هكذا نحن المصريون لا ننسى من أحبنا وأعطانا وأغدق في العطاء..عشق ترابنا الذهبي ونيلنا ونسائمنا العليلة وفطريتنا التي تشبهنا، يد تمتد وقت الحاجة..كتف
يسند..كلمات مشجعة ، قلوب تلهث بالدعاء لرب القدرة العظيم ..أرواح فنانة تعشق الفن ولا تسأل عن البيانات الشخصية طالما تحمل بين جوارحك موهبة كبيرة فأنت
مرحب بك وفوق الرأس..هكذا رأينا وأحبينا الموسيقار الكبير فريد الأطرش ، من أحب مصر وعشقها وقد كانت ملاذه وأسرته حينما ألمت بهم الملمات..حكاية عشق
كبيرة حملها هذا الرجل ، بدأت منذ صباه وانتهت في مثل هذه الأيام الشتوية منذ ثمانية وثلاثين عاما ، حينما احتضنه التراب المصري بعد أن أسلم الروح كما أوصى
ليدفن بجوار شقيقته بالغة الموهبة والتأثير أسمهان وبين الصبا،وهذه اللحظة أيام وطنية رائعة عاشها الموسيقار الكبير عبر فيها بكل جوانحه عن حبه لهذه الأرض التي
اسمه بالكامل فريد فهد فرحات إسماعيل الأطرش ولد في بلدة
(حاصيبا اللبنانية) وكانت والدته السيدة علياء المنذر لبنانية ووالده من جبل الدروز في سوريا وقد تضاربت الأقوال حول سنة ميلاده لكن توافق بعض المؤرخين إلى أنه
كان سنة 1910 خاصة وأن البعض يقول إن الأوراق الشخصية الخاصة به وبأسرته تناثرت وتبعثرت أثناء فرار الأم بأولادها فؤاد وفريد وأمال التي هي أسمهان ،
وهروبهم إلى مصر سنة 1923 إثر قيام الثورة السورية خاصة بعد ملاحقة أفراد عائلته الذين ساهموا في قيادة هذه الثورة من يبنهم والده وعمه سلطان باشا الأطرش
وقد ورث فريد وشقيقته عشق الفن من والدتهما ، وبعد مرحلة معذبة أثبت فريد وجوده الفني بقوة على أكثر من صعيد بألحانه صميمة الشرقية وصوته البديع وبراعته
الشديدة في العزف على العود وقدم هذا فى أكثر من إيطار سواء ألحان له ولغيره من المطربين خاصة شقيقته وأوبريتات وأفلام سينمائية بلغت 31 فيلما لم ير
آخرها "نغم في حياتي"
حبيبته .... مصر
وقد أوفدته الإذاعة المصرية إلى لندن سنة 1939 في رحلة لتقديم بعض الأعمال الغنائية هناك وأثناء ذلك اندلعت الحرب العالمية الثانية فأرسل لأحد أصدقائه من
الشعراء ليكتب له أغنية تعبر عن حنينه للبلد الذي عشق في هذه الظروف وظهرت للنور أغنية جميلة له اسمها ( يا مصر كنت في غربة وحيد) وبعدها قدم العديد من
الأغاني الوطنية التي تسكن الوجدان المصري بقوة مثل( نشيد بورسعيد ) في 56 والذي شاركه تقديمه بتصوير سينمائي لا يعرف أحد أين ذهب، النجمات هند رستم
وشادية ومريم فخر الدين وإيمان ونجاح سلام ، ولكن قبل هذا العمل كان عطاؤه مميزا ، فحين قامت ثورة يوليه 52 وفتح باب التبرعات لتسليح الجيش ذهب فريد والتقى
رئيس وزراء مصر حينذاك الزعيم جمال عبد الناصر وأعطاه شيكا بعشرة آلاف جنيه وكان مبلغا كبيرا في حينها مساهمة منه فى هذا التسليح ، وقد قدم لمصر فى
مناسباتها الوطنية العديد من الألحان والأغنيات مثل ( المارد العربي ) الذي صورته إدارة الشئون العامة للقوات المسلحة كشريط سينمائي وعرض في جميع دور العرض
وأيضا أغاني ( يا بلادي يا بلادي فيك عاش الأوفياء )(واليوم يوم الشجعان ) (ودعى الفجر هيا يا رجال الغد ) وتظل أغنيته الوطنية ( سنة وسنتين) التي شدا بها بعد
فترة غياب طويلة عن مصر أقوى أغانيه الوطنية التي عبر فيها عن حبه لمصر حتى أنه سالت دموعه أمام جمهوره وهو يناديها فيها ...يا مصر يا أمي يا نور العين
فريد .. المصري
وقد حصل فريد على أربع جنسيات المصرية التي أعطاها له الرئيس عبد الناصر وأيضا منحه وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى ، ناهيك عن أوسمة عدة من بلاد أخرى
وأيضا الجنسية السورية واللبنانية والسودانية لكنه ظل فريد الأطرش المصري الذي يعشق هذه الأرض وبنى أمام نيلها الخالد في الجيزة عمارته الشهيرة التي سكن دورها
الأخير وحضن عوده وألهمته البلد والنيل أعذب وأجمل أغانيه ، لذا أبى أن يوارى جسده في نهاية رحلته في 26 ديسمبر سنه 1974 إلا في حنايا البلد الذي عشقه
فتحية له في ذكراه ا وسلاما لروحه فكما أحبنا أحببناه