تحياتي لجميع الاخوه في منتدانا الرائع سبق وان نقلت لكم مقالات من من موقع لناقد فني عرف الموسيقار الاطرش فنا وشخصا وجاد بما لم يستطع الاخرون النطق بمثله
فريد الاطرش في طوال الاغاني
بادئ ذي بدء ، لنستمع معاً إلى هذه الأغنية ، ثم سيكون لنا عنها و عن فئتها ، حديثٌ في هذه المقالة :
أغنية : قالت لي بكره
ــــــــــــــــــــــــــــــ
كلمات الشاعر و الزجّال : حسين السيد
لحن و أداء : فريد الأطرش
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قالت لي بكره و دحنا بكره
لو صدقت تبقى موش بيعاني
لو خلفت موش ح أقول نسياني
ح أقول بكره هو اللي ما جاشي
و ح استنى ليه ما استناشي لحد بكره ؟
...
و ليه الحيرة بتّسبق في قلبي
و فايتة بتّمسي ؟
حرام يعني الأمل يشفق عليا
مرة من نفسي
و اللا يعني كتير عليا
فرحتي الحلوة اللي جاية ؟
مش جايز تصدق و تجيني
و اتكذب خوفي ماليني ؟
...
طلعت يا فجر بدري
مش كنت تستنى فجري ؟
كان بدي تستنى اشوية
و أعرفك بيها
و اتشوف الفجر على أصله
في اخدودها و عينيها
لو شفتها و اعرفتها
حسنك يتوه فيها
زمنها جاية كمان شوية
لو حتى غابت سنة عليا
دا وعد منها و منها هي
لا غرابة في مضمون هذه الأغنية القصصي ، فقد ألـّفها الشاعر الكبير " حسين السيد " المعروف بنصوصه الغنائية الدرامية ، ومن ضمنها ما تغنى به هذا الفنّان الكبير من أنغام جميلة ، مثل ( ارحمني و طمني ) و ( يا بو ضحكة جنان ) و ( أكلك منين يا بطة ) و الأخيرة من أغاني الأطفال ، و قد شدت بها الفنانة " صباح " و غيرها العديدات ، فهي جميعها تتسم بهذا الطابع الغنائي المتميز و النادر ، و لا غرابة أيضاً ، في أنْ تظهر للأسماع بهذه الروعة ، فوراء ذلك ، تقف قامة موسيقية عظيمة ، و خامة صوتية فريدة ، في عطائها الفنّي . إنّ المتتبع للمنجز الغنائي و الموسيقي للفنّان الراحل " فريد الأطرش " روحاً لا فناً ، يعرف أنّه كان على الدوام ، يتفاعل مع النصوص الغنائية ، التي لا تجنٍّ في كلماتها على الحبيب ، فهو سامٍ في حياته و في فنّه ، و يترفع على مجرد معاتبة الحبيب ، ففي أعماله الغنائية نجده سمعاً ، ينحى إلى جلد الذات و يحيا على الأمل ، و هذا ما تظهره لكم معاني هذه الأغنية ، التي من مطلعها ، يرفع عقيرته عالياً ، في المقطع الذي يقول فيه ( ليه ما استناشي لحد بكره ؟ ) مُمطـّـطاً في كلمة ( ليه ) بنفسه الطويل ، الذي عِهدناه عليه في مثل هذه المواضع من أغنياته الطويلات الزمن ، و مُحتجاً بها على كل من يلومه على انتظاره الذي سيطول ، فقد حسم الأمر من بداية الأغنية بحزم ٍو صبر ، حالما وضع احتمال انتفاء مجيء حبيبته ، حينما ينشد :
لو صدقت تبقى موش بيعاني
لو خلفت موش ح أقول نسياني
، و تحسباً لأيةِ نصيحةٍ ، قد تأتيه من أحدهم ، لينهي بها انتظاره ، و قبل ذلك ، ليضع نهاية لظنونه و يسدّ الباب أما مخاوفه ، نظراً لما لاقاه في التجارب التي مرّ بها قبل ذلك ، فهي ليست المرة الأولى ، التي يتعرض فيها لمثل هذا الموقف ، كما تبيّن لمسامعي
عموما فإنّ مقدمة الأغنية الموسيقية ، التي استهلتها الفرقة الموسيقية بآلة القانون ، تبيّن و تعطي من الوهلة الأولى ، إحساساً بأنها أغنية زمنية ، أي بقصد ، أنّ في مضمون كلماتها ، يكمن العامل الزمني ، و هو انتظار الموعد ، فنقرات العازف على آلة القانون ، و أظنه قائد الفرقة الماسية المايسترو " أحمد فؤاد حسن " هي من توحي بهذا الإحساس التمهيدي الذي درج عليه " فريد الأطرش " في ألحانه و موسيقاه و أغنياته ، ثم يندبُ حظـَّـه العاثر ، الذي بدأ يُسرِّب إليه شيئاً فشيئاً ، الشكوك في أمر غياب من ينتظرها ، ثم يعود ليمحو دائرة الظنون ، التي تدور به ، بإعادته لهذا البيت عند نهاية كل مذهب و ( كوبليه ) :
و ح استنى ليه ما استناشي لحد بكره ؟
ثم يأتي ليلقي باللائمة على الفجر - فجر يوم اللقاء - كأنه رأى أنه قد أتى قبل ساعته ، و منعه من أنْ يبدأ يومه الموعود ، ممتعاً ناظريه برؤية محبوبته ، فهي بـِطلتها في عينيه أجمل من طلعته ، بعدما صوّر لنا إقبال الفجر بتباشيره ، و هو يختال و يمشي الهوينة ، على موسيقا حديثة ، هي شبيهة بالموسيقا الصينية ، الآتية من أقصى الشرق ، جهة مجيء الفجر و شروق الشمس ، ثم يتسول إليه بحزن مُفرِّح ، ليستبقيه في الانتظار هو الآخر ، معانداً حتى الطبيعة ، لما يطلب إلى الفجر ، أنْ يؤخر في قدومه ، حينما يهمس إليه في الكوبليه الثاني ( زمنها جاية كمان شوية ) و يحاول أنْ يصفها له ، لعلـَّه يتراجع عن ذلك ، و ليتهرب من الجرح الذي قد يصيبه ، فهو كالذي لا يريد أنْ يبدأً اليوم أصلاً ، فيعطي لها فرصة انتظار أكثر بتأجيل اليوم المرتقب ، لكأنه أحسّ بأنها ستحنث بوعدها .
إذن فهي دراما غنائية مصورة ، قام الموسيقار الكبير ، بتصويرها لنا من خلال لحنه و موسيقاه و أدائه ، و إظهار المؤثرات الصوتية ، التي يتمتع بها من حشرجات و ارتعاشات ، ليكون بهذه التقنيات الصوتية ، مثل الممثل ، الذي يؤدي دوره بكل تلبس للشحصية ، فقد شاهدناه في هذه الأغنية ، قد شخّص للمستمع بصوته فقط ، دور العاشق الممتلئة وجدانياته بالشاعرية .
لندعه لمشاعره هذه ، التي أعلن من بداية الأغنية ، بأنه عازماً على الاستمرار عليها و لا يريد أنْ يصحو منها ، و أنهى بها ثلث الساعة من الغناء بالإصرار على مقولته في مطلعها ، كأن شيئاً لم يكـُن :
قالت لي بكره و ادحنا بكره
لو صدقت تبقى موش بيعاني
لو خلفت موش ح أقول نسياني
ح أقول بكره هو اللي ما جاشي
و ح استنى ليه ما استناشي لحد بكره ؟
و هذه هي فلسفة العاشق الفنّان ، الذي يخادع نفسه ، و لا يريد أنْ يخسر الرِهان على من أحبّ ، لئلا يكون للكراهية في قلبه موضعٌ ، حال انتفاء إتيانها في الموعد ، فلنتركه لشأنه ، و لا دخل لنا بما ابتغى لنفسه ، و لنمض ِ معاً إلى أغنية أخرى له - مع علمي بأنّ هناك منكم ، من يودُّ أنْ يتمهلني قليلاً ، حتى يتشبع من كم الدهشة ، الذي زخرت به هذه التحفة الفنية - هي من طويلات الأغاني ، سبقت هذه الأغنية الرائعة .
على غرار الأغنية الفائتة ، قدّم لنا الموسيقار الخالد " فريد الأطرش " رائعة من روائعه الطويلة الزمن ، و فيها يستشفُّ المستمع المعاني و المبادئ نفسها ، التي استمر عليها و استمرأها و استغرق في أدائها ، فهو مضى على هذا النهج العاطفي ، الذي بدأ به في مضامين أعماله جميعاً حتى القصيرة ، مثل ( مخاصمك يا قلبي ) و ( علشان ما ليش غيرهما ) و ما نحوهما من تحف فنية خالدة ، إذ أنه أختار ( جلد الذات ) لا وضع اللوم على المحبوب في معظم أعماله العاطفية ، إنْ لم يكـُن في جلها ، فما رأيكم إذن ، في أنْ نخطو الخطوة عينها ، التي بدأنا بها الأغنية الماضية ، لكنها ستكون خطوة أكثر اتساعاً ، بقدر طول الأغنية الآتية و هي أغنية ( الربيع ) التي أنتجها في أربعينيات القرن المنفرط ، لنتدفأ بالشجن الذي يتراقص على أنغامها ، في هذه الليالي الباردات .
في الحقيقة ، إنّ لهذه الأغنية أكثر من تسجيل ٍفي حوزتي ، لكني أحبّبت أنْ أُسمِعكم هذا التسجيل - على الرغم من بعض التشويش الذي يعتريه - لهذا الحفل المهيب الذي أقيم على شرفه ، و قدَّمه الراحل لجمهوره في الستينيات بالقاهرة ، فبمجرد أنْ يمتشق عوده و يبدأ في الدندنة عليه ، نلحظ سمعاً ، كم كان الحضور يتحرق شوقاً لصوت الراحل ، و كم هو متلهف للغناء في حضرة الحضور ، فبعد التقسيم الذي جاء على أوتار عوده و تفاعل المتلقين معه ، على الرغم من أنه ، كان يكرّره في أغلب حفلاته ، تتداخل الآلات الموسيقية و تلتحم فيما بينها و بمختلف أنواعها ، لتنصهر بدفء اللحن ، مُنتِجة ًمقطوعة ًموسيقية ، استمرت زُهاء الثلاث دقائق فقط ، هي بتصوري من أجمل ما يكون في تاريخ الموسيقا العربية الحديثة ، و لو ركّز المستمع جيداً سينصت إلى الراحل و هوّ يحثُّ الفرقة على الإسراع للاندماج في اللحن و على نسق واحد ، حيث إنّ " فريد " تفرَّد من دون مجايليه بخاصية مهمة ، و هي أنه ، لم يكـُن من ذلك النوع ، الذي يُعيد المقطوعة الموسيقية في العمل الواحد لأكثر من مرة - كما كان يفعل الملحنون الآخرون - إلا بطلب و إلحاح من الجمهور ، كما إنه ، لا يعتمد كثيراً ، على إظهار موسيقا ألحانه بتوزيعات مبهرة ، بل إنه يكتفي بإسماع المتلقي جُمله الموسيقية على نحو ٍ مقبول ٍ و معقول ٍ، مكتفياً بجوهرها و ما تكتنفه من جماليات ، لا بشكلها الظاهري ، و ذلك يبدو جلياً حتى من تشكّل الأطقم الموسيقية الواقفة وراءه في حفلاته المصورة تلفزيونياً الباقية حتى الآن ، التي قلما تـُذاع في الفضائيات المعنية ، على النقيض من حفلات سواه من المطربين من ذلك الزمن الجميل ، لنقرأ في الحال ، كلماتها المزدهرة بأجواء الفصول الأربعة - بألوان الربيع و رياح الخريف و ليالي الشتاء الطويلة و حرارة الصيف - التي صاغها بحبر الذهب الخالد ، الصائغ المشهور بمفرداته " مأمون الشناوي " :
1 – فصل الربيع
اد الربيع عاد من تاني
و البدر هلت أنواره
و فين حبيبي اللي رماني
من جنة الحب لناره ؟
أيام رضاه يا زمان
هاتها و خوذ عمري
اللي رعيته رماني
فاتني و شغل فكري
...
كان النسيم غنوة النيل ايغنيها
و اميته الحلوة تفضل تعيد فيها
و موجه الهادي
كان عوده نور البدر أوتاره
يلاغي الورد
و خدوده يناجي الليل و أسراره
و أنغامه بتسكرنا أنا و هو
...
2- فصل الصيف
موّال :
لمين بتضحك يا صيف لياليك و أيامك ؟
كان لي في عهدك أليف عاهدني قدامك
و كان لي في قلبه طيف يخطر في أوهامك
من يوم ما فاتني و راح
شدو البلابل نواح
و الورد لون الجراح
...
3 - فصل الخريف
مر الخريف بعده .. ذبّل زهور الغرام
و الدنيا من بعده .. هوان و يأس و آلام
لا القلب ينسى هواه .. و لا حبيبي بيرحمني
و كل ما أقول آه .. يزيد في ظلموه و يألمني
...
4 - فصل الشتاء
و ادي الشتا يا طول لياليه
ع اللي فاتو حبيبه
يناجي الليل و يناديه
و يشكي للكون تعذيبه
...
5 - فصل الربيع
موّال :
يا ليل يا بدر يا نسمة يا طير يا زهر يا أغصان
هاتولي م الحبيب كلمة تواسي العاشق الحيران
أخذ ورد الهوى مني
و فاتلي شوكوه يألمني
ما عرفش ايه ذنبي
غير أني في حبي أخلصت من قلبي
و غاب عني لا كلمني
و لا قال امتى راح اشوفوه
و أقول يمكن ح يرحمني
و يبعت في الربيع طيفوه
من يطالع كلمات هذه الأغنية ، سيظنُّ للوهلة الأولى ، بأنّ مضمونها يختلف عمّا كنت قد أشرت إليه في مستهل هذه المقالة ، من حيث إنّ أغلب أغنياته العاطفية اتصفت بـ ( جلد الذات ) و هذا ما يبدو لأسماعنا ، إذا قمنا بتحليل بنائي لكل ( كوبليه ) على حِدة ، فما ورد في المقطع الأول ، الخاص بفصل الربيع و ما أوقعه وأحدثه غياب الحبيب في هذا الفصل ، على نفسه لأمرٌ يصعب تصديقه ، فقد ارتبطت مذاق هذا الفصل لديه ، بوجود الحبيب أيام كان لمظاهر الطبيعة معناها الحقيقي و للحياة طعمٌ جميل ، لذا فهو يستهل الأغنية و هذا المطلع تحديداً ، بالاستفهام عن غيابه الذي يتضمن معنى واحداً و كفى ، هو الشوق إليه لا هُجرانه ، لكأنه هو من سبّب في رحيل محبوبه ، و يود رضاه بعدما قاسى من بُعدِه عنه ، حينما يطلب نادماً إلى الزمان أنْ يُرجع أيام الوصال بينهما :
أيام رضاه يا زمان
هاتها و خوذ عمري
اللي رعيته رماني
فاتني و شغل فكري
ذلك أنه يشعرك حينما يشدو بقفلة البيت ، بأنه كالذي يعود بنفسه إلى تلك الأيام الخوالي ، عندما يغني مبتسماً : " و أنغامه بتسكرنا أنا و هو " فهو ينطق قفلة هذه الشطرة ، و هو يبتسم لتلك اللحظات الحلوة التي تخطر بباله .
أما في المقطع الثاني ، و لهول ما جرى فيه ، حيث إنه من خلال كلماته ، التي اختار أنْ ينغـّمها على منوال الموّال العربي المُحزِن ، نستنبط أنّ العهد على الوفاء بينهما كان خلال هذا الفصل ( الصيف ) حتى أصبح كل شيءٍ في هذا الفصل الجميل ، الذي شهد ذلك العهد لا يُطاق بالنسبة له ، فتبدَّلت الألوان و تحوّلت الأشياء إلى نقيضاتها ، و هذا دليلٌ آخر على حنينه لما كان بينهما ، و هذا ما جعل الناي يبكي معه و هوّ يردّد هذا الموّال بهذا الشجن الشجي و الغني بالحزن ، و لمن يصف أعمال الراحل بالمُحزنة و المُجلـِبة للكآبة ، أقول : " أنّى له أنْ يغني هذه المعاني بغير الحزن الذي يحسُّ به " .
يمضي بنا إلى بعد ذلك إلى ثالث هذه المقاطع الموسمية أو الفصلية ، و هو فصل الخريف ، بتتابع و توال ٍ مُنتظِم ، بعد أنْ يفرشه بفاصل موسيقي ، هو عينه الذي بدأ به أغنيته ، و في هذا الفصل ينشد أجمل ما جاء في هذه الأغنية - بحسب ذائقتي - حينما يخرج المجموعة الصوتية من صمتها الذي طال ، و يجعلها تردد من خلفه ، آهة الحسرة و الوجع و الندم ، لما لهذا الفصل من سمات الاضطراب ، تجعل المرء فينا ، يحتاج إلى من يؤنسه و يتدفأ بقربه ، و ينجح كثيراً في اللحمة الصوتية الوجعية ، حينما تنصهر أصوات الـ ( كورال ) من النساء و الرجال فيما بينها ، فالأوليات يُعبّرن عن الطرف الآخر ، و الأخيرون يمثلونه ، فهذا بتصوري ، ما أراد أنْ يُعبر عنه من خلال هذه الأوجاع و الآلام المسموعة ، ثم يجيء ليعلن عن استحالة نسيان محبوبته في نهاية هذا المقطع ، وقتما يغني : لا القلب ينسى هواه .. و لا حبيبي بيرحمني
و بعد هذه الجرعة الخريفية المحزنة ، يأتي بأخرى هي الأكثر إيلاماً ، حين دخوله إلى فصل الشتاء ، فيبدأ هذا المقطع بصوت زمهرير العواصف ، من خلال عزف الآلاتية على آلات الكمان المحتشدة ، لكنه و هو المعروف بلحظة الإدهاش ، سُرعان ما يفاجأ المستمع الحاضر بفاصل موسيقي مُدّهِش للأسماع ، لكونه راقص ، حتى سحر الجمهور ، و جعله يخرج من حالة الحزن و الوجد التي كانت تسيطر عليه طوال الدقائق الماضية ، بالتصفيق و الهرج و المرج و الهتافات ، على رنات عوده التي تظهر جلية للآذان ، على الرغم من علو أصوات الآلات الأخريات ، بعد أنْ ألقى على مسامع الحضور بيتي هذا الـ ( كوبليه ) بشكل سريع من دون غناء ، لأنّ اللحنّ الذي يفترض به أنْ ينغـّمه لهذين البيتين ، سوف يُحدث شيئاً من التناقض مع هذا الفاصل العجيب في وقته و جملته .
و لكي تتمّ هذه السنة ، التي قضاها بعيداً عن محبوبته ، لا بد له من أنْ يعود بنا إلى فصل الربيع ثانية ً، في المقطع الخامس ، لذا أخذت الأغنية اسمها من هذا الفصل و عنّوّنت به ، مع أنه لم يذكر هذا الفصل كمسمى ، مثلما فعل في المقاطع الأربعة السابقة ، لكنه يأتي على ذكر مظاهره ( الطير و النسمة و الأغصان ) و هي المذكورة في أوله ، منادياً إياها و راجياً منها أنْ تعيد إليه الحبيب بعد مُضي عاماً بالتمام على غيابه ، فقد توقفت الحياة بملذاتها و طعمها ، لرحيله عنه ، و مع ذلك ، فهو ما يزال يعيش على أمل رؤيته في هذا الفصل الأخضر ، و إنْ أبدى عتبه عليه ، في نهاية هذا المقطع الأخير من هذه البديعة الربيعية الخضراء .
ننتهي من خلال ما تقدّم ، إلى نتيجة واحدة ، مفادُها أنّ الفنان الراحل " فريد الأطرش " كان يصوّر في أغانيه الطويلة ، مشاعر و أحاسيس يتعذر على أيِّ فنان آخر ، أنْ يجعلك تعيش أسرارها ، فلا غرابة في ذلك إذن ، و لا غرابة كذلك في أنْ تكون هذه المقالة طويلة ، لكي تغدو بحجم و طول هذا النمط من الأغاني ، الذي أبدع فيه هذا الفنان الكبير ، و أتحفنا به من درر ، سأذكر لكم النزرَ اليسيرَ منه ، كأغنية ( أول همسة ) و ( سألني الليل ) و ( حكاية غرامي ) و ( زمان يا حب ) و ما إليها من أغان ٍ أخرى محفورات في ذاكرتنا .
زياد العيساوي
بنغازي – ليبيا
1 / 1 / 2010
كل العام و الجميع بخير ، بمناسبة حلول السنة الميلادية الجديدة ( 2010 ) جعلها المنّان ، سنة ًملأها الفرح و الهناء و السعادة .
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]منقول منhttp://www.libdacafe.com/resent/ziad_articles1/farid_long_songs.htm