فريد الأطرش: الزواج مقصلة الغرام وجلاد الفنان رغم سحر النساء
*****************************
وحيد زمانه أحب كثيرا وتعذب أكثر
شادية نسمة أمل وسعادة أنعشت قلبه الحزين
أبهرته شخصية سامية جمال فعاش معها حب العمر
صفعة على وجه حبيبته أنهت فصلا وبدأت عهد جديد
مديحة بنت الأثرياء عشقته 10 سنوات من غير أمل
همسة الحب الأول مع بنت الجيران المسيحية
بساط الريح حمله وليلى الجزائرية من باريس إلى القاهرة
القاهرة- أحمد السماحي:
شكل صوت فريد الأطرش نبض الحب في كل مكان وزمان, يعبر عن ضحكة المحبين ودمعتهم, ولم يكن لحبه نتائج محسوسة ملموسة غير النتائج الروحية, سحرته النساء فتغنى وشدا, ولكنه أراد للمرأة جمالا حزينا كلحنه, أراد للمرأة هالة رائعة كصوته, ولم يجد ما أراد, أخفق وكان في أغانيه يمضي بالحبيبة إلى السماء وكأنها الملاك الطاهر, أحب كثيرا وتعذب أكثر.
كان أول حب لفريد الأطرش - كما يقول ابن أخيه فؤاد الأمير فيصل الأطرش, مع ابنة الجيران حين كان فريد في الثامنة عشرة وكانت الحبيبة تسكن بيتا أشبه بالفيللا دلالة الثراء وعلو الشأن, وقد بدأت قصتهما بالتأمل الطويل الصامت من الشبابيك, وأمضى شهرا يتمنى أن تجود عليه بابتسامة أو تتعطف بلفتة, وفى أحد الأيام ابتسمت له, وبدأ ينتظر طلتها كل يوم, واقتصر الحب بينهما على النظرات والابتسامات, لكن هذه النظرات كانت كافية ليقبل فريد على الحياة, واصبح يطل من النافذة كأنه يطل على الجنة, ويتلقى الابتسامة وكأنه وجد راحته, وبدأ هذا الحب يهون عليه المتاعب, فقد كان في هذا الوقت يدرس نهارا في معهد الموسيقى العربية, وبالليل يعمل في صالة بديعة مصابني, حتى يستطيع أن يعيش هو ووالدته وشقيقته آمال (أسمهان) وشقيقه فؤاد مستورين, كان يستحث الساعات أن تمضي وتسرع الخطى حتى يرى محبوبته,, فهي تنتظره في النافذة فيملأ منها عينيه وقلبه.
وبعد شهور من تبادل الابتسامات وحديث العيون, بدأ يجمع المعلومات عنها ليتقدم لخطبتها, فعرف إنها من الصعيد, وتلقى منها رسالة مليئة بكلمات تنم عن حبها الشديد, فسعد جدا وكاد يطير من الفرح, وبدأت مرحلة الرسائل التي ظلا يتبادلانها شهورًا, ولكن أيام السعادة لا تدوم فقد أحست أمها بأن ثمة ما يشغل ابنتها واستطاعت أن تضبطها أكثر من مرة وهى تجلس في الشرفة وتبتسم له, وعنفتها وأغلقت نافذتها وحرمت عليها دخول الشرفة.
غصة في القلب
ولم يبق لفريد بعد هذا الحصار غير اللحظات التي تعبر فيها الشارع إلى سيارة المدرسة, وأحس يومها بغصة في قلبه لأنه محروم من رؤية حبيبته التي لا تبعد عنها سوى أمتار قليلة جدا, وتمنى لو أن يراها كل ساعة وكل دقيقة ويحتويها في عينيه ويحتضنها بأهدابه, ويسمعها نبض قلبه وقرر أن يتقدم للزواج منها, ويوم أن فاتح أسرته في هذا الأمر, جاءت والدة حبيبته إلى منزله وأخبرته والدموع تسيل على خديها أن ابنتها مرضت بسبب حبها له, وأن هذا الحب محكوم عليه بالفشل لأكثر من سبب اولها أن حبيبته مسيحية, وثانيا لأنها مخطوبة لابن عمها, وثالثا لأنها مريضة بالقلب ويمكن أن تموت في أي لحظة لو أرهقت نفسها.
وبعد شهور طويلة طوى فريد صفحة الحب الأول في قلب كان ينزف بالألم, وكتب له صديق العائلة الشاعر يوسف بدروس بعد أن علم قصة حبه الأغنية الشهيرة "ياريتنى طير لأطير حواليك", وكتب له أيضا "عمري ما حقدر أنساكي", " أفوت عليك بعد نص الليل", وطبعت هذه الأغنيات على اسطوانات فحققت نجاحا كبيرا, وأصبح فريد الأطرش نجما.
بنت الأثرياء
بدأت الحياة تبتسم للأسرة الفقيرة خاصة بعد أن لمع اسم فريد ودخلت آمال أو أسمهان الوسط الفني وقدما اكثر من اسطوانة ناجحة, لدرجة لفتت أنظار طلعت حرب رجل الاقتصاد الأول في مصر فساندهما ووقف بجوارهما, وكان طبيعيا أن يسارع المنتجون إلى فريد وأسمهان لإقناعهما بخوض تجربة التمثيل السينمائي, وبعد محاولات عديدة وافق فريد وأسمهان على فيلم "انتصار الشباب" الذي حقق نجاحا كبيرا, ونالت أغنياته شهرة عريضة, جعلت فريد محط أنظار فتيات الأسر الراقية, وفي تلك الأيام تعرف فريد على سمراء تدعى"مديحة" ابنة أسرة أرستقراطية, لم تكن السمراء بنت الاثرياء ملكة جمال, لكنها تتمتع بجاذبية خاصة وخفة ظل, مدعومة ببديهة سريعة أعجبته, ولها من جمال القد ما يليق حقا بملكة جمال, ولما أحس اهتمامها الذكي بدأ قلبه يميل إليها, واستطاعت أن تضيف إلى الاهتمام ركن العادة, فكثرت زياراته إلى أسرتها فارتفعت الكلفة وانحسر الحجاب, وصادقت مديحة أسمهان فصار من حقها أن تزورهم في أي وقت ودون أي ميعاد, وبدأ لمس يده ليدها يعنى شيئا خاصا, فإذا تركت يدها الطرية في يده فقلبه يتلقى السلام, وأسرته أكثر باهتمامها الشديد بفنه, فإذا جلست أمامه لتسمع الجديد من ألحانه تستغرق في الاستماع بما يقطع إنها مخلوقة حساسة القلب دافئة المشاعر, ويوما بعد الآخر ولقاء بعد الآخر تسللت إلى قلبه واستقرت في حنايا صدره وملأت الفراغ الذي خلفته حبيبته الاولى.
وفى أحد الأيام زارته حبيبته وقالت له: الناس تقول مادام فريد يحبك كل هذا الحب لماذا لا يتزوجك?
وزاره مجموعة من أصدقائه فحكى لهم ما حدث بينه وبين مديحة فقالوا له: حقها وإذا فقدتها لن تعوضها .
فقال لهم: أنا لن أفقدها إلا إذا تزوجتها فالحب وحده أجمل من الزواج, إن الزواج مقصلة الحب وجلاد الفنان.
وقد نقل فريد المناقشة التي دارت بينه وبين أصدقائه الى مديحة عندما عادت اليه بعد غضب أسبوع, أنكرت عليهم تدخلهم وقالت له أنها تحبه ولا تريد أكثر من أن تكون بجواره.
ولم يكن يتصور أن يفقدها في لحظة, ويتحول عنها القلب في حادثة لم تكن تخطر على باله, فقد ذهب ذات ليلة إلى ملهى الأريزونا ومعه حبيبته السمراء الثرية, وكانت ترقص في الملهى راقصة ناشئة كان يراها في الاستديو حيث ترقص في فرق المجموعة في أفلامه.
وحين رأته في الأريزونا سعدت جدا بهذه المفاجأة واعتقدت أنه جاء ليشاهد رقصاتها, واقتربت من مائدته حتى أحس رواد المكان أنها ترقص له وحده, وازداد فريد حماسا لها خاصة أنها تجيد الرقص بمهارة شديدة, واستغرق في عبارات الثناء والتشجيع, وصديقته مديحة السمراء تقضم أظافرها في عصبية وتشعل سيجارة وتطفئها قبل أن تنتهي من تدخينها, ثم قالت فجأة: لابد أن تحترم شعوري,, إنك تحطم كبريائي أمام(...) وفاهت بكلمة يعاقب عليها القانون, وسمع من في المكان عبارتها, وتوقفت الراقصة وانخرطت في البكاء, وغلى الدم في عروق فريد الأطرش فرفع يده وهوى بها على وجه بنت الاثرياء بصفعة مزلزلة, وكتب بهذه الصفعة فصلا جديدا في حياة فريد الأطرش حيث كانت الراقصة الناشئة هي سامية جمال.
انتصار الشباب
كان فريد قد تعرف على سامية جمال في فيلم "انتصار الشباب", فقد دخل بها حلمي رفلة مساعد المخرج وقتئذ إلى البلاتوه وكانت سمراء, وفى السمراوات مغناطيسية يتحرك قلب فريد إلى مجالها دون أن يدري, لا يزيد عمرها عن السادسة عشرة وفى وجهها طيبة وسذاجة, وفى قوامها أنوثة, وقال حلمي إنه وجدها واقفة على باب الاستوديو فظنها تلميذة من المجنونات بالفن هربت من أهلها وجاءت كالفراشة تحوم حول الأضواء, لكنها قالت إنها تجيد الرقص, وتم التعارف بين فريد وسامية ورقصت مع مجموعة الراقصات في أوبريت "ليالي الأندلس", وانقطعت علاقته بها, لكنها كانت حريصة طوال الوقت على إرسال باقات الزهور إلى فريد في كل المناسبات, حتى تقابلا في ملهى الأريزونا, ويومها شعر فجأة بأنه يكره بنت الاثرياء وأن القناع الذي كان على وجهها قد سقط فكشف عن إنها تنظر إلى الفن من علياء, وأن سامية جمال أقرب إليه منها, خاصة انها في اليوم التالي سألت عليه وكانت استردت روحها المرحة وسألته بلطف شديد هل أفسدت عليكما سهرة أمس?. فقال لها: نحن الذين أفسدنا عليك رقصتك الرائعة فانهيتها قبل الأوان وذهبت أسأل عليك في الكواليس فعرفت إنك كنت في أشد حالات الانهيار والحزن بسبب ما حدث, عموما لم تكن الإهانة لك بقدر ما كانت لي, فهل تقبلين دعوتي على الغداء حتى اعتذر لك? فقالت: بكل سرور.
وبعدها شعر ان اعصابه ممزقة, فقد كان يفكر في سامية تفكيرا يدفعه إليها دفعا, ويتذكر كل مواقفها القديمة في تقدير وامتنان, وفى نفس الوقت يفكر في مديحة التي ضيعت من عمرها عشر سنوات بجواره, وتفانيها في سعادته, بغير مبالاة لما يقوله أهلها, فوقع في حيرة شديدة.
وجاءت سامية للغداء وقالت بسعادة اشكر الأريزونا أنه دبر لي الموعد معك بدون عناء, وكانت ذكية فلم تتحدث عن مديحة أو في ما حدث, ولم تؤمن على ثورة فريد على حبيبته بالعكس فلقد التمست لها العذر, ورددت أنه قسا عليها, وشف هذا عن طيبة قلب سامية التي وقع الأطرش في حبها, خاصة بعد أن تركته مديحة ولم تقف بجواره أثناء وفاة شقيقته أسمهان حيث انهار عندما علم بغرقها, ووقفت سامية بجواره تطيب جراحه, ومرت شهور توقف فيها فريد عن العمل حزنا على شقيقته التي رحلت في ريعان الشباب, وفى أحد الأيام زاره المخرج هنري بركات ومعه سيناريو فيلم "حبيب العمر", وبعد القراءة أعجب فريد بالسيناريو لكن وقفت عقبة البطلة أمامهما إلى أن قال فريد ستقوم ببطولة الفيلم سامية جمال, ورحب بركات, وعرض الفيلم وحقق إيرادات خيالية لم يتوقعها أحد, وكان اساس الثراء بعد ذلك, وقفز الفيلم باسم سامية جمال إلى قمة لم يكن أحد يحلم بها, وتوالت الأفلام التي قدمها فريد وسامية مثل "أحبك أنت, آخر كدبة, تعال سلم, ماتقولش لحد, عفريتة هانم".
وأصبحت سامية نجمة كبيرة, وبدأ أولاد الحلال يتدخلون بينها وبين فريد الأطرش ويقولون لها: لماذا لا يتزوجك فريد ? فتقول لهم إنها سعيدة ولا ينقصها شيء, فيقولون: إذن لا تدرين ماذا يقول عنك? فتسمع لهم فيقولون لها: إنه يقول أنه أمير من أسرة الأطرش ولا يجب أن يتزوج راقصة. فتصدق وتثور, وبعضهم يقول: إنك سبب نجاح أفلامه ولو خرجت من حياته ومن أفلامه لن تقوم له قائمة. وبدأت حياة سامية وفريد يتخللها الكثير من المشاكل إلى أن افترقا بعد حب كبير جمع قلبيهما ونجاح مشترك لحقبة لا تنسى.
عايزة أتجوز
وبعد الفراق بين فريد وسامية, أحب فريد أن ينسي حبه لإنسانة دخلت قلبه رغم كثرة ما عرف من نساء, فذهب إلى باريس للاستجمام والنسيان وهناك تعرف على الراقصة ليلى الجزائرية, وتذكر أنها من بلد الذين احتجوا عليه عندما نسي أن يذكرهم في اوبريت "بساط الريح", فقال لها: أنا أخطأت في حق الجزائريين حين لم أعرج عليها ببساط الريح, ما رأيك لو أخذتك على هذا البساط إلى القاهرة وقدمتك في أفلامي? فوافقت وحضرت للقاهرة, وأشاعت المرح في حياته وكانت صديقة لطيفة المعشر, وقدما معا فيلم "عايزة اتجوز" وغنى لها "نورا نورا" التي حققت نجاحا كبيرا, لكنها قالت له في أحد الأيام "عايزة اتجوز", فقال: بإذن الله تتزوجين من رجل يقدرك ويحميك, فغضبت عندما تأكدت أن فريد لن يتزوجها, ورجعت مرة ثانية إلى باريس, ليبقى فريد وحيدا بين جدران شقته الفاخرة.
ولأن فريد لا يستطيع العيش من دون حب, فقد هبت شادية على حياة فريد كالنسمة الرقيقة ولاحت بساطتها ورنت ضحكاتها الصافية الهنية, فاخترقت قلب فريد الحزين الذي بدأ يتعب, وملأت شادية حياته وجعلته يبدل نظرته للدنيا والناس, وأشاعت فيها السعادة والأمل, وأفعمتهما بالحنان والاهتمام الذي كان يبحث عنهما, ولأول مرة بعد أن أصبح نجما كبيرا يفكر في الزواج من شادية, وقال لنفسه سوف أذهب إلى باريس لإجراء بعض الفحوصات على القلب, وإذا وجدت أنني لا أستطيع الاستغناء عنها سأتزوجها فورا, وتركها, وفى الطائرة بدأت شادية تطارده في صحوه ومنامه, وبعد عشرة أيام وجد نفسه لا يستطيع الابتعاد عنها فقرر الرجوع فورا إلى القاهرة ليعلن زواجه منها, لكنه وبعد أن وضع حقائب السفر وجد الخادم يحضر له الصحف وفى صفحاتها الأولى خبر زواج شادية من المهندس عزيز فتحي, فرمى الجريدة في الأرض ووقع مغشيا عليه, وبعد شفائه تأكد له إنه سيعيش وحيدا.
نقلا عن جريده السياسه 18-8-2011