كتاب ينصف فريدالاطرش بعد تعتيم مشبوهالنابغة الذي اعترف به العالم وكرمه الزعيم عبدالناصر ميرفت الأحمدية-لبنان[rtl]
[/rtl]
عزف على العود فرقصت قلوبنا عشقاً وطرباً وفرحاً. للموسيقار الراحل فريد الأطرش رحلة طويلة من الإبداع في عالم جميل وساحر من الأغنيات والألحان، انطلقت ألحانه من مصر إلى الشرق كله. ولد في ٢١ أبريل ١٩١٥ في سوريا من عائلة مشهود لها بالنضال ضد الاستعمار، كان عروبياً فخوراً بإنتمائه حالماً بمبدأ العدالة والمساواة وكان من الداعمين لأمة عربية موحده.
أعجب بأفكار الزعيم جمال عبد الناصر فكان من الداعمين لثورة ٢٣ يوليو مادياً ومعنوياً. وبادله عبد الناصر الحبّ بمثله فكان يخصّه بكثير من المحبّة والتقدير ومنحه وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى وكذلك قلادة النيل عام ١٩٦٢ ، وفي العام نفسه نال الموسيقار الكبير تقدير أهم وأعظم عازف على العود في تركيا.
بأسلوبه الموسيقي المتطور جمع بين أصالة الشرق وبما تأثر به من الموسيقى الغربية فأثار صدمة كبرى أدهشت كبار الفنانين العرب والأجانب حيث أدخل المقدمات الموسيقية الطويلة للأغنية العربية مما حدا بالمطرب العالمي شارل ازنافور الى القول إنه يؤمن بعبقرية فريد الأطرش وبموسيقاه.
ولكن للعبقريه ثمنا كبيرا. فبالرغم من تفرده إلا أنه واجه تعتيما في الإعلام، وحورب من أهل الفن ومن حسّاده خصوصا بعدما لمع نجمه في سماء الشرق، لكنه نجح في ايصال الموسيقى الشرقية الى رحاب العالمية دون عظماء عصره. وبعد سنه من وفاته( ١٩٧٥) منحته الاكاديمية الفرنسية وسام الخلود الذي حاز عليه شوبان وبتهوفن في العالم أجمع .
في عام ٢٠١٥ أصدر محمود الاحمدية كتاب “فريد الاطرش نابغة عصره” ذكر فيه الاسباب التي جعلت منظمة اليونسكو تعلن ٢٠١٥ عام مئوية فريد الاطرش، حيث كرمت المنظمة آنذاك ثلاثه عظماء وهم أديت بياف الفرنسية ، وفرانك سيناترا الأمريكي ،وفريد الأطرش العربي. ونظرا لتفرده بهذه العالمية فالقليلون يعلمون أن حوالي ٤٠ اغنية ومقطوعة موسيقية اجتازت الحدود العربية وقدمت بثماني لغات عالمية، بدءا من تانغو، يا زهرة في خيالي التي تغنى بها ثلاثة عشر مطربا ومطربة عالميين مروراً بنجوم الليل وأول همسه وغيرها، وُصفت موسيقاه تلك بأنها سمفونيات الموسيقى العربية. كما ذكر المؤلف بأن الموسيقار الراحل ساهم في نهضة السينما في مصر وخارجها حيث ترك واحدا وثلاثين فيلما وأكثر من ثلاث مائة أغنيه.
كان الموسيقار يستطيع أداء خمسة عشر مقاما بإبداع وتقنية فريدين كاسمه. ساهم في الأعمال الكلاسيكية الكبيرة والمتسمة بالتوزيع الموسيقى والمقامي البين ومسحة الحزن والحركة البطيئة، وسلط الضوء على فريد الإنسان الذي تألم كثيراً بوفاة شقيقته المطربة أسمهان التي كان لها دور محوري أيضا في الكتاب.
بحث المؤلف محمود الأحمدية عشرين عاما في سياق الدخول الى عمق حياة وفن وإبداع فريد الاطرش، وذلك بغية تثبيت عالمية الموسيقار بالأرقام والمستندات والوقائع وتسليط الضوء على التجنّي والتجاهل الذي لحقه في حياته وبعد رحيله عن هذه الفانية. لذلك نقل الأحداث بكل شفافية وبأسلوب مشوق حيث وثق أكثر من مئة حدث (events) في القارات الخمس تثبت عالمية فريد الاطرش نابغة عصره، وأوضح بالوثائق كيف أن مطربين ومطربات عالميين قدّموا اغانيه مثل داليدا ومايا كازبيانكا وأصوات لا تعد ولا تحصى.
وفي مجال مفهوم الرقص الشرقي هناك ثلاثة فنانين كبار غيروا تاريخ الفن الشرقي وذلك من النظرة الدونية التي كان ينظر بها العالم إلى الراقصه عندما كانوا يطلقون عليها لقب العالمه، حيث كان رقصها وحركة جسدها بالنسبة لهم كناية عن حفله جنسيه. يعود الفضل بتغير هذا المفهوم الىjean leon Gerome و Oscar wilde ولكن ايضا وعلى نحو كبير للموسيقار فريد الاطرش وعبر موسيقاه العالية التأثير بالإضافة إلى تأثيره على فراشة السينما المصرية الراقصة سامية جمال حيث تميز رقصها بالمزج بين الشرقي والرقصات الغربية فشكلا دويتو غنائي استعراضي ناجحاً ، فهو أبدع في نوتاته الفريدة، وهي قدمت على ألحانه واغنياته أحلى رقصاتها وأشهرها وكانت في وقتها فكرة جديدة في السينما ومًذّاك أصبح الرقص فناً محترماً وله قيمة وانتقلت الراقصة من لقب العالمه الى لقب الفنانة والمبدعة.
كذلك أراد المؤلف نزع صفة المطرب الباكي واندثارها الى الأبد، ويقول كم كانوا مخطئين وظالمين بإلصاق هذا اللقب الذي لا يمتّ بصله الى روح فريد بحيث لحن لأربعين فناناً وفنانه ومن بينهم المطربة صباح والمطرب محمد جمال ألحان راقصة تعانق السعادة والجمال والشغف ويختصر كل ذلك في أحلى لقب له المطرب والموسيقار العاطفي.
تحت عنوان ملوك السينما والأفلام الموسيقية، كتبت جريدة لوموند الفرنسيه العريقة في ٧ /٩/ ٢٠٠٩ عن نجوم الشباب للأفلام الموسيقيه، فذكرت فريد أستير، وبيتر ألكسندر وألفيس بريسلي، ولكن ايضا فريدالاطرش كأهم مطربين وممثلين في العالم.
لا بد من شكر مؤلف هذا الكتاب القيّم والذي اعاد بعضا من حقّ مُبدع عربي كبير على العرب والعالم، كما أنعش الكتاب أعمال وأمجاد الموسيقار من خلال لقاءاته عبر الإذاعة والتلفاز. ولو كان فريد الأطرش رُبما في دولة غربية لاقيمت له التماثيل وانتشرت الكتب حوله كالنار في الهشيم، صحيح أن مصرَ فتحت له كلّ أبوابها بعد استقراره فيها بدلا من وطنه الاصلي سوريا حيث لعائلته مجدٌ كبير، وصحيح أنه عشق مصرَ كما عشقته، لكن في عالمِ الابداع، ثمة من يريد دائما خنقَ كلّ صوتٍ مُنافس، وهذا بالضبط ما كان أحد أسباب التعتيم المشبوه عليه. وهو في كل مرة كان يخترق حواجز التعتيم فيُبهر الناس بإبداعه الذي ما أبقى في قلوب العرب أيّ باب مُقفلٍ في وجهه