فريد الأطرش ..
فريد العصر والزمان ومختلف عن الآخرون بقلم المؤرخ الفنى / أحمد عبد الصبور
كثير من محبي الفن العربي الأصيل وكثير من النقاد الموسيقين والإعلامين والصحفين والكتاب يقومون بمقارنات بين الفنانين . فبعضهم ينتقد بشكل علمي وموضوعي وبعضهم الآخر ينقاد وراء عاطفته أو غيرته أو عدم معرفته الكافية بقواعد التقييم والنقد والمقارنة .
وقرأنا وشهدنا الكثير والكثير عن مقارنات تدور حول فريد الأطرش وغيره ممن عاصروه أو كانوا قبله أو جاءوا بعده .
فهيا بنا نسلط الضوء على بعض النقاط .. ونرى هل الموسيقار فريد الأطرش فريد عصره وزمانه وبالفعل مختلف عن الآخرون ، وهل يحق للنقاد أن يساوه مع غيره ؟؟؟!!!
الموسيقار محمد القصبجي وزكريا أحمد ورياض السنباطي ... لا شك كانوا ملحنين كبار وعازفي عود ماهرين ومجددين في الموسيقى العربية ...
السيدة أم كلثوم كانت سيدة الغناء العربي وتملك صوتاً نادراً وقدرة خارقة في الأداء والتعبير والسلطنة...
العندليب عبد الحليم حافظ كان مغنياً محبوباً وممثلاً لا بأس به وكانت له جماهيرية واسعة في العالم العربي ...
ولكن العندليب لم يكن عازفاً على العود ، ولم يكن ملحناً ، ولم يكن مؤلفاً لمقطوعات موسيقية ، ولم يكن ذا صوت يؤهله أن يقدم الموال ، ولم يكن يقدم الإستعراضات الغنائية الضخمة .. وكان ذات طبقات صوتية محدودة .
موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب : كان مطرباً كبيراً وملحناً قديراً ومجدداً للموسيقى العربية ومؤلفاً موسيقياً ، قام بتمثيل عدداً محدوداً من الأفلام (غير الإستعراضية) وتوقف مبكراً عن التمثيل ، والسبب في ذلك يعود لسيطرة فريد الاطرش في أفلامه الإستعراضية وإدخاله أساليب لم تكن معهودة قبله ، إضافة إلى إقتباسات عبد الوهاب الظاهرة للعلن من كل حدب وصوب ، ومن الفريد أقتبس عدداً لا بأس به من الألحان .
لم يكن يقدم العزف على المسارح .. كان محصوراً ضمن المدرسة الموسيقية المصرية ...
أما الموسيقار فريد الأطرش ملك العود وموسيقار الأزمان فقد كان يملك مجمل ما كان يملكه هؤلاء الفنانون والملحنون ، بل كان يزيد عليهم في النقاط التالية :
كان الفريد عازفاً خطيراً على العود والبعض يساويه بالقصبجي والسنباطي ، لكن في الواقع أنه يتفوق عليهم في جوانب التكتيك والإنتقال السهل بين المقامات وخفة الريشة ، إضافة إلى رقة عزفه وعذوبة أوتاره ( وعدم الملل مهما كانت المعزوفة طويلة) وكان ملحناً قديراً ، لحن جميع الألوان الغنائية العربية ، وهذا لم يتوفر لأي ممن سبق ذكره .
كان مطرباً رائعاً وقديراً يملك مساحات صوتية هائلة ( بالرغم من مرضه المزمن)
كان مطرباً للأغاني الشعبية القصيرة والطويلة .
كان مطرباً للأغنية الرومانسية .
كان مطرباً للأغنية الطربية الطويلة .
كان مطرباً للموال بجميع أشكاله وألوانه وبجميع اللهجات العربية .
كان مطرباً للقصيدة العربية الأصيلة .
كان مطرباً للقصيدة الحديثة ذات الطابع التجديدي .
كان مطرباً للأوبريت الذي تفرد به عن سائر الآخرين وقد أهدانا عدداً منها غاية في الجمال والإبداع الفني الذي قل نظيره .
وأدى هذه الأوبريتات بجميع لهجات الأقطار العربية ببراعة نادرة ، وكان أول من أدخل هذا الفن الراقي إلى السينما العربية .
وكان يلحن لنفسه ويلحن للأخرين حتى أخر أيام عمره .
ومن المعروف عنه أنه من إحدى أعرق عائلات سوريا الشهيرة ، كذلك كان يملك أربع جنسيات عربية : السورية ، اللبنانية ، المصرية ، السودانية ، ليكون الفنان فريد الأطرش هو الوحيد والفريد في كل فنانين العرب الذي أمتاز أيضاً بذلك .
كذلك فإن من المعلومات الأساسية عن الفنان فريد الأطرش أنه أول من أستخدم فن الأوبريت فى السينما العربية ، وهو صاحب أول " دويتو" ، وأول من أدخل الموسيقى الطويلة إلى الموسيقى العربية ، وتجسّد ذلك فى أغنية "حبيب العمر" ، وهو أول من أدخل الألوان الغنائية والأشكال الموسيقية الغربية كالرومبا أو السامبا والفالس ، وأول من أدخل الآلات الموسيقية الغربية كالأورج والجيتار والكلارينيت إلى الموسيقى العربية .
أشترك الفنان فريد الأطرش فى 31 فيلماً سينمائياً ، فى الفترة الممتدة من سنة 1941 م حتى سنة 1975 م ، وكان بطلها جميعاً منذ أول ظهوره على الشاشة الكبيرة في فيلم " إنتصار الشباب " الذي عرض في 24/3/1941م ، وحتى آخر أفلامه فيلم " نغم في حياتي " الذي عرض في 25/8/1975م بعد وفاته ، وهو ما لم يحدث مع غيره من فنانين العرب .
كان مطرباً للأغنية الوطنية المتميزة عما كان شائعاً ، وهو أول من تغنى بثورة يوليه 1952 م ، وأول من غنى للوحدة العربية 1958 م ، وأول من غنى لجميع الأقطار العربية كافة .
كان ممثلاً خفيف الظل ومحبوباً ، يؤدي أدواره بتلقائية وعفوية .
كان فناناً طيب القلب خلوقاً وفياً لفنه ولأصدقائه .
كان كريماً إلى أبعد الحدود .
كان يساعد الآخرون دون علم أحد .. كان يرسل طلاباً إلى الخارج لتعليمهم في أهم جامعات أوروبا .
كان يكن الحب والإحترام لجميع فناني عصره ، بينما كان بعضهم ينصبون له العداء .
لقد كان يعطي بسخاء .. ويأخذ بمقدار ، يعطي شلالاً من الحب .. ويكتفي برذاذ من الحنان .
هل هي صدفة أن فرنسا إختارته من بين كل الفنانين العرب لتمنحه بإستحقاق (وسام الخلود) ؟؟؟!!! هذا الوسام الرفيع الذي لم يمنح إلا لثلاثة غيره وهم : بيتهوفن وموزارت وشوبان .
وهل يتسائل نقاد الفن لماذا إختارت جمعية المؤلفين والموسيقين في العالم وهى مركزها في فيينا فريد الأطرش بين 100 موسيقي عالمي ( حسب مجلة التايمز Time Magazine ) ؟؟؟!!!
وهل يعلم نقاد الفن والقيمين عليه أنه في العام 1964 م قدم الموسيقي العالمي الفرنسي (فرانك بورسيل) ، أربعة مقطوعات موسيقية لفريد الأطرش عُزفت من قِبَل أوركسترا تُعد الأكبر عالمياً ، وكانت المقطوعات : حبيب العمر ، نجوم الليل ، ليلى ، وزمردة ؟؟؟!!!
هل تعرف محطات الإذاعات والتلفزة أن أغاني فريد الأطرش تُرجمت إلى عدد كبير من اللغات منها الإنجليزية والفرنسية والأسبانية والألمانية والروسية والفارسية واليابانية والتركية والعبرية والصينية وغيرها وغيرها ،،، ويغنيها أهم المغنين الأجانب من مختلف دول العالم .
وقال عنه الدكتور وليد غلمية مدير المعهد الموسيقي الوطني اللبناني (سابقاً) : فريد الأطرش هو الأبرز بين معاصريه في إمكانية ترجمة أعماله الغنائية كي تُعزف أوركسترالياً ، وإن أغنياته بعباراتها وجملها اللحنية هي الأكثر قبولاً وطواعية لتحويلها إلى عملٍ موسيقي أوركسترالي ، وهو الأمر الذي حصل فعلاً بواسطة (فرانك بوسيل) و(رود غودوين) .
وكانت أغنية (يا زهرة في خيالي) أول لحن عربي يجتاز الحدود العربية إلى العالم وينتشر في كل أنحاء أوروبا .
خلال مشواره الفنى الطويل حاز الفنان فريد الأطرش على عشرات الجوائز المهمة ، ومنها: جائزة أعظم عازف عود فى العالم من تركيا عام 1962م ، وهو الفنان العربى الوحيد المسجل فى قائمة الفنانين الخالدين فى الموسوعة الفرنسية ، والفنان الوحيد حتى الآن الذى حصل على أكثر من 20 وساماً وقلادة من مختلف الدول العربية والعالمية ، ومنها ميدالية الخلود من فرنسا 1965م ، و وسام الإستحقاق من الرئيس جمال عبد الناصر، كما أنه المطرب العربى الوحيد الذى غنى من ألحانه كثيرون من المطربين العالميين ، منهم : داليدا وإنريكو ماسياس ، والثلاثى الأمريكى تريو ، وهذه الأغانى التى غنوها منها : يا جميل يا جميل ، ويا زهرة فى خيالى ، و وياك ، وإياك من حبى .
هذا هو فريد الأطرش !!! وهؤلاء هم من كانوا يعاصروه !!!
بالنتيجة المنطقية : كان فريد الأطرش يتساوى مع كل هؤلاء في كل مجالاتهم ، بل كان يتفوق عليهم فيما قدموه .. بينما هم لم يقدموا جميع المجالات التي قدمها .. فإذا تساوى أحدهم معه في نقطة ، تجده غير موجود في نقطة أخرى كان يملكها الفريد .
فهو أمتلك كل أدوات النجاح التي تخوله أن يكون فعلاً سيد فناني عصره دون منازع ، ليكون بذلك فريد العصر والزمان وكل عصر وزمان .