فريد الاطرش نغم في حياة العرب
بقلم الدكتور نبيل حنفي محمود ( الحلقة الثانية )
منذ أن عرف الناس صوت فريد ورصيده من حب الجمهور فى نمو وازدياد، حتى لقد عدّه الكثير من النقاد مثل د. رتيبة الحفنى وكمال النجمى المنافس الوحيد والحقيقى لمحمد عبدالوهاب، إذ قدم فريد فى سنوات بداياته الأولى فى عقد الثلاثينيات الكثير الذى جذب إليه جماهير الطبقة الراقية من المجتمع، فبالإضافة إلى تميز صوته وسحر عزفه على العود.. فإن استعانته بالكثير من قوالب الموسيقى الغربية كالتانجو والرومبا والفالس فى صياغة ألحانه الأولى ذات النكهة والأصل الشرقى جذب إليه أسماع المثقفين من أبناء الطبقة الراقية، ويرى الناقد المعروف كمال النجمى أن ذلك كان السبب الرئيسى وراء توسع محمد عبدالوهاب فى الأخذ من الموسيقى الغربية لمجاراة فريد فى جديده الذى جاء به.. ومحافظة على جمهوره من الطبقة الراقية الذى يملك المال والجاه والكثير من أسباب نجاح أى مبدع(2).
حينما أهلَّ عقد الأربعينيات من القرن العشرين ودخلت الحرب العالمية الثانية مراحلها الأخيرة.. كانت السينما المصرية قد قطعت شوطًا بعيدًا فى طريقها لأن تكون أداة التعبير الفنى الأشهر.. لتزاحم بذلك الإذاعة وتقلِّص كثيرًا من دور المسرح، فجذبت السينما اهتمام أقطاب الغناء فى هذه الحقبة.. فقدم محمد عبدالوهاب سلسلة أفلام بدأها بفيلم "الوردة البيضاء ـ 1933" وكان آخرها ـ فى أول عقد الأربعينيات ـ فيلم "ممنوع الحب ـ 1942"، ودخلت أم كلثوم مضمار السينما بعدة أفلام كان أولها "وداد ـ 1935" وآخرها "عايدة ـ 1942"، وبتتابع الأفلام الغنائية فإن شكل الأغنية تطور ليلائم وسيلة الانتشار الجديدة، حقيقة لم تكن أغنيات محمد عبدالوهاب وأم كلثوم وغيرهما فى أفلام الثلاثينيات سينمائية بمعنى ما تحمله الكلمة من أسس ومفاهيم، ولكن مفهوم الأغنية السينمائية ترسَّخ وأصبح واضحًا عندما قدم فريد الأطرش وشقيقته أسمهان فيلمهما الأول "انتصار الشباب" الذى عرض بدار سينما ستوديو مصر فى 24 مارس 1941، جاء نجاح "انتصار الشباب" كاسحًا وناسخًا لكل ما تقدمه من نجاح لقيه أى فيلم غنائى قبله، فقد استمر عرضه الأول سبعة أسابيع كاملة العدد فى حفلات اليوم الأربعة، آنذاك.. كان الفيلم الناجح يستمر عرضه لثلاثة أو أربعة أسابيع، فمثلاً.... انتهى العرض الأول لفيلم "ممنوع الحب" لمحمد عبدالوهاب فى 19 أبريل 1942 بعد أن استغرق أربعة أسابيع فقط، بل إن نجاح "انتصار الشباب" كان مضاعفًا.. لأن ما كان يعرض أمامه فى دور السينما بالقاهرة هو مجموعة من أقوى أفلام السينما الأمريكية على امتداد تاريخها مثل "ذهب مع الريح" لكلارك جيبيل وفيفيان لى و"الدكتور العظيم" لشارلى شابلن!
إن العودة الآن إلى ما كتب فى صحافة تلك الأيام عن فيلم فريد الأول.. سوف يوضح لقارئ اليوم مدى ما لقيه من نجاح، فها هو المحرر الفنى لمجلة "الصباح" يصف النجاح الكبير لعرض الفيلم الأول فى عدد المجلة الصادر بتاريخ 28 مارس 1941 فيقول: "وقد صادف الفيلم نجاحًا أكثر مما كان يتوقعه كثيرون، وعُرف رأى الجماهير من مظاهر الإعجاب والتصفيق التى حيوا بها أسمهان وفريد وأحمد بدرخان فى نهاية الفيلم حيث كانوا بين المتفرجين"، وليس أدل على نجاح الفيلم وإقبال الجماهير على مشاهدته من ذهاب أم كلثوم إلى سينما ستوديو مصر بصحبة فريد فى أحد أيام الأسبوع الثانى لتشهد بعينها أول فيلم غنائى حقيقى فى تاريخ السينما المصرية.. ولتسمع بأذنيها "آراء المتفرجين الجالسين بالقرب منها ـ ولا يعلمون بحضورها ـ فى هذا الفيلم وبعض الأفلام الغنائية الأخري"، وذلك فيما سجَّله محرر "الصباح" فى عدد 4 أبريل 1941.
كانت قصة عمر جميعى التى بُنى عليها الفيلم هى أول وأهم أسباب نجاحه، فهى تدور حول شقيقين (شاب وفتاة) هبطا إلى مصر بحثًا عن العيش الذى التمساه بأصواتهما الجميلة، فعملا فى الصالات وخبرا الحب والعذاب والمعاناة، حتى تمكنا فى النهاية من تحقيق النجاح فى ساحتى الفن والحياة، لذلك جاء الغناء ركنًا أساسيا فى الفيلم الذى ضم أحد عشر عملاً غنائيا تنوعت بين الطقطوقة والقصيدة والديالوج والمونولوج الفكاهى والأوبريت.. مما جعل الفيلم جديرًا باسم "الفيلم الغنائي"، وقد نجح أحمد بدرخان فى توظيف أحداث القصة لإضفاء الواقعية على ما تضمنه بعضها من غناء، فجاءت أغنيات الفيلم لتعبِّر عن تطور أحداث قصته ونمو شخصيات أبطاله.. ولتلعب دورًا أساسيا فى التعبير عن مشاعر وأحلام أبطاله، وكان نجاح فريد فى تلحين أوبريت "الشروق والغروب" وأوبريت "ليالى الأندلس" فى هذا الفيلم هى شهادة انضمامه إلى نادى رواد الموسيقى العربية الذى ضم قبله سيد درويش ـ محمد عبدالوهاب ـ رياض السنباطى ـ محمد القصبجي، لكل ذلك.. فإن الناقد الفنى سعدالدين توفيق أفرد لفيلم "انتصار الشباب" مكانًا مميزًا فى مقدمة قائمة وضعها لأحسن مائة فيلم فى تاريخ السينما المصرية(3).
توالت أفلام فريد الاستعراضية والغنائية فى عقد الأربعينيات والسنوات الأولى من خمسينيات القرن الماضي، وجاءت بالتسلسل التالي: (أحلام الشباب: 1942)، (شهر العسل: 1945)، (جمال ودلال: 1945)، (ماأقدرشي: 1946)، (حبيب العمر: 1947)، (بلبل أفندي: 1948)، (أحبك أنت: 1949)، (عفريتة هانم: 1949)، (آخر كدبة: 1950)، (تعالى سلم: 1951)، (ماتقولش لحد: 1952)، (عايزة أتجوز: 1952) و(لحن الخلود: 1952)، كان فيلم "حبيب العمر" هو باكورة إنتاج فريد من الأفلام الغنائية.. وقد حقق نجاحًا يعز على الوصف وعَدَّه فريد خميرة ما جناه من ثروة بعد ذلك، وعن نجاح "حبيب العمر" يقول الموسيقار بليغ حمدي: "إن أى نجم سينمائى عندما كان يقول عن فيلمه إنه نجح.. فإن السؤال التالى الذى كان يسمعه فورًا من الوسط السينمائى فى مصر هو إلى أى حد كان فيلمك ناجحًا؟ هل اقتربت مثلاً من نجاح "حبيب العمر"؟(4) وبتعدد الخبرات التى اكتسبها فريد من تمثيل هذه السلسلة من الأفلام ذات الطابع الكوميدي، ومن خلال تعامله مع مجموعة من ألمع مخرجى السينما المصرية فى تاريخها مثل: أحمد بدرخان، كمال سليم، هنرى بركات، حسين فوزى وحلمى رفلة.. فإن ذلك ساهم فى نضجه كممثل، وبرسوخ قدمه كممثل.. اكتملت له رباعية الخلود التى ضمت قبل ذلك إبداعاته كمطرب وملحن وعازف على العود لا يتكرر
المصدر: منتديات الموسيقار فريد الاطرش وشقيقته اسمهان- http://freed.arabstar.biz/