حينما أهلَّ عقد الأربعينيات من القرن العشرين ودخلت الحرب العالمية الثانية مراحلها الأخيرة.. كانت السينما المصرية قد قطعت شوطًا بعيدًا فى طريقها لأن تكون أداة التعبير الفنى الأشهر.. لتزاحم بذلك الإذاعة وتقلِّص كثيرًا من دور المسرح، فجذبت السينما اهتمام أقطاب الغناء فى هذه الحقبة.. فقدم محمد عبدالوهاب سلسلة أفلام بدأها بفيلم "الوردة البيضاء ـ 1933" وكان آخرها ـ فى أول عقد الأربعينيات ـ فيلم "ممنوع الحب ـ 1942"، ودخلت أم كلثوم مضمار السينما بعدة أفلام كان أولها "وداد ـ 1935" وآخرها "عايدة ـ 1942"، وبتتابع الأفلام الغنائية فإن شكل الأغنية تطور ليلائم وسيلة الانتشار الجديدة، حقيقة لم تكن أغنيات محمد عبدالوهاب وأم كلثوم وغيرهما فى أفلام الثلاثينيات سينمائية بمعنى ما تحمله الكلمة من أسس ومفاهيم، ولكن مفهوم الأغنية السينمائية ترسَّخ وأصبح واضحًا عندما قدم فريد الأطرش وشقيقته أسمهان فيلمهما الأول "انتصار الشباب" الذى عرض بدار سينما ستوديو مصر فى 24 مارس 1941، جاء نجاح "انتصار الشباب" كاسحًا وناسخًا لكل ما تقدمه من نجاح لقيه أى فيلم غنائى قبله، فقد استمر عرضه الأول سبعة أسابيع كاملة العدد فى حفلات اليوم الأربعة، آنذاك.. كان الفيلم الناجح يستمر عرضه لثلاثة أو أربعة أسابيع، فمثلاً.... انتهى العرض الأول لفيلم "ممنوع الحب" لمحمد عبدالوهاب فى 19 أبريل 1942 بعد أن استغرق أربعة أسابيع فقط، بل إن نجاح "انتصار الشباب" كان مضاعفًا.. لأن ما كان يعرض أمامه فى دور السينما بالقاهرة هو مجموعة من أقوى أفلام السينما الأمريكية على امتداد تاريخها مثل "ذهب مع الريح" لكلارك جيبيل وفيفيان لى و"الدكتور العظيم" لشارلى شابلن! إن العودة الآن إلى ما كتب فى صحافة تلك الأيام عن فيلم فريد الأول.. سوف يوضح لقارئ اليوم مدى ما لقيه من نجاح، فها هو المحرر الفنى لمجلة "الصباح" يصف النجاح الكبير لعرض الفيلم الأول فى عدد المجلة الصادر بتاريخ 28 مارس 1941 فيقول: "وقد صادف الفيلم نجاحًا أكثر مما كان يتوقعه كثيرون، وعُرف رأى الجماهير من مظاهر الإعجاب والتصفيق التى حيوا بها أسمهان وفريد وأحمد بدرخان فى نهاية الفيلم حيث كانوا بين المتفرجين"، وليس أدل على نجاح الفيلم وإقبال الجماهير على مشاهدته من ذهاب أم كلثوم إلى سينما ستوديو مصر بصحبة فريد فى أحد أيام الأسبوع الثانى لتشهد بعينها أول فيلم غنائى حقيقى فى تاريخ السينما المصرية.. ولتسمع بأذنيها "آراء المتفرجين الجالسين بالقرب منها ـ ولا يعلمون بحضورها ـ فى هذا الفيلم وبعض الأفلام الغنائية الأخري"، وذلك فيما سجَّله محرر "الصباح" فى عدد 4 أبريل 1941.الصورة اسفله تؤرخ لفريق العمل اثناء تصوير فيلم انتصار الشباب يبدو المخرج احمد بدرخان يتوسط كل من فريد الاطرش وزوجته اسمهان شقيقة الموسيقار فريد الاطرش