نتابع الحكاية الثانية التي تبين بجلاء أن الفريد تميز بسرعة ودقة اللحن ،الذي لا يستغرق في يده أكثر من دقائق معدودة. روى شقيقه منير (الذي كان مدير أعماله في بيروت) وللتذكير فمنير هذا شقيق فريد وأسمهان من أبيهما فهد الأطرش. قال:"في إحدى المرات حضر روبير بن تيودور خياط، صاحب كايروفون، ومعه كلام أغنيتين، واحدة" لصباح "والثانية لسميرة توفيق. " وكأن فريد يجلس مع سعيد فريحة وجورج إبراهيم الخوري، ورياض جنبلاط زوج كاميليا إبنة أختي أسمهان. في اليوم الثاني وجدنا فريد قد إنتهى من تلحين الأغنيتين" "عالصورة إمضي لي" لصباح و"بيع الجمل يا علي" لسميرة توفيق. مع العلم بأن هناك إختلاف في الأغنيتين، من حيث اللون والطبقة. فقلت لفريد، وكان معي الموزع حبيقة، متى لحنت الأغنيتين؟ فقال:" بعد أن تركتموني يوم أمس، جلست ولحنتهما". وأضاف منير شقيق فريد :" أن أغنية "عدت يا يوم مولدي" بقيت عند محمد عبد الوهاب خمس سنوات، فأخدها منه كامل الشناوي وأعطاها لفريد" . بعد أن سمع كلماتها وأعجب بها فطلبها من كامل، فقدمها له كهدية. ولم تأخد تلك الأغنية منه وقتا طويلا حتى أخرجها للوجود في حلتها البديعة. المؤلم والذي يحز في النفس، هو أننا نتجاهل عباقرة النغم والغناء العربي،في الوقت الذي نجد فيه أن دول العالم الغربي تعتز بالفنان وتحيطه بهالة من العظمة والقداسة. كما أن في عواصم ومدن الغرب، تمثل الأماكن التي ولد وترعرع فيها عباقرة الفن مزارات تاريخية، حتى أن الأماكن التي مر بها هذا الفنان أو ذاك تصبح معالم سياحية تستقطب الزوار. وفي مدن الفن الكبرى تباع(نوطة) كتبها موسيقار كبير بخط يده بمئات الآلاف من الدولارات في مزادات عالمية أشهرها يتم في صالة سوثبي في لندن. كما تباع رسائل هؤلاء والأشياء الخاصة بهم بمبالغ خيالية. فهذه المبالغ المالية تجسد نظرة الناس للفن وأهله. ترى من يزور بلدة القريا في السويداء التي أنجبت الراحل العبقري فريد الأطرش ،وبكم تباع رسالة كتبها موسيقار الأزمان فريد بخط يده، وجدت ببيته بعد رحيله..؟؟؟