[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] من روّاد المجدّدين في الموسيقى العربية وفي الأغنية الشعبية[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]سحر طه
فنانة راحلة
كان مدرج «بيسين عاليه"يغص بالجمهور من عشاق الفنان الكبير فريد الأطرش، مساء الحادي والثلاثين من آب عام 1974، في حفلة قدّر لها أن تكون موعداً للوداع، من دون ان يعلم احد، حتى فريد نفسه، الذي رحل بعد اربعة أشهر، في 26 كانون الاول من العام نفسه في «مستشفى الحايك» في سن الفيل.
أجواء الحفلة لا تزال راسخة في قلوب من حضرها آنذاك، اذ يتحدثون عنها او يكتبون بشغف ودمعة وحسرة على خسارة فنان قدير مثل فريد الاطرش الذي يعد علامة مميزة وفارقة في الموسيقى والغناء والعزف والتفاني من اجل الفن حتى الرمق الاخير. وبعد اربعين عاماً على رحيله يتذكر عشاقه، عندما بدأ القسم الثاني من الحفلة، هطلت الامطار بغزارة مما اضطر الفنان للتوقف اكثر من ساعة، في حين بقي الجمهور في انتظاره حتى توقفت الامطار وعاد فريد الى المسرح غناهم وأمتعهم حتى الصباح.
فريد الأطرش فنان شامل، امتلك قدرات فنية وإبداعية عدة، فهو ملحن قدير ومطرب متمكن، وعازف عود اثر في أجيال من بعده وممثل تراجيدي وكوميدي. محب للحياة وعاشق للفن، لكن شاء القدر ان يحيا العشرين سنة الاخيرة من حياته في صراع ما بينه وبين قلبه، لا ندري من الذي اتعب الاخر، هل تفانيه في فنه هو الذي أتعب قلبه، أم قلبه هو الذي أتعبه. خاصة خسارته الكبيرة لشقيقته الفنانة اسمهان في العام 1944 وهما في قمة نجاحهما الفني المشترك، من هنا بدأت متاعبه الصحية مع القلب، عاش او تعايش مع تعب قلبه، فكان تارة يغلب المرض واخرى ينال منه الاخير، حتى خانه القلب وكانت النهاية في 26 /12/1974.
تناول الكثيرون فريد الأطرش وفنه، ورغم ذلك لم ينل هذا الموسيقي القدير كل حقه من الدراسة والتحقيق والتحليل العلمي المنهجي المعمق إلا فيما ندر. لقد نال حباً شعبياً في كل شبر من المنطقة العربية. فهو لطالما انتج اعمالاً طاولت شرائح متنوعة من المجتمع العربي، فلحن وغنى الغناء المدني المتقن واجمل القصائد «عش أنت»، «أضنيتني بالهجر» وغيرها، وكتب موسيقى تحاكي الفن الكلاسيكي الغربي او على غرار القوالب الغربية مثل «موسيقى مقدمة اغنية لحن الخلود»، ومن جهة اخرى لحن وغنى اجمل الالحان الشعبية التي استقى نكهتها من البيئات العربية أولاها الشامية وصولا ًالى البيئة الشعبية المصرية.
زياراتي لمصر قبل بدء الثورة، كانت عديدة ولأكثر من مرة في السنة. لاحظت أني عندما أستقل التاكسي، غالباً ما أسمع صوت فريد الأطرش يصدح عبر الراديو. في إحدى المرات سألت السائق «البسيط"الذي كان يقلني من الزمالك الى المعادي، وكان يستمع الى أغنية «سألني الليل» قلت: بتحب فريد الأطرش؟ التفت إليّ حيث أجلس خلفه، وكأنه استغرب سؤالي؟ قال: هو في حدّ في الدنيا ما بيحبش فريد؟ سألته: لماذا؟ قال: ما عرفش ده هو بيطلّع الآه من جوّه. سألته: هل تعرف من أي بلد هو؟ قال: أنا أعرف إنو مصري وأمو شامية، بس في ناس بتقول إنه جِه على مصر من بلاد الشام وكان صغير. وأضاف بامتعاض: والله انا ما اسألش في التفاصيل، أنا بعشق غُناه وخلاص.
هذه واقعة حقيقية لمستها شخصياً، لكن هناك ايضاً عدة تعليقات، تلك التي يكتبها المتصفحون حول كل اغنية، نجد انه بالفعل هناك بعض المصريين لم يعرفوا هوية او اصل فريد الاطرش.
من هنا نستشف ان شرائح عدة من المجتمع المصري تعشق بالفعل فن فريد الأطرش، إلا انه من جهة أخرى كان مثار جدل وأحياناً انتقاد، لدى بعض النقاد والصحفيين، وصولا الى البلبلة وربما اختلاق بعض الخلافات بينه وبين فنانين آخرين بالأخص المصريين منهم، ورغم ان أحداً منهم لم يقلل من قدرات الفنان، الا ان هناك من كان يحاول إيجاد هنّات أو ضعفاً في ناحية ما من نواحي فنه العديدة. لكن الأهم، ان كل ذلك لم ينل من عزيمة الفنان واصراره على الاستمرار في العطاء والتلحين والغناء والتمثيل حتى وفاته.