عند البحث في المراجع الطبية، الأجنبية منها والعربية وجد أن الأطباء المسلمين كانوا على علم كبير بطب الأطفال وبخاصة في الجوانب العملية منه، فمنهم من بحث في علم الأجنة والأمراض الناتجة عن الوراثة ومنهم من ألف كتابا عن المولودين لسبعة أشهر وأصول تربيتهم ومنهم من بحث في شروط المرضعة وأصناف الحليب . وكثير منهم من بحث فى علل الأطفال ومعالجتهم وإذا كان الغربيون يفخرون بأن أول إنتاج كتب فى طب الأطفال من قبل أطباء بادوا Padua بعد اختراع الطباعة سنة 877هـ /1472 م إلا أن معظم ما يحويه هذا الكراس مقتبس من الأطباء العرب كما يعترف بذلك جالس سنجر في كتابه: مختصر تاريخ الطب، وإن ابن الجزار سبقهم بعدة قرون في تأليف أول كتاب في علم طب الأطفال .
وأشهر هؤلاء حسب التسلسل الزمني: ثابت بن قرة ، وكتبه في طب الأطفال هي: رسالة في الحصبة والجدري ، وكتاب: في نمو الجنين . وكتاب: في المولودين لسبعة أشهر . وهذه الكتب مفقودة، وفصل في كتاب الذخيرة في الطب عن أوصاف الحليب. و الرازي وله كتاب مشهور في طب الأطفال يسمى: سياسة الصبيان وتدبيرهم . و يسجل التاريخ لابن الجزار لأول مرة دراسة مركزة موضوعية تسلك مسلك الاختصاص في طب الأطفال كما يتصوره الطب المعاصر . ويستدلون على كون هذا الكتاب هو أول تأليف في طب الأطفال لما يشير إليه ابن الجزار في مقدمة الكتاب حيث يقول ( ولم أر لأحد من الأوائل المتقدمين المرضيين في ذلك كتابا كاملا شافيا بل رأيت ما يحتاج من علمه ومعرفته من ذلك متفرقا في كتب شتى وأماكن مختلفة ) ويذكر قسم من الباحثين بأن ابن سينا قد اقتبس كثيرا من آراء ابن الجزار في تربية الأطفال . وعريب بن سعد الكاتب القرطبى الطبيب الشاعر المؤرخ الأندلسي الذى عاش في القرن الرابع الهجرى / العاشر الميلادي ألف كتابا واسمه خلق الجنين وتدبير الحبالى والمولودين وهو على حسب ما يبدو أول مؤلف في علم الولادة، كما أنه أنفس مؤلف في طب الأطفال وأروع إنتاج كامل فى هذا الحقل بالنسبة لتلك الحقبة التاريخية. و علي بن العباس المجوسي: ومن مؤلفاته كتاب كامل الصناعة الفنية وفي الكتاب أربعة أبواب لطب الأطفال. و الشيخ الرئيس ابن سينا الذى خصص في مؤلفه المسمى القانون في الطب في الجزء الأول قسما لتربية الأطفال وأمراضهم سماه: التعليم الأول في التربية وهو أربعة فصول. وفى الجزء الثالث من القانون وضع ابن سينا فصلا في الحصبة وفصلا في الجدري وآخر في الحميات، وكذلك فصلا عن التشنج عند الأطفال . وابن جزلة البغدادي المتوفى سنة 493هـ /1099 م ومن مؤلفاته كتاب: تقويم الأبدان في تدبير الإنسان يفرق فيه بين أمراض الأطفال والشباب والشيخوخة ويتكلم عن كثير من أمراض الأطفال وكيفية علاجها. و ابن هبل ولقد عقد ثلاثة فصول عن تدبير المولود وتغذيته ومداواة أمراض الأطفال في كتابه: المختارات في الطب الجزء الأول، وكذلك رسالة ابن مندويه عن طب الأطفال.
أدوار حياة الطفل
الأطباء المسلمون لم يهملوا الناحية الأكاديمية في دراسة الطب، هذه الناحية المهمة التي تسهلعلى طالب الطب الإحاطة بدقائق هذا العلم الواسع حينما يتكلمون عن نمو الأطفال وتكاملهم وتربيتهم وأنواع أمراضهم وعلاجاتها. فيقسمون حياة الطفل تقسيما لا يختلف كثيرا عما يكتبه علماء طب الأطفال المحدثون، ويسمون ذلك أسنان الطفل وأسنان الطفل عندهم أربعة:
السن الأول: سن الولدان، وهو الجزء من حياة الطفل المحصورة من وقت خروجهم من الأرحام ومباشرتهم الهواء إلى أربعين يوما .
السن الثاني: سن الصبيان وهو من بعد استكمالهم وإلى وقت نبات أضراسهم .
السن الثالث: وهو من بعد نبات الأضراس إلى سن سبع سنين .
السن الرابع: سن المحتلمين وهو من بعد سبع سنين إلى وقت احتلامهم أى إلى سن البلوغ .
المولودون لسبعة أشهر
لقد عني كثير من الأطباء المسلمين بموضوع المولودين لسبعة أشهر فمنهم من ألف كتابا في هذا الموضوع وكثير منهم من خصص فصولا كاملة عن كيفية العناية بهم وتربيتهم وهل هم يعيشون أم لا ؟
العناية بالمولود حديث الولادة
لقد شرح كثير ممن ألفوا في هذا الباب -في غاية الدقة- كيفية استقبال الطفل حين الولادة وكيفية تدبيره وتقميطه وتغذيته وكذلك وضعوا شروطا للغرفة التى يجب أن يرقد فيها من الناحية الصحية كالتهوية واعتدال الحرارة وأكدوا على وجوب العناية بأذن الطفل وعينيه عند الولادة.
تغذية الطفل
ليس الاهتمام بتغذية الطفل شيئا حديثا وإنما هو قديم قدم الإنسان وقد بلغ الذروة عند الأطباء العرب. فنجدهم يمنعون الرضاعة عن الطفل الوليد خ لال الأيام الأولى بعد الولادة ويعطونه أثناء ذلك قليلا من العسل أو ماء الزبيب لتفريغ مادة الميكونيوم ( العِقْي ) من أمعائه .
ونجدهم قد أجمعوا قاطبة على كون حليب الأم أفضل أنواع الحليب للطفل ومنهم ابن سينا وعلي بن العباس المجوسي الذي اشترط شروطا لمنع الرضاعة منها: إصابة الأم بالأمراض أو قلة لبنها، فيعهد بالطفل إلى مرضعة ترضعه وترعاه. بل إنهم وضعوا للمرضعة شروطا عديدة. وأما عن وصف نوعية حليب الأم الجيد فيقول ابن سينا: "وأما في كيفية لبنها فأن يكون قوامه معتدلا ومقداره معتدلا ولونه إلى البياض" .
وأما عن تغذية الطفل بأغذية إضافية عدا حليب الأم فقد أجمعوا على تغذيته بالتدريج وإعطاء الأغذية اللطيفة كعصير الفواكه والكعك ودهن اللوز والسكر.
فطام الطفل
لقد اتفق الأطباء المسلمون جميعا على أن تكون مدة الرضاعة سنتان كما جاء فى الآية الكريمة : "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة". وكذلك اتفقوا على أن يكون الفطام بالتدريج وليس دفعة واحدة تماما كما يقره طب الأطفال الحديث . وأما عن موسم الفطام فقد اشترطوا أن تكون في الأوقات المعتدلة وحذروا من الفطام فى الصيف الحار والشتاء القارص تماما كما يقر الطب الحديث.
النمو الطبيعي للأطفال
تدرج المهارات الحركية عند الطفل
لقد تميز الأطباء المسلمون عن غيرهم ممن سبقوهم بدقة الملاحظة وعمق البحث والتمحيص، فدرسوا حياة الطفل ونموه الطبيعى منذ الولادة حتى البلوغ، ووصفوا ذلك ببرامج وضعوها وحددوا مواعيد لا تختلف عما أقره الطب الحديث.
وذكروا أن ملكة الإصغاء أي الالتفات إلى مصدر الصوت يكون في السن الثاني من أسنان الطفل أي بحدود الثلاثة أشهر كما نعلم. وذكروا أن أسنان الطفل تنبت غالبا في الشهر السابع وربما عجل نباتها لبعضهم في الشهر الخامس أو تأخر إلى عشرة أشهر .
وذكروا أن المشي يكون في السن الثالث أي بحدود السنة، وكذلك كلام الطفل يدخل في هذه السنة وأكدوا على عدم إرغام الطفل على المشى بل تركه على الطبيعة وإعانته باستعمال دراجة خشبية على قدر قامته تجرى على فلك وكذلك أكدوا على التكلم مع الطفل وتلقينه لفظا خفيفا ليتدرب على الكلام .