تآمر المتآمرون ولكن الاحمدية استحضر نابغة عصره
الموسيقار العالمي فريد الأطرش بريشة المبدع منتصر الوهايبي
كتب عبدالله أحمد عبدالله :
كالجبال الشامخة ..نرى الاقزام تحاول النيل منه ..وعلى مدى اربعين عاما لم تحرك منه شعره , وعلى مدى اربعين عاما أخرى لم يزده مكرهم الا تألقا وبريقا . حقا , أن الكبار هم الذين يخوضون كبار المعارك , والمتقدمين في الصفوف هم الذين يطعنون من الخلف .
هذا هو العملاق العالمي فريد الأطرش ولا نستغرب أن يشتد المكر عليه فهو عملاق , ولن يكون المكر بسيطا .. يأتي كبار المغنين في عصره ولا يغنون من الحانه , وهم يعلمون انها ستغير فيهم إلى الأفضل , ويعلمون انها ستنجح نجاحا باهرا . هم يعرفون انهم هم الخاسرون , قال كبيرهم عبدالحليم حافظ : ((يمكن انا دلوقت باشعر بالندم اني ماغنيتلوش)) . !! لماذا ؟ مامنعك ايها الاستاذ ؟ انه الحقد . والحقد لا دواء له , لأن الحقود يدمر نفسه في سبيل النيل ممن يحقد عليه . وهكذا كان , وذهب كبار فناني عصر فريد الأطرش ولم يغنوا من الحانه , وهو كالكبار يدعوهم للغناء من ألحانه , ويعرض عليهم ذلك ويؤثرهم بأجمل ألحانه , حتى أن ام كلثوم عندما رفضت الربيع أصر بذكائه الخارق أن يجعل منها (فريدة الغناء العربي) , وتميزت الربيع بصوته وألحانه حتى صارت تسمى (اوبريت الفصول وسيمفونية الربيع) , ونكاية في الست التي رفضت غناءها جعل يصر على غنائها كل عام أمام الجمهور , لمدة اكثر من ربع قرن من الزمان , وكل عام تزداد بريقا وتألقا , وتتواضع امامها كل اختيارات ام كلثوم من أغاني , وقد اثبتت انها لا تحسن في اختيارها كله , او انها حقدا على نجاحات الفريد ضحت بعمل عظيم كالربيع , وحرمت نفسها منه . لقد صارت الربيع كالياذة هوميروس عند اليونان , وكشاهنامة الفردوسي عند الفرس , وكالمعلقات السبع عند العرب . تقف الربيع الان رغم انف ام كلثوم شامخة تثبت جهل هذه السيدة او تجاهلها لحقيقة الفن الراقي . وهنا لا استبعد صدق ماقاله فيها الملحن حلمي بكر (ام كلثوم مسؤولة عن تأخر الغناء العربي) , لماذا قال هذا ؟ لأن ام كلثوم حتى سبعينيات القرن الماضي وعلى مدى اربعين عاما , كانت وهي – حسب الإعلام المصري – سيدة الغناء العربي , تغني وخلفها (تخت شرقي) هزيل . وفرقة موسيقية متواضعة , لا تعزف على النوتة , وقال لي أحد كبار الموسيقيين العرب أن ضابط ايقاع لأم كلثوم اخبره ذات مرة : انه لا يستطيع أن يضبط الايقاع خلف الست !! لأن ذلك سيؤدي الى خروج ام كلثوم عن الايقاع , ولابد له أن يتابعها كيفما تغني . وقد خرجت ام كلثوم عن النغمة عند غنائها ليلة حب وهذا لا يفعله الكبار , اذن طول عمرها وهي تغني وراء تخت متخلف , في حين أن الموسيقار العالمي فريد الأطرش وقبلها بأكثر من عشرين عاما كان يغني وخلفه فرقة اوركسترالية كاملة حتى بالبيانو , تعزف على النوتة وبلباس موحد وحركة قوس موحدة واداء احترافي كأي فرقة اوركسترالية محترمة في العالم .. اذن هم رفضوا الفريد ليس الا حقدا على نجاحه , واما اصراره هو أن يلحن لهم فقد كان تحديا لعبد الوهاب , ويريد أن يتفوق عليه بأصواتهم , وعرف عبدالوهاب ذلك , وحقد عليه فكان يسعي لابعادهم عن الفريد . نعم في كل زمان ومكان كان يوجد اعداء للنجاح .
وكما شغل المتنبي – عملاق الشعر العربي – عصره والعصور التي تلته . وهو القائل :
انام ملء جفوني عن شواردها
ويسهر الخلق جراها ويختصم
فكذلك شغل العالمي فريد الأطرش – عملاق الفن العربي – عصره والعصور التي تلته , وقصته لا تبتعد كثيرا عن قصة المتنبي , بل كانت اوفر حظا , ففي حين كان المتنبي تواقا للإمارة , كان فريد الأطرش أميرا حقيقة , وكما حقد أبو الفرج الأصفهاني مؤلف كتاب الاغاني على المتنبي وحذف جميع شعره واغفل ذكره في كتابه الاغاني المؤلف من (أربعين مجلدا) , فقد حقد فيكتور سحاب على الموسيقار العالمي فريد الأطرش وحذفه قسرا من كتابه السبعة (الصغار) !! واستبعده , ولكنه بفعلته هذه فضح نفسه امام التاريخ , لأنه ليس ناقدا فنيا ولا يملك امكانية تقييم الفنانين وانما كان مجرد مؤرخ فني فقط , وهنا تسقط كل حججه في استبعاد العملاق فريد الأطرش , ووضع كل من هم دونه في كتابه , وبذلك لا يمكن لهذا الكتاب أن يعد مرجعا فنيا ابدا , وهنا يتضح لنا أن الحقود يضر نفسه اكثر ممن يحقد عليه فحقده علي فريد اضر بكتابه كمرجع موسيقي .
(الفنان التونسي منتصر الوهايبي ابدع اكثر من صورة للعالمي فريد الأطرش)
لاشك أن المدقق في مجريات الامور يجد أن العدو الاساسي للموسيقار العالمي فريد الأطرش هو (محمد عبدالوهاب) بكل صولجانه وتسلطه , وهو دليل ضعف لا قوة , ويكفي أن نعرف أن نصف اعماله مسروقة من العالميات , وحتي المحليات , بل وصل الي انه سرق حتي موسيقى الاغاني الهابطة التي لا تذكر , ورغم ذلك يصنفونه انه الاول , وهذا في ميزان النقد الحقيقي وعندما تخضع المقومات (للتحليل الحقيقي) ليست صحيحة على الاطلاق , بل أن القصبجي وسيد درويش يعدان قبله بمراحل , فما بالك بالعملاق فريد الأطرش , الذي يقف في المقدمة بلا منازع
وهاهو ورغم السبعة الصغار وفكتورهم , يقف في بيروت – شامخا كالطود – أستاذ بمساحة المدى (المهندس الأستاذ محمود الأحمدية) رئيس جمعية الموسيقار بلبنان , ليصنف واحدا من اهم ما كتب حول الموسيقار , وهو الكتاب الذي هو بصدد الصدور قريبا (فريد الاطرش العالمي نابغة عصره) وكأنه الرد الحقيقي على كتاب السبعة الصغار لصاحبه الجاهل فنيا الصغير فيكتور سحاب .
حقا أن الحقد يفعل افعالا لا يقبلها العقل .والا فهل يقبل العقل أن يعترف العالم كله بالموسيقار العالمي وتقام حول اعماله الدراسات وتوضع على نغماته اول باليهات عربية في العالم , ويغني الحانه العالم اجمع . ومع هذا فكبار مغنيي عصره يرفضون الغناء من ألحانه !! وهل يصل الحقد إلى حد أن يستبعد من كتاب يفترض انه مخصص للحديث عن كبار الموسيقيين والفنانين ويضع تلميذته ( اسمهان) بين الكبار مستبعدا استاذها ومعلمها الموسيقار العالمي فريد الأطرش . لقد صدق الشاعر حين قال :
اصبر على كيد الحقود
فإن صبـــرك قاتلـــــه
فالنار تأكل بعضهــــا
أن لم تجد ما تأكلـــــه
اصدق كلمة قالها عبدالحليم في اواخر ايامه : (( يمكن أن دلوقت باشعر بالندم اني ماغنيتلوش )) واما عبدالوهاب فكان اذا تحدث عن فريد يتحدث عن اشياء شخصية ولا يتطرق الي فنه ابدا الا بكلمات عامة ونادرة جدا . اما اصدق ماقيل هو قول بليغ حمدي : أن فريد سوف تعرف قيمته بعد ثلاثين عاما . وفعلا عند دراسة اعماله الفنية سنجد انه اعظم موسيقي ظهر على ارض العرب ولن يجود الزمان بمثله , وقد حقق معجزات لا يمكن أن يحققها غيره . وعلى سبيل المثال لا الحصر . في اندونيسيا يغنون لحنا من الحانه وهو عبارة عن نشيد , وهذا من العجب , وفي روسيا يغنون له قصيدة بالفصحي وهذا من العجب ايضا , ويغنون له أيضا (موالا) وهذا لا يحدث لأن الفرنجة بصورة عامة لا يغنون الربع تون ولكنه حدث مع الفريد فهذا هو الاستثناء من القاعدة . والاغرب من ذلك أن تنشر شركة صوت القاهرة في تقريرها السنوي أن دخل اسطوانة (ماقللي وقلتله ) للموسيقار بلغ مجموع دخل اسطوانات عبدالوهاب وام كلثوم مجتمعة , وهذا تقرير موثوق منه من خلال مبيعات الشركة , والأمثلة عن عبقرية هذا العملاق لا تعد ولا تحصي . واما تحليلات واراء الكثيرين فقد كانت تحاول انكار قدرات الموسيقار , وليس أدل علي ذلك من قول عبدالوهاب عن صوت وديع الصافي انه أقوى صوت عربي , وهذه ايضا كذب وافتراء , والاسباب علمية وليست بالمجاملات . فريد اقوى من صوت وديع الصافي بمراحل كثيرة واليكم دليل واحد علي ذلك , في أغنية نجوم الليل عندما حاول تصوير اليأس في مقطع ( ياربي ايه العمل دي حكمتك , يائس ومالي امل غير رحمتك) – وضعه في أعلى الدرجات – وهذه عبقرية ايضا لتصوير منتهى اليأس ’ فكان يصل الي درجة جواب الجواب . وللتوضيح يقول الأستاذ الملحن الليبي الكبير ابراهيم اشرف : الموسيقار الكبير فريد الأطرش يصل الي (الهفت) بل الى (السهم) وهو (جواب النوا) واذا قورن هذا بصوت كوديع الصافي فهو أعلا منه كثيرا .. كما انه يثبت على الدرجة – وهذا مهم جدا – حتى انك تستطيع أن تؤكدها , في حين قد يصل بعض المطربين الى درجة عالية , ولكنهم لا يثبتون عليها , وسريعا ما يعودون عنها . ولذلك ففريد يتميز بطول النفس , فهو يبقى وقتا اطول في أعلى الدرجات أكثر من أي مطرب عربي ظهر قبله أو بعده , وميزته انه يستمر على الدرجة لفتره طويلة , ربما هناك من يصل للدرجات العالية ولكنه سرعان ما يرجع , ولكن صوت فريد يرتكز على تلك الدرجة , أي أن استمراريته على الارتكاز اكبر , فيصحح الدرجة لمن يستمع , وتميزه بطول النفس اكثر من وديع , لأن وديع الصافي أقصر نفسا منه كثيرا , ولذلك فهو يقطع في الغناء ولا يستطيع الإطالة كفريد .
وبعد هذا الكلام الا نرى أن عبدالوهاب يهضم حق فريد . وعندما يقول أن صوته افضل من الحانه !! أليس هضما في حق فنان قدم ألحانا بهرت العالم , وعزفتها اكبر الفرق العالمية , ووزعها كبار موزعي العالم كالفرنسي فرانك بورسيل وغيره .
رغم طول ماكتبت الا انني اراه قصيرا امام عملاق كفريد الاطرش , ولكنني اردت بهذه المقالة التحية والتقدير للأستاذ المهندس محمود الأحمدية رئيس جمعية اصدقاء فريد الأطرش بلبنان لاطلالة صدور كتابه المهم ( فريد الأطرش العالمي نابغة عصره ) كتاب صادق يعبر عن محبة ودراسة عميقة لمبدع عربي لن يجود الزمان بمثله بسهولة .
(الأستاذ محمود الأحمدية )
(غلاف كتاب فريد الأطرش العالمي نابغة عصره)