سجّلت أسمهان خلال حياتها القصيرة عدداً محدوداً من الأغاني، واقتصر نتاجها السينمائي على فيلمين، إلا أنها نالت بعد رحيلها شهرة واسعة لم تعرفها خلال مسيرتها الفنية التي بدأت في مطلع 1931 وانتهت في صيف 1944. رحلت أسمهان باكرا عن هذه الدنيا، غير أن أخبارها الخاصة عادت لتغزو الصحافة بشكل واسع بعد مرور سنتين. في تموز/يوليو 1946، ولمناسبة الذكرى الثانية لوفاتها، كتب زوج أسمهان الأخير، أحمد سالم، في مجلة “الصباح” مقالة بعنوان “كيف كانت أسمهان من أسباب انتصار الحلفاء في الشرق الأوسط”، ونقل رواية تقول إن أسمهان عادت إلى سوريا في مهمة سرية تقوم على دعوة أهل الجبل لمناصرة قوى المحور في حربهم على فرنسا المناصرة لألمانيا في ظل حكومة فيشي. وبعد عامين، قدّم محمد التابعي روايته للأحداث في سلسلة من المقالات استعاد من خلاله قصته الشخصية مع أسمهان، ونقل رواية أخرى لمسيرتها في الفن والسياسة والحياة. جاء الردّ النقدي على هذه الروايات من لبنان حيث كتب سعيد فريحة في مطلع العام 1949 في مجلة “الصياد” سلسلة من أربعة مقالات حملت عنوان “أسمهان في لبنان”، وقدّم رواية معاكسة تعزو اختلاط المطربة في هذه الحرب إلى حس المغامرة لديها، وسعيها إلى الحصول على المال الوفير الذي يؤمّن لها حياة الترف والعبث التي تعشقها. وتمثل هذه الروايات شهادات من رواة عرفوا أسمهان عن كثب، ورافقوها في حياتها الصاخبة. هكذا تشكّلت اسطورة أسمهان بعد رحيلها، مع العلم بأننا لم نجد حتى اليوم أي حديث لها في الصحافة. في أيار/مايو 1957، بدأت مجلة “الكواكب” بنشر سيرة مصوّرة لأسمهان حملت عنوان “النغم الحزين”، واستهلّتها بالقول “كانت حياتها لامعة كالشهاب، قصيرة كعمره”. وفي مطلع الستينات، كتب فوميل لبيب في “المصور” سلسلة من المقالات استعاد فيها فريد الأطرش سيرة حياة شقيقته من المهد إلى اللحد، وخرجت هذه السلسلة في كتاب بعنوان “قصة أسمهان يرويها فريد الأطرش”، كما خرجت سلسلة مقالات التابعي في كتاب “اسمهان تروي قصتها”. تحولت هذه الروايات إلى مراجع استند إليها عدد من الكتّاب وضعوا بدورهم كتباً تروي سيرة أسمهان، منها “أسمهان ملهاة الحقيقة ومأساة اللغز” لعبد العزيز القويعي، “نجمة عابرة” لماري سورا، “أسمهان ضحية الاستخبارات” لسعيد الجزائري، و"أسرار أسمهان: المرأة، الحرب، الغناء" لشريفة زهور. بعد هذه السلسلة من الروايات والأبحاث، سطع نجم أسمهان في مسلسل تلفزيوني استند بشكل أساسي إلى كتاب “أسمهان لعبة الحب والمخابرات” للكاتب سعيد أبو العينين. عُرض هذا المسلسل عام 2008، وحصد نجاحا عظيما، وأعيد عرضه مرارا في السنوات الأخيرة. ومع هذا النجاح الكبير، عادت أسمهان إلى الواجهة، وعاد السجال القديم الدائر حول ظروف حياتها وموتها.