الاخوه الاعزاء وجدت هذه المقالات للسيد زياد العيساوي ولكونه يكتب بموضوعيه بعيدا عن الاحقاد والدوافع الاخرى انقل لكم مقالا اخر له اتمنى ان يعجبكم
فريد الأطرش : المطرب و الموسيقار
بريشة النعام ، التي ما فارقت لحظة ًأنامله الرقيقة ، و عزف بها على أوتار عوده ، رسم لنا لوحاتٍ مسموعةٍ ، تجذّرت بصماتها على جدارية طبول آذاننا ، فرقصت من فرط حلاوتها بناتُ أحلامنا ، و صعدت على سلالمها الموسيقية إلى قمة الطرب الأصيل ، حتى هامت في دنيا الخيال ، فسمت في العلياء ، كما هو سام ٍ في الغناء بسمو الأمراء ، و ما هوت ، و لا تود أنْ تبرحها و لا تطرحها من ذاكرة أفراحنا ، و بها لامس جِراح أفئدتنا ، بعد أنْ نقــّعها في حبر أعيننا الشفـّاف ، كما كان يغمس العاشق - في سالف العصر و الأوان - ريشته في محبرةٍ استجلبها من بلاد الصين ، لا يضيع مِدادها ، على رقعة من أفضل الجلود ، التي دبغها و جفــّفها بملح الخلود ، ليُسطـّر عليها رسائله ، فتغدو - فيما بعد - أسفاراً للعشـّاق بلحن و طعم الحياة ، هكذا هي بسمعي قبل نظري ، أعماله الغنائية و اللحنية و الموسيقية ، فلا تلوموني إنْ عدت و أبديت عناية ًكبيرةً بفقيد الغناء العربي " فريد الأطرش " في هذه المقالة و غيرها من مقالات أخريات ستليها ، و لكم الحقُّ إنْ مللتموني ، فذاك شعور ٌ إنساني طبيعي ، لا أؤاخذكم عليه البتـّة.
فالإرث الفنّي ، الذي تركه لنا هذا الفنان العملاق ، و صرنا كلنا ورثته الشرعيين ، هو حقلٌ خصب ٌ للتناول ، لما فيه من تنوع و غزارةٍ و عذوبةٍ ، فهو كما الأزهار التي يتعذر قِطاف روائحها في قنينةٍ واحدةٍ ، لذا يصعب الإلمام بأعماله كلها في مقالةٍ واحدةٍ ، قد تـُضيَّع عبقها ، فأعماله الغنائية و اللحنية و الموسيقية ، كما البساتين المُزدانـَة بمختلف ورود الدنيا و بتعدُّد ألوانها و عطورها العبقة ، هكذا أراها و أشتمها بأذنيّ ، فقد شربت من تربةٍ خصبةٍ ، و نمت و تكاثرت بتكاثر محبيه من معاصريه و الجيل الجديد ، الذي يشرأب الطرب و يتلمس و ينشد الجمال في غير أوانه الصحيح .
فريد الأطرش المُطـّرِّب :
أرى قـُبالة عينيّ الآن ، بستاناً من بساتينه الخضراء ، مكتوبٌ عليه بأطواق الياسمين ( الأغنية الاجتماعية ) فيه على كل شجرة من شجيراته المزهرة ، عدة أغان ٍ، اخترت لكم منها هذه الأغنية الفاتنة بكلماتها و لحنها و أدائها ، و لعلّ ما يعجبني في هذه الرائعة ، و ربما لا تتصورونه ، هو حُسن اختياره للـ ( كورال ) النسائي من دون الرجال ، ليشعرك و هنّ يردّدن - بطربٍ و فرح ٍ- وراءه مطلع الأغنية في كل مرة ، بأنهن كالحوريات اللواتي يغوينك و ينادينك ، لأجل أنْ تدخل إلى هذا البستان الجميل ، فإذا كانت الدنيا بهذا الطعم ، فما بالكم يا أخواني بالجنة ، التي عرضها السموات و الأرض ؟ التي في مفردات هذه الأغنية ، دعوة للظفر بها ، من خلال ما تخللها من دعوة للاستبشار و التفاؤل و ما إليهما من معان ٍسامياتٍ ، فهذه الأغنية دالة على ذلك ، كما يدّهشني فيها ، أنه على الرغم ، من أنّ هذا الفنان مُشبَعٌ بالهموم ، إلا أنه أدّى لنا هذه الأغنية ، و هوّ في أعلى مراتب الفرح ، كي يطبّـب بها أحزاننا و يجبّر انكساراتنا :
أغنية : الحياة حلوة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كلمات الشاعر و الزجّال و الأديب : محمود بيرم التونسي
لحن و أداء أمير الطرب العربي : فريد الأطرش
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحياة حلوة بس نفهمها
الحياة غنوة ما أحلى أنغامها
ارقصوا و غنوا و انسوا اهمومها
...
الحياة وردة للي يرعاها
الحياة مرة وحدة نحياها
فوزوا بمتاعها و انسوا أوجاعها
ليه نضيعها .. دي الحياة حلوة
...
الحياة تضحك للي يتبسم
و اللي مكشر ده اللي يتألم
دي الحياة جنة عشها و اتهنى
و أوعى تستنى .. دي الحياة حلوة
...
الطيور غنّت غنّي وياها
ع الغصون حلّت للأليف جاها
هنّي أحبابك ود أصحابك
و ارضى بما نابك .. دي الحياة حلوة ..
كأنني في هذه اللحظات ، بصوتِه يتناهى إلى سمعي ، و هوّ يترنّم في دنيا السحر و الجمال على آلة ( البيانو ) بلوني مفاتيحها الأبيض و الأسود ، لونا المحبة في عُرفه - فإما أو- هكذا يخاطب بكلماته محبوبته ، في معان ٍلطيفة و عفوية ، بتلقائية هذا اللحن الباسق في هذا البستان المُدّون على ثغور وريقاته ، حروف نوتاته الموسيقية العالمية بلهجته العامية ، التي فاح أريجها مع نـُسيمات البحر و وصل إلي حيث منتهاه ، بهذه الترنيمة الأخـّاذة من فيلم ( رسالة من امرأة مجهولة ) :
أغنية : قلبي و مفتاحه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كلمات الشاعر : فتحي قورة
لحن و أداء موسيقار الأزمان : فريد الأطرش
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قلبي و مفتاحه دول ملك أيديك
و مساه و صباحه بيسألني عليك
...
كان حبك شمعة في يوم عيدي
و طفاه الدمع و تنهيدي
من يوم ما أيديك لمست أيدي
و كأنك قلت يا نار أيدي
و ما دام مشغول يا حبيبي
مش كنت اتقول يا حبيبي ؟
دا القلب جراحه من رمش عينيك
و مساه و صباحه بيسألني عليك
...
يا حبيبي ياريت ابقى حبيبك
و أكون من بختك و نصيبك
دنا مهما بتقسى برضو راضيبك
و اتسيبني الروح قبل ما اسيبك
قلبي عمل أيه يا حبيبي
ليه تقسى عليه يا حبيبي ؟
وحشته أفراحه من شوقه إليك
و مساه و صباحه بيسألني عليك ..
فريد الأطرش الموسيقار :
فريد الموسيقي ، و ما أدراكم من هو ؟ ها هي موسيقاه تردّ بينا إلى عالم ألف ليلة و ليلة ، و تبعثه من جديد إزاءنا ، و بالتحديد إلى صفحةِ حكاية ( سندباد البحري ) و ( علي بابا ) و ( علاء الدين ) و هيّ تتهادى من خميلة جميلة ، غنّاء بالغِناء في فناء من قصور ( بغداد ) و ( دمشق ) و ( بلاد الأندلس) في مقطوعته الموسيقية ( سوق العبيد ) حينما كان العرب و المسلمون سادةَ المعمورة ، و أيام كان للوالي العبيدُ و الجواري ، جاعلاً نغماتها الصادرة من آلاته الموسيقية ، تترجم هذه المعاني :
أهاتِ و أنّاتِ الكادحين
أصواتِ صياطِ المُعذبين
نغماتٍ من زمن ٍسحيق ٍ
يجودُ بالعبق و الرحيق
صيحاتٍ لجلودٍ لفحتها الشـّمس
تخدّشت على جدار زمن الأمس
رسائل ممّن يتوقون إلى الحرية
هدهداتٍ لطيور ٍتحوم في البريّة
و تغرد بأنغام الانعتاق في الفجرية
هتافاتٍ من زمن أضعناه و ما أضاعنا
ساكنٌ ذاكرة أمجادنا ..
فهذا الفنّان لم يعبّر عنّا و كفى ، بل استطاع أنْ يجعل موسيقاه كما آلة الزمن ، التي عادت بنا إلى تلكم الأزمنة الغابرة ، فعبّر من خلالها ، عن اختلاجات و كلمات و حركات و أفراح و أحزان حتى أولئك المساكين المضطهدين زمن اضطهاد العبيد .
زياد العـيساوي
بنغازي _ ليبيا
منقول
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]