سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 29 يناير 1970.. فريد الأطرش يعود إلى القاهرة بعد 42 شهرا من الغياب ومعه لَحنان لـ«أم كلثوم»حين هبط الفنان فريد الأطرش إلى مطار القاهرة فى 28 يناير،، 1970 بعد 42 شهرا من الغياب عن مصر، كانت فى استقباله بطاقة من الموسيقار محمد عبدالوهاب تقول: «ألف حمد الله على السلامة»، ومجموعة من الأصدقاء بينهم الشاعر مأمون الشناوى، وسمير صبرى، ومحرم فؤاد، وعازف الكمان أحمد الحفناوى، والموسيقار أحمد فؤاد حسن، قائد الفرقة الماسية، وفؤاد الأطرش وزوجته «وجيهة الأطرش» من جبل الدروز، حسبما تذكر «الأهرام» بصفحتها الأخيرة، 29 يناير، 1970، وتضيف: «إن الفنان الكبير أمضى فترة غيابه بين تكساس فى أمريكا لعلاج قلبه، وسويسرا ولندن وبيروت».
تذكر «الأهرام» أن فريد قال: «الحمد لله صحتى عال أنام بين 8و9 ساعات، قلبى كويس»، وعن مشروعاته الفنية قال: «أعددت لحنين لأم كلثوم، قصيدتان للأخطل الصغير وهما: زهرة من دمنا، ويقول فيها: عرس الأحرار أن تسقى العدا / أكئوسا حمرا وأنغاما حزانا، وقصيدة عش أنت إننى قد مت بعدك».
كان إعلان فريد عن لحنيه لأم كلثوم استمرارًا لأمل تمناه طوال حياته لكنه لم يتحقق، والأقاويل حول ذلك كثيرة، منها ما يذكره فريد فى لقاء له مع الإذاعة اللبنانية، قائلا: «أم كلثوم كانت تشعر بالغيرة من شقيقته أسمهان، وأنه رغم رحيل الأخيرة عام 1944 إلا أنها لم تنسَ أبدا أنه شقيق غريمتها الأولى وأول مطربة تهدد عرشها الغنائى».
غير أن الكاتب الناقد طارق الشناوى، يذكر سببا مختلفا حيث سأل الشاعر مأمون الشناوى: لماذا لم تغن أم كلثوم لفريد، ولماذا لم تحاول إقناعها بذلك؟ فأجاب: «حاولت ولكن السبب الحقيقى الذى لم تستطع أن تعلنه مباشرة أم كلثوم لفريد هو، أنها لم تكن تحب المذاق الموسيقى الذى تجده يشكل طابعا مميزا لكل ألحانه».
ويطرح الكاتب الصحفى رشاد كامل هذه المسألة، فى مقاله «بليغ حمدى يكشف السر: عدم غناء أم كلثوم ألحان فريد الأطرش» المنشور فى روز اليوسف، 17 أغسطس 2021»، ويذكر «كامل» أن بليغ قدم تفسيرا للخصام الفنى بين «ثومة» و«فريد» فى مقال رائع كتبه بعد فترة من رحيل «فريد»، بعنوان «دفاع عن الضياع الحضارى».
يقول «بليغ » فى مقاله: إن نجاح فريد الأطرش كان يكمن بالدرجة الأولى فى أنه جعل الجمهور منذ لحظته الأولى يحس تماما بوجوده وبتأثيره فى الغناء العربى والموسيقى الشرقية، وبعد ذلك بمساهمته فنيا فى تشكيل ذوق المستمع العربى لفترة زمنية طويلة».
يضيف بليغ: «إن فنانا يمتلك موهبة فريد الأطرش وقدرته وتفوقه إن من يرى ويسمع اسكتشاته الموسيقية والغنائية الجميلة فى أفلامه السينمائية يحس على الفور أن بذرة النجاح الضخم فى المسرح الغنائى كانت موجودة فى فن فريد الأطرش، إن التفسيرات لذلك كثيرة، ولكننى شخصيا مقتنعأ أن فريد كان معتزا للغاية بنفسه، وعنيد إلى آخر مدى، حتى فيما لا يخدم فنه هو! إن هذا هو السبب فى أن أم كلثوم لم تغن من ألحانه، إن فريد لم يعرف كيف يتعامل مع سيدة الغناء العربى أم كلثوم، كانت له طريقته فى التعامل، وهى طريقة كانت - فضلا عن اقتناعه بها - جزءا من شخصيته، هذه الطريقة هى التى جعلته يرى مثلا أن فنانا كبيرا وناجحا وشعبيا مثله، لا بد أن يكون له حق اختيار الكلمات التى يلحنها لكى تغنيها أم كلثوم.
وأم كلثوم من جانبها كانت ترى أن من حق فنانة فى مكانتها أن تختار الكلمات التى تنفعل بها والتى تعطيها لملحن ليلحنها، ولهذا السبب لم يتم هذا اللقاء الفنى الذى كان منتظرا وممكنا، لقد اختار فريد قصيدة الأخطل الصغير «وردة من دمنا» ليلحنها ويعرضها على أم كلثوم لكى تغنيها، إن أم كلثوم لم تغنها ليس اعتراضا على القصيدة ذاتها ولكن لسبب آخر حددته هى بكلماتها: «ما دام فريد عاوز يلحن لى إذن يلحن لى أغنية حفلة، أغنية تصلح لما أؤديه على المسرح فى حفلاتى، ولكن فريد رفض، إلا إذا غنت له أم كلثوم أولا أغنية «وردة من دمنا»، واعتبر هذا التصرف من أم كلثوم هو - أولا - إهانة له، أو تقليلا من شأنه وهو أمر لم يكن صحيحا بالطبع، وهو ثانيا تعامل معها بعناد هو فى الحقيقة جزء طبيعى - غير متعمد - من شخصيته، وهكذا خسرنا لقاء فنيا كان سيصبح مثمرا جدا وناجحا للغاية،