احد. ها هو يعيد صرخته السابقة بنفس الحده؛ اشتري الحب بالعذاب أشتريه.... فمن يبيع والكورس فمن يبيع لينتهي بكونه تحول الى وهم مؤكدا ذلك بإعادته ثلاث مرات متتاليه مع صدى لأصوات الكورس النسائي الذي يتصاعد ثم يتلاشى شيئًا فشيئآ (انا وهم) 3 (كورس ... كو..... ر....س...) انا سراب. "