صوت فريد الأطرش تميز بالمساحات الواسعة والمتعددة النغمات، والنفس الطويل، وكان القرار في صوته بمثل الجواب في درجة الوضوح وفي القدرة على الإتقان. وصوته الصحيح الذي يعد من أبرز عناصر موهبته، عاونه على تحقيق الاستمرارية الفنية وعلى الصعود الذي تمكّن منه على مدى حياته، كان صوته سليماً، ونقياً وقوياً، وهي مؤهلات كافية لتحقيق التفوق، ناهيك عن مقدراته الموسيقية الفذة التي أثْرت الفن الشرقي والعالمي.
وعندما يعجز النقاد والفنانون وأصحاب الأقلام المغرضة التقليل من روعة وجمال ومقدرة صوت فريد أمام حب الجماهير وإعجابهم، فيستمرون بكل جرأة وسخافة على تصنيف صوت فريد ونعته بالصفات المشبوهة لتشويه صورته، فيصفونه بالمطرب (الباكي) أو المطرب (الحزين) أو الصوت المليء بالشجن وقد نسي هؤلاء أن ما واجه فريد من مصاعب طوال حياته يصعب على أي إنسان عادي أن يتحملها. فمآسي تشرده وانفصالهِ عن بيتهِ وهو طفل، والفقر والحاجة وصعوبة العيش وبؤسه، ثم نكبته العظمى التي كادت أن تقضي عليه، وهي فقدان توأم روحه أسمهان التي كان يضع فيها كل آماله الفنية، وثم اعتلال قلبه ومرضه الذي لازمه طوال حياته، وكل هذه المصائب، أليست كافية لكي تلون ألحانه وموسيقاه بالحزن والشجن!
لمع نجم فريد الأطرش بفضل تفانيه وسعةِ علومهِ وخياله الموسيقي. فبعد (الكرنك) و(الجندول) و(كليوباترة) قي الأربعينات خَفَتَ وهجُ جميع معاصريه وخفتَ وهجُ عبد الوهاب الفني وفقد الكثير من قدرات صوته، لكن لم يخفت سعير حبكاته ضد فريد. وكان عبد الوهاب اقتبس ولحن وغنى في الأربعينات، بعد (الكرنك)، (ما اقدرش انساك) و(حياتي إنت) و(الحبيب المجهول)، أما فريد الأطرش فلحّن وأبدع وغنّى في المقابل (أول همسة) و(يلا سوى) وقصيدة (ختمَ الصبرُ بعدنا بالتلاقي) و(سألني الليل) واغنيات ناجحة جداً ظهرت في الأفلام مثل (حبيب العمر) و(بنادي عليك) و(نجوم الليل) و(الربيع) التي تُعتبر سمفونية الموسيقى العربية، لما فيها من غنى في الألحان والمقامات، فسيطر على الساحة الفنية وتربع على عرش الاغنية العربية.