[rtl]لحن الخلود[/rtl]
[rtl][size=64]صورة قلمية[/size][/rtl]
[rtl]بقلم: الشاعرة د. رقية زيدان[/rtl]
[rtl]ينساب اللحن الندي يتنفس عطرا، تنفس الزنبق شذى البيلسان، رحيق الأقحوان.[/rtl]
[rtl]نحن سماوي يحوم ويحلق في الأعالي ويهبط لينشر الحب في الأفاق. نحن انسيابي أطرشي يرافق نسائم الفجر ويودعها على عتبات المساء، أصابع حريرية تدغدغ وتر الأحلام أنغام مخملية تفيق وتستفيق من حولها.[/rtl]
[rtl]حنجرة ذهبية. صوت فيه سجع القمري، وسقسقة العصفور، فيه حفيف اوراق الشجر، وفيه حفيف جناح الطير، وفيه تغريد الحادي، وتغريد الكروان، وفيه طنطة الأوتار، وفيه بحة هزيز الريح، كرجع الطيور فينعش الروح كالحياء بعد المحل، هو رُذاذ للروح العطشى، شجن جميل، ظرف في الوتر، لحن ماسي بلوري مشرق ينبثق من أرومة ماضية السحيق وسلالته العربية العريقة، أسمع نشيده على الأكمة، على غارب الموج، اسمع لحنه الوسمي ليبشر بالربيع القادم، الدائم الحالم.[/rtl]
[rtl]عزفٌ يُغدق بالحنان، تُروض أنامله أوتار العود فتفرحه وتبكيه، نسمعه ينفجر أو يئن وهو حزين مضغوط، نسمعه وهو يضحك ويبهج وهو مسرور، يُروض المقامات فيستجيب له النهاوند والبياتي والحجاز. قرأتُ سفر موسيقاه، تلاوة أنغامه صلاة كونية ترنيمة تباشير الفجر، زغاريد ميلاد، تسابيح ربيعية، انغام خالدة.[/rtl]
[rtl]فريد الأطرش أنشودة أزلية، هدية العبقرية العربية الى الانسانية جمعاء، صنوج عصري خالد كجريان النهر والوادي، يتدفق نغماً انسيابياً حراً نحو القلوب. آهة من صدره هي ابنة الألم. ترنيمة طربية موجعة هي ابنة الشجن. ذلك النغم الأطرشي اذا دخل اذنيك لا يتردد في الاستئذان، فيدخل منصاعاً مطواعاً فينساب ويتسرب متلهفاً الى بوابة قلبك متسللاً اليه من قيد همك وعبء ألمك.[/rtl]
[rtl]نسمعه فنطرب له فيذيب ولو قليلاً من جليد ألامنا، نسمعه فنطرب له فنشعر ولو قليلاً بهجرة أحزاننا. مجرى هذا اللحن العبقري ينبع من حضنه صدقاً وعفوية ويصب في ريشه ذهبيه انسيابية بالحان كونية الى قلوبنا.[/rtl]
[rtl]هو فريد، هو وحيد، موسيقار الأزمان يجود لحناً فيمطر في قلوبنا سعادة وفرحاً وبهجةً وسروراً، ولو قليلاً من الأمل المتقطع ولو قليلاً من الوهج اللامع ولو قليلاً من الابتسام من اشراقة الحياة في هذا العصر المعتم. في هذه الظلال التي تبحث عن شعاع مشرق فيه الحب والسلام، في هذه اللحظة الأتية نسمعه ليذيب ولو قليلاً من تراكم جليد ألامنا في هذه اللحظة الأنية نسمعه ونطرب له ونشعر ولو قليلاً بهجرة احزاننا. فيخضر نغمة واحات في صحاري نفوسنا.[/rtl]
[rtl]أتذكر جيداً النغم الخالد، وهو ينبعث من كل جدران وأجواء دار الأوبرا في القاهرة، وهي تعزف اللحن الاطرشي والأذان صامتة صائنة في محراب أنغامه، كانت اوركسترا تعزف بريق واصداء ألحانه فيها عطر الأيام وشذى السنين، نغم عطره في زجاجة، ينفجر، يئن وينوح ولكن شذاه يفوح. صدق الشاعر حين قال مرتجلاً فيه:[/rtl]
[rtl]غنى الفريد فاحكم الاوزانا[/rtl]
[rtl]وفاض العود عطفاً وحنانا[/rtl]
[rtl]كأننا في ارض مكة سجداً[/rtl]
[rtl]او كأن وحياً من الألة أتانا [/rtl]
[rtl]ولان الفن يجري في دمي، والشعر والموسيقى توأمان. الأغنية التي استوقفتني وأثارت في الفضول في التعرف من خلالها على ملامح فن فريد الأطرش وروائعه. حتى تسجيل أغانيه وما ندر منها هي تانغويا زهرة في خيالي التي نظمها الشاعر صالح جودت والتي مطلعها:[/rtl]
[rtl]"يا زهرة في خيالي"[/rtl]
[rtl]رعيتها في فؤادي[/rtl]
[rtl]جننت عليها الليالي [/rtl]
[rtl]واذبلتها الأيادي [/rtl]
[rtl]وشاغلتها العيون[/rtl]
[rtl]فمات سحر الجفون[/rtl]
[rtl]يا غرامي كل شيء ضاع مني[/rtl]
[rtl]فنزعت الحب من قلبي وروحي[/rtl]
[rtl]ووهبت العمر اوتاري ولحني [/rtl]
[rtl]وتغنيت فداويت جروحي [/rtl]
[rtl]انا طير في ربى الفن يغني [/rtl]
[rtl]للطيور للزهور للغصون[/rtl]
[rtl]واستوقفتني أيضاً أغنية "لا وعينيك" التي من خلالها تأملت روعة الموسيقى وجمالها. حيث نظم كلماتها الشاعر الكبير كامل الشناوي.[/rtl]
[rtl]وغناها فريد في فيلم "الخروج من الجنة" قصة الكاتب العظيم توفيق الحكيم حيث غنى فريد في مطلعها قائلاً:[/rtl]
[rtl]لا وعينيك يا حبيبة روحي[/rtl]
[rtl]لم اعد فيك هائماً فاستريحي[/rtl]
[rtl]سكتت ثورتي فصار سواء[/rtl]
[rtl]ان تليني او تجنحي للجموح [/rtl]
[rtl]واهتدت حيرتي فسيان عندي [/rtl]
[rtl]ان تبوحي بالحب او لا تبوحي[/rtl]
[rtl] واستوقفتني طويلاً أغنية "الربيع" التي تميزت بلغتها التي نطقت بان هذا اللحن السيمفوني النابغ لا يتأتى الا وكان صاحبها ذا عبقرية فذة، انه لحن الخلود، فريد الأطرش والسبب يعود الى اصالة موسيقاه، والحانه تميل الى السهولة ضد الصعوبة، والى اللين ضد الوعر، والى البساطة ضد التعقيد، والى الملاينة ضد التركيب. انه اسلوب السهل الممتنع سهل ولكن صعب تقليده. حيث ان كثيراً من المطربين الشباب عجزوا في تقليد فريد الأطرش صوتاً ولحناً وعزفاً. اضافة الى كل هذا نبرة الحزن في حنجرته الذهبية والشجن الفياض في ألحانه.[/rtl]
[rtl]انه لحن الخلود، ملك العود، سلطان الطرب فريد الأطرش الموسيقار العربي الوحيد، الذي نال وسام الخلود القلادة الذهبية من فرنسا من اتحاد المؤلفين والملحنين في العالم، ومنذ قرنين وحتى اليوم لم ينلها الا بيتهوفن وشوبان وفريد الأطرش. دوَن فريد الأطرش في معظم الموسوعات العالمية، وقد أعيد توزيع عددا من مقطوعاته الموسيقية من الحانه عالمياً في معظم دول العالم عدة مرات.[/rtl]
[rtl]نال عام 1965 جائزة امهر عازف عود في العالم من تركيا، منحه الزعيم الخالد جمال عبد الناصر وسام الجمهورية وقلادة النيل. هذه كلمة تقدير عميقة الى روح موسيقار الأزمان فريد الأطرش بمناسبة الذكرى المئوية لميلاده التي صادفت في منتصف شهر ابريل. [/rtl]
[rtl]
حيفا[/rtl]