بعد أن أصاب فريد الذعر منّي وأنا أجلس بجواره في خلفية معهد الموسيقى العربية، ونحن نتناول الكوكاكولا التي أهدانا إياها العازف الذي كان يقف خلف أم كلثوم وهي تصدح علي المسرح، وبعد أن رافقت فريد من باب الدخول لإدارة المسرح وحتى خشبة المسرح، وبعد تبادلنا الحديث في تلك المدة التي امتدت لحوالي ثلاث دقائق، إذ كان فريد يدخل منفردا في كل حجرة تقابلنا ويسلم علي من فيها، ويفتح الغرف المقفلة ويدخلها لو كان بها أشخاصا ليسلم عليهم ، ويعود لي، وبعد أن دخل علينا المرحوم المهندس الصديق الذي رافقني أنا وإخوتي وصديقي قدري السوري في الذهاب للمسرح، وأعطاني المهندس قصيدة كان قد نظمها في حب فريد لأعطيها له ، ثم غادر المكان مسرعا ليقف مع إخوتي وقدري في الكواليس، واعتقدت أنا أنه قد جاءت الفرصة لأجد مدخلا أتحاور فيه مع حبيب العمر كله وهو جالس بجواري واضعا رجل علي رجل ويربت بيده اليمنى علي ركبتيه مع لحنه الخالد " بقى عايز تنساني " الذي كانت المرحومة سعاد محمد قد وصلت لفقرته الأخيرة حين دخلنا أنا وهو لخشبة المسرح. وناديت عليه بصوت خفيض وبمنتهى الرقة " أستاذ فريد " فإذا به يصيبه ذعر قاتل خفت أن يغادر الحياة علي إثره وهو يقول " إيه ؟؟؟ فيه إيه ؟؟؟، فسارعت بالقول " مفيش حاجة خالص يا أستاذ. دي قصيدة لحضرتك جابها لي صاحبي الآن " ،هنا تغير فريد ليعود فريد الذي عهدته طوال حياتي ، وقال معتذرا" أيوه بس أنا عندي قصايد كتير " فرددت عليه " لا يا أستاذ دي قصيدة في مدح حضرتك، وليست قصيدة لتغنيها " فقال " والله.. حاجة تكسف " وفتح الورقة وأخذ يقرأ فيها للحظات، ثم التفت إلي قائلا " بس مش عارف أكملها هنا، ممكن أحتفظ بييها وابقى أكملها في البيت ؟ " قلت " طبعا يا أستاذ " فشكرني وعاد لمتابعة المرحومة سعاد محمد، وبعد انتهائها من البروفة جاءت وسلمت علي فريد وقبلته علي وجنتيه، ثم سلمت عليّ وانصرفت، وبدأت الفرقة المويسقية الكبيرة في وضع الاستعداد للأمير. كان يمكن لفريد أن يعتذر لي بلباقة ويطلب مني الانصراف ليركز في عمله الذي جاء من أجله رغم أنه لم يبقى إلا حوالي ست ساعات ليظهر أمام جمهوره الحبيب ليشدو وليمتع العالم العربي كله. لم يمانع فريد مطلقا وأنا أسحب الكرسي الذي كنت أجلس عليه لأجلس وحدي أمامه مباشرة ، والفرقة الموسيقية كلها في مواجهته ومن خلفي . وأخذ يشدو بسنة وسنتين الجديدة، وبسرعة إلي حد ما ، ثم جاء دور " الربيع ". كانت نظرات فريد لي وهي يغني كأنها تبادلني مشاعري ، وتقول لي " يا حبيبي .. يا خسارة .. ليتني كنت أعرفك من زمان . إن شاء الله سوف نكون أعز صديقين من الآن فصاعدا " وبالطبع كانت نظراتي له تقول له ما هو أكثر من ذلك بكثير. وكانت فرحته الغالية وابتسامته الحبيبة لي تثبت لي هذه الأحاسيس وهو يصيح لي " الله ... حلو قوي الحتة دي" بعد قفلات معينة في رائعته الربيع.
كان اليوم هو بلا شك أسعد أيام حياتي، وله تكملة بالطبع بعد انتهاء فريد من البروفة أرويها لكم أحبائي قريبا إن شاء الله .