بروكسل المرحوم أحمد زكي باشا ، الملقب بشيخ العروبة ، كان صديقاً لسلطان الأطرش ، وكان قد سمع عن نبوغ فريد الأطرش ، فقام بأرساله الى مصطفى رضا ، وقال له : اذهب إلى مصطفى رضا . أين ؟ في معهد الموسيقى ؟ ... استقبل مصطفى رضا فريداً بما يليق أن يستقبل به شخصاً أرسله أحمد زكي باشا ، وقال له على العين والراس ، ولكن لا شفاعة لكَ عندي إن لم تكن فناناً تتقن العزف على آلة موسيقية .. فأثلجت العبارة صدر فريد وقال لمصطفى رضا : . هل يسمح وقتكَ... فتسمع عزفي على العود ؟ . فقال مصطفى رضا ! هيا يا فتى دعني أرى مؤهلكَ الحقيقي .. وتأمل مصطفى رضا فريداً وهو يحتضن العود .. ثم وهو يجري عليه أنامله بمقطوعات معروفة ، ثم بمقطوعة جديدة ، فسأله . لمن هذه يا فتى ؟ فتلعثم فريد .. ولكن سطور الإعجاب في عيني مصطفى رضا شجعته على أن يقول ! هذه من تأليفي .. فتجولت عينا مصطفى رضا فوق بنطلون فريد القصير ، وعوده الذي انبثقت منه أنغام ساحرة ، ثم وجهه الطفل .. وقال ! حسناً .. ستبدأ الدراسة في المعهد على الفور .. وخرج فريد من عند مصطفى رضا بقلب مفعم بالفرحة ! واتصل مصطفى رضا بأحمد باشا زكي ليشكره على الموهوب الصغير الذي أهداه للمعهد .... لقد كان في يقين فريد أن العمل عند بلاتشي لن يستمر طويلاً بعد ذلك الإطراء على فنه الذي سمعه من أستاذه في معهد الموسيقى .. كان فريد يفكر في كيفية الانطلاق إلى ميدان الفن .. كيف يفتح أبوابه ؟ وكيف تلين له هذه الأبواب المستعصية ؟ كيف ينتقل من حجرة الدراسة في معهد الموسيقى إلى الجمهور ؟ وكيف يريح أمه من من سهرها على الإبرة ؟ .. وكان فريد غصن مفتاح هذه الأبواب المغلقة ! فقد التقى به فريد الأطرش في نادي الموسيقى ، وتحدثا طويلاً ، وعلى الفور جمعهما حبهما المشترك للعود ، واستقلا الترام سوياً إلى غمرة .. فهناك كانا يسكنان ، وقد أدهش فريد الأطرش أنه جار فريد غصن وهو لا يدري ! وفي المساء ذهب إلى بيت جاره .. وهناك التقى فريد الأطرش بالمطرب ابراهيم حمودة ، وكان حمودة في ذلك الحين متألقاً : ولما استمع إلى عزف فريد ، اهتز طرباً وطلب منه أن يعيد العزف ، أما فريد غصن فقال له سمعتَ عن عزفكَ ، ولكن لم يسبق لي أن سمعتكَ تعزف ، وأشهد اليوم أن نجماً في الموسيقى قد بزغ ....