[rtl]اسمهان وشعراء العرب - دراسةالشاعرة د. رقية زيدان[/rtl]
[rtl]كأسطورة إغريقية، موهبة إلهية، ملهمة الشعراء والكتاب والموسيقيين، صاحبة الحنجرة الذهبية، "عروس النيل"، أسمهان. ورغم مرور أكثر من ستين عاماً على رحيلها، إلا أن آذان الملايين ما زالت تصغي وتستمتع لصوتها المفرد، الندرة، العذب. مما جعلها خالدة إلى الأبد، ورغم رحيلها في شرخ شبابها، وموتها بعمر الزهور، إلا أنها تركت أثراً بالغاً في الغناء العربي، رغم عدد أغنياتها التي لا تتجاوز الأربعين.[/rtl]
[rtl]أسمهان من عائلة عربية عريقة الجذور، أصيلة، كريمة المجد، يعود نسبها إلى آل الأطرش، الثوار، الأبطال الذين دحروا الاحتلال الفرنسي عن سوريا، وكان أبرزهم سلطان باشا الأطرش قائد الثورة السورية ضد الاحتلال الفرنسي عام 1924م. شغلت أسمهان بصوتها وفنها وجمالها وأنوثتها رجالات الأدب والفكر والفن والموسيقى والصحافة، وحتى السياسيين منهم. ولم يحظ العالم العربي حتى اليوم بصوت ضاهى جمال وعذوبة صوتها. كانت أسمهان ملهمة الشعراء والكتاب ومبدعي عصرها من الكتاب والموسيقيين. كان يشع من عينيها الخضراوين حزن عميق، وفي صوتها شجنٍ طاغٍ، وقد فضل الكاتب الكبير احمد أمين صوت أسمهان على صوت أم كلثوم في مقالاته الصحفية بسبب نبرة الحزن في صوتها (السكوت، حمدي، أعلام الأدب المعاصر في مصر، احمد أمين، 1981م). وكان المفكر الكاتب العملاق عباس محمود العقاد يسمع أسمهان في جل أوقاته، وهو يقرأ، وهو يكتب، لدرجة أن أغنيتها الجميلة "دخلت مرة في جنينه" عندما سمعها خرج وجاب شوارع القاهرة، شرقاً وغرباً، وشمالاً وجنوباً بحثاً عن نسخة من اسطوانتها، فوجدها قد نفدت في كل مكان. (مجلة العربي، العدد كانون أول، 2004م) غنت أسمهان لعمالقة الشعر العربي، فشاركت بصوتها الإلهي الأخاذ الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب اوبريت قيس وليلى من مسرحية أمير الشعراء احمد شوقي مجنون ليلى، وقد سجلت في أحد الأفلام الغنائية القديمة. ويقال إن الموسيقار محمد عبد الوهاب قد أحب أسمهان، ولكن لم تكتمل ملامح فصول قصة هذا الحب. حيث حاورت أسمهان عبد الوهاب بأسلوب درامي وتعبيري مسرحي، طربي مع رخامة الصوت:[/rtl]
[rtl]
ليلى: ما فؤادي من حديد ولا حجر
لك قلب فسله يا
قيس ينبئك بالخبر
قد تحملت في الهوى
فوق ما يحمل البشر
قيس: لست ليلاي دارياً
كيف أشكو وانفجر
اشرح الشوق كله
أم من الشوق اختصر؟[/rtl]
[rtl]وفي إطلالتها الفنية غنت مع شقيقها موسيقار الأزمان، موسيقار البشريّة الخالد فريد الأطرش، اوبريت "الشروق والغروب" من شعر يوسف بدروس، من خلال فيلم "انتصار الشباب" حيث تحكي قصة حياتهما فريد وأسمهان وخروجهما من بيروت، عبر قطار حيفا إلى القاهرة واستقبال سعد زغلول لهما واللجوء السياسي. وفي الاوبريت حوار اوبرالي بينها وبين فريد فهي يائسة، حزينة، بكائية وفريد يشجعها على الحياة لان فيها أمل وضياء، وفجر وشروق، وإصرار وإرادة، وثبات وتحدٍ:[/rtl]
[rtl]
هي: الشمس غابت أنوارها
والكون بدا في ظلام الليل
والدنيا سكتت أطيارها
وكان غناها شجي وجميل
هو: الليل صفاء سحر وجمال
والروح هناها في الليالي
فيه الوداعة والسكون
وفيه أهيم ما بين خيالي [/rtl]
[rtl]وغنت أسمهان لأمير الشعراء بعد شوقي بشارة الخوري "الأخطل الصغير" قصيدة "اسقنيها" حيث يقول مطلعها:[/rtl]
[rtl]
اسقنيها بابي أنت وأمي
لا لتجلو الهم عني، أنت همي
املأ الكأس ابتساماً وغراماً
فلقد نام الندامى والخزامى
زحم الصبح الظلاما فالاما [/rtl]
[rtl]
وقد نظم بشارة الخوري "الأخطل الصغير" شعراً في أسمهان قائلاً:
(فريد الأطرش وأسمهان حياتهما وأغانيهما، المؤسسة العربية للكتاب)[/rtl]
[rtl]
عند البلابل بين السفح والوادي
بعض الأحاديث عن شجوي وإنشادي
يا منهل الفن قد غاصت منابعه
ماذا فعلت بقلب المُدَنَّفِ الصادي
تلك الاصائل من ورد ومن حبب
وأنت في صدرها ريحانة النادي[/rtl]
[rtl]
وغنت ذهبية الصوت من شعر احمد رامي قصيدة "أيها النائم" في فيلم "غرام وانتقام" عام 1944م حيث مطلعها:[/rtl]
[rtl]
ايها النائم عن ليلي سلاما
لم يكن عهد الهوى إلا مناما
لم يكد ومض المنى يبسم في
خاطري حتى غدت روحي ظلاما[/rtl]
[rtl]وغنت أيضاً أسمهان قصيدة جميلة جداً تحت عنوان "ليت للبراق عيناً" في فيلم "ليلى بنت الصحراء" وهي قصيدة من تراث الشعر الكلاسيكي العمودي وهي من نظم الشاعرة ليلى العفيفة (ت 483م) حيث مطلعها:[/rtl]
[rtl]
ليت للبراق عيناً فترى
ما ألاقي من بلاءٍ وعنا
عذبت أختكم يا ويلكم
بعذاب النكر صبحاً ومسا[/rtl]
[rtl]
وغنت أيضاً أسمهان من روائع الشعر العربي الكلاسيكي قصيدة الشاعر الفذ "أبو العلاء المعري" غير مجد في ذمتي واعتقادي (أبو العلاء المعري، سقط الزند) التي مطلعها:[/rtl]
[rtl]
غير مجد في ذمتي واعتقادي
نوح باكٍ ولا ترنم شاد
وشبيه صوت النعي إذا قيس
بصوت البشير في كل ناد
أبكت تلكم الحمامة أم غنت
على فرع غصنها المياد [/rtl]
[rtl]
ومن روائع الشعر غنت أسمهان لابن زيدون قصيدة "أقرطبة الغرّاء".[/rtl]
[rtl]
وغنت أسمهان قصيدة "حديث عينين" من شعر الشاعر احمد فتحي حيث مطلعها:[/rtl]
[rtl]
يا لعينيك ويا لي من تسابيح خيال
فيهما ذكرى من الحب ومن سهد الليالي [/rtl]
[rtl]
وهناك قصائد نادرة غنتها أسمهان ولكن لن تذاع على الإطلاق مثل قصيدة "نشيد الأسرة العلوية" هذا النشيد كان قد سُمع في فيلم "غرام وانتقام" يرافقه ظهور الملك فاروق، ولكن منع وقطع من الفيلم بعد ثورة يوليو 1952م. وهناك قصيدة نادرة جداً لحنها لها شقيقها الموسيقار الخالد فريد الأطرش تحت عنوان "أنا بنت النيل أخت الهرم" وهناك قصيدة نظمها الشاعر عبد الغني حسن خصيصاً في تكريم مدير جامعة فؤاد الأول "جامعة القاهرة" حالياً الدكتور علي إبراهيم باشا، تحت عنوان "هل تيم البان" وقد غنتها أسمهان بغناء منقطع النظير. كما عبر عنها كرم ملحم كرم، من أبرز كتاب الرواية في القرن العشرين:[/rtl]
[rtl]
"أسمهان تخطر في رحبة الغناء بمستطيل النجح، فذاعت وشيكا نباهتها وقد استعذبت الآذان الاسم والصوت وحنون ساحر صوتها، وقد أوتيت حنجرة تخشع لصداحها الأغن الأرواح، وثمة جوقة بلابل تتلاعب بالنهى كأنها نشوة الحميّا ودبيب السحر" (كرم ملحم كرم، أسمهان، ألف ليله وليله، عدد815، 1951م).[/rtl]
ويضاف إلى ذلك قول الناقد الفني الياس سحاب وما قاله في الموهبة الإلهية، ذهبية الصوت، أسمهان "لم يعرف الغناء العربي النسائي حتى اليوم أوتاراً صنعت من معدن موازٍ لمعدن صوت أسمهان أو مشابه له، أو قريب منه".[rtl]
حـــيـفـا[/rtl]