لسنوات طويلة من الشراكة الفنية جمعت بين أم كلثوم وعبد الوهاب ورياض السنباطي وعدد كبير من الملحنين والشعراء بل وساهمت كوكب الشرق في تقديم العديد من الملحنين إلا أن اللغز دائمًا يبقي في عدم تعاونها إطلاقًا مع فريد الأطرش الموسيقار الكبير رغم ما قدمه للعديد من المطربات وشهادة أم كلثوم فيه ورغبتها العمل معه.
استمرت الشائعات تحاصر فريد الأطرش وأم كلثوم في محاولة لتفسير أسباب عدم وجود تعاون بين الاثنين إلا أن السبب الأشهر الذي تداول وقتها أن الموسيقار محمد عبد الوهاب ورياض السنباطي هدداها بوقف التعامل معها بينما قال البعض أن رأيهما في فريد الأطرش كان سلبيا وأنهما لا يريان ما يقدمه أمرا جيدا.
الشهادات التاريخية في هذا الامر كثيرة بينها ما يقوله فريد الاطرش نفسه لكنه لا يجزم بمعرفة السبب الحقيقي في ذلك.
في أحد اللقاءات التلفزيونية تساءل الأطرش بأسى عن أسباب عدم تعاونه مع أم كلثوم فيقول: «لماذا تمضي السنون وألحاني بعيدة عن أم كلثوم؟ سؤال نغّص عليّ حياتي، وجعلني في دوامة من العصبية والثورة والانفعال.. كلما كانت تطل أم كلثوم بأغنية جديدة.. لماذا.. وأنا الذي سكبت مئات الألحان..كيف أعيش في عصر أم كلثوم ولا ألحن لهذه الهبة السماوية؟ فهؤلاء الذين يلحنون أغانيها، باستثناء عبدالوهاب، ليسوا أهم شأنًا مني وليس لهم تاريخ حافل بالأنغام كتاريخي».
بينما ينقل الكاتب طارق الشناوي عن فريد الأطرش.. أمير الغناء واضطهاد أم كلثوم قائلًا: «أول تعاون بين الاثنين لم يكن الربيع، بل حبيب العمر، التي غناها في فيلم حمل نفس الاسم، وهي أول كلمات يقدمها مأمون الشناوي لكي تغنيها أم كلثوم، وقالت له إنها معجبة بالكلمات، لكنها تريد بعض التغييرات، وهو ما رفضه مأمون الشناوي، واضطر لسحب الكلمات، وفي طريق عودته صادف تواجد فريد الأطرش الذي كان يسكن بجوار كوكب الشرق في فيلا بمنطقة الزمالك، وقرأ فريد كلمات (حبيب العمر) وأعجبته وبدأ في تلحينها وغناها».
ويتابع «الشناوي»: «تكرر الأمر مع أغنيات (أول همسة، الربيع ،حكاية غرامي، نجوم الليل)، ودائمًا تطلب أم كلثوم تغييرًا في الكلمات أو تغييرًا في المقام الموسيقي وتتعثر المفاوضات بينهما، ولا يفقد فريد الأمل في أن تغني له أم كلثوم.. إلا أن فريد ظل لديه إحساس بأن أم كلثوم تتعمد ألا تغني ألحانه لأنها لا تريد لألحانه الانتشار بصوتها».
ويضيف طارق الشناوي أنه سأل مأمون الشناوي: لماذا لم تغن أم كلثوم لفريد، ولماذا لم تحاول إقناعها بذلك؟ فقال: «حاولت ولكن السبب الحقيقي الذي لم تستطع أن تعلنه مباشرة أم كلثوم لفريد هو أنها لم تكن تحب المذاق الموسيقي الذي تجده يشكل طابعًا مميزًا لكل ألحانه، سواء تلك التي لحنها لنفسه أو غناها له الآخرون».
انتهى كلام طارق الشناوي إلا أن كلام «الأطرش» لم ينته، ففي لقاء له مع الإذاعة اللبنانية قال إن «أم كلثوم كانت تشعر بالغيرة من شقيقته أسمهان وأنه رغم رحيلها عام 1944 إلا أنها لم تنس أبدًا أنه شقيق غريمتها الأولى وأول مطربة تهدّد عرشها الغنائي».
السبب الآخر ليس فقط ما يراه الأطرش أو الشناوي، لكن فيما أورده الناقد السوري، صميم الشريف، في كتابه «السنباطي وجيل العمالقة» ص 285، أن «أم كلثوم امتنعت عن غناء اللحن الذي وضعه لها، نتيجة الضغط الذي مورس عليها من قِبل محمد عبدالوهاب والسنباطي وغيرهما، بدعوى أن مستوى فريد الأطرش في التلحين لا يتفق والمستوى الذي تغنيه للسنباطي وعبدالوهاب والموجي وحمدي، والحقيقة أن السنباطي نفسه كان يضع فريد ضمن الطبقة الثانية من الملحنين، لأنه كان يلازم في نظره مقامات معينة سهلة لا يحيد عنها ولا ينتقل لغيرها، ونادرًا ما توجه إلى مقام عويص».