نويت أداري ألامي وخبي دمعي ونحيبي تقول الدكتوره رينه بولس الحج في كتابها اسمهان؛ سمفونية لم تكتمل "المطلع الموسيقي للاغنيه ينشر جوًا راقصا كمن تخلى عما يثقل قلبه فبدا مستعدا للغناء لربما ينفث الآلام مع الصوت المناسب. هذه الاغنيه من اروع الأغاني وأكثرها خلودا ولو تاه عنها المستمع في هذه الأيام التي تضج بالصراخ للتعبير عن المواقف المنحرفة وعن العواطف السطحيه والنغمة المتجانسة معها. وبعد هذا الجو المريح للأعصاب والمهدئ للألام، تطلع علينا المغنيه لتعلمنا بأنها قررت التعتيم على ألامها فتخفي دموعها وتكف عن الشكوى العلنيه وتعوض عن ذلك بالغناء. ففي المقاطع الثلاثه الاولى تعلمنا انها قررت السكوت عن ألامها والكف عن البوح بها إلا لنفسها أي أن تعبر عنها بالغناء. واللافت أن الجمل الموسيقيه، أي الميلوديا في المقدمة وما بين المقطع الاول والثاني ثم الثاني والثالث، تتردد نفسها وفيها إيقاع تصاعدي منتظم ومحفز على الانخراط في الموقف المتجدد. لكن المقطع الثاني وإن تقدمته نفس الميلوديا فهو يعبر عن تلكؤ في النوايا، تاكؤ غير واضح المعالم، فيه شك بالنتيجة المتوخاة المتأرجحة بين البكاء. وتعود الوصلة الموسيقيه نفسها بالرغم من ان النبره الغنائية تغيرت وتعدلت فالموقف في مقارنه العاشق وحبيبه مختلف بل متناقض. هذا المقطع هو الفاصل بين النوايا والواقع تشدد عليه صرخه التساؤل "وليه" التي تستدر التأكيد والاستفسار عن جدوى البكاء والأنين . ونلاحظ هنا إطاله السؤال مع الاقتضاب المنحدر من البكاء الى الأنين مقابل سعادهٍ المحبوب . وهنا الجمله الموسيقيه تعيد الموقف. والخلاصه ان الغياب لا يهم طالما أن صيانه العهود تكفي. وهنا ينخفض الصوت. ثم ننتقل من الموقف المتسائل الى الحاله التاليه من المشهد الغنائي. ففي المقاطع الثلاثه الاولى التي بدأت بموقف أخذ القرار مع شرح كل ملابساته نواكب مدى توافق الخدمة الموسيقيه لكل مراحل هذا الموقف. اولا المقدمة الموسيقيه توحي بخطوات متلاحقه ومنسجمة وثابته على ثلاث مراحل تنتهي بقرار. هذه المقدمة تعاد بين المقطعين الاول والثاني، ثم بين الثاني والثالث، بالرغم من اختلاف اللحن بين المقاطع الثلاثه وحيث إن الثالث افتتح بسؤال، وهو سؤال مطول ومتدرج نحو الانخفاض، كما ان المقطع يختم على الطبقة المنخفضه. من جهه اخرى يسترعي السمع المرهف والمتربص بالنغم ان الموسيقيه الخلفية المرافقه للغناء تتبع سلمآ موسيقيآ مغايرآ للحن الكلمات المغناه، وكأن الملحن أراد ان يؤكد على عمليه النوى نويت بصرف النظر عن الشرح المعبر عنه في الكلمات المغناه. هذا لا نسمعه عند اكبر الموسيقيين والملحنين في ذلك الوقت. وكأن فريد يلجأ هنا الى تقنيه الكورال في الترتيل الكنسي الذي أعطى نهجه لكل من لجأ الى هذه التقنيه . وبانتقالنا الى النصف الثاني من الاغنيه نلاحظ ان الموسيقى الممهدة قد تغيرت بلحنها عن سابقتها قبل وبين المقاطع الثلاثه ، ولذلك هدف تعبيري؛ انتهت مرحله تصوير الحاله المتأرجحه وانتقلنا الى مرحله التأني بالحاله الناتجه عن القرار المتخذ في بدايه الاغنيه. تطورت الموسيقى من الايقاع المنتظم الذي يسدد خطوات الانتقال الى إيقاع مرح يحاكي استعداد المغنيه للانطلاق بخطوات ثابته في الطبيعه المداويه تمرح مع الطيور وتنتعش مع الزهور."